الهجوم الإسرائيلي على غزة حرب إبادة

2023.10.19 | 06:08 دمشق

الهجوم الإسرائيلي على غزة حرب إبادة
+A
حجم الخط
-A

تندهش وأنت تسمع إلى مواقف صناع القرار في الغرب أو تقرأ عناوين معظم الصحف فيه، فضلاً عن الإعلام المرئي، من بشاعة نمط الخطاب الموحّد في البلدان الديمقراطية على طرفي الأطلسي، في موقفها المعلّب مما يجري في فلسطين – قطاع غزة، هذا الموقف البارد الذي يقول بكل ثقة إن ثمة إرهابيين ينتمون إلى حماس نفذوا هجوماً مباغتاً على مدنيين إسرائيليين وارتكبوا بحقهم جرائم بشعة تذكّر بما جرى أيام هتلر والمحرقة، وبهذا الموقف يجرد أصحاب ذلك الخطاب الفلسطينيين -سكان غزة وغيرهم- من انتمائهم البشري، حيث يؤطروهم في فئة الإرهابيين، الذين يرتكبون مجازر متوحشة ضد مدنيين في بيوتهم! وبالتالي يستوجب أمر ملاحقتهم إلى الأبد. وعلى الطرف الآخر، يتعاطف أكثرية الناس مع هذا العمل مدركين سببه الأصلي، الاحتلال، وبنفس الوقت يتخوفون من ارتباطاته مع الأنظمة القمعية في المنطقة.  

لم يكن هذا التوحّد أو العمى الغربي عما يجري ناتجاً عن جهل أو عدم دراية بمجريات الأمور، فهم مطلعون حتى على أدق الخفايا، وإنما ينبع موقفهم هذا من موقف متعمد متأصل في تركيبة الدول ذات الإرث الاستعماري، هذا الإرث الذي لا يزال يتحكم في كثير من المواقف تجاه تحرر الشعوب، ويكسبه عدائية أكثر.  ويتكثف الموقف عندما يتعلق بمنطقتنا، وخاصة للبلدان المحيطة بإسرائيل، التي أسست بمشيئة غربية استعمارية ولا تزال تتمتع بأفضل رعاية من دول الغرب عموماً، مع العلم أن إسرائيل قامت معتمدة على عصابات من شذاذ الآفاق الإرهابيين، الذين تدفقوا إلى فلسطين وارتكبوا أبشع المجازر، بحيث صنفت عام 1975 كشكل من أشكال العنصرية، وبالطبع، لا تزال ترتكب إبادة بحق الفلسطينيين، بفعل متعمد من دون أن تلقى أي إدانة وضغط، وإنما الدعم بحجة "الدفاع" عن النفس!

كان خطاب المحتلين شديد الغطرسة والعدائية، ممهداً الأرض أمام العدوان البشع، وكاسياً إياه بلغة بشعة وصلت إلى حد تجريد الفلسطينيين من آدميتهم، من إنسانيتهم، من كونهم بشراً

في الحدث الأخير، عملية طوفان الأقصى، الذي يسجل سابقة مهمة من حركة مقاومة تجاه بلد محتل، كان خطاب المحتلين شديد الغطرسة والعدائية، ممهداً الأرض أمام العدوان البشع، وكاسياً إياه بلغة بشعة وصلت إلى حد تجريد الفلسطينيين من آدميتهم، من إنسانيتهم، من كونهم بشراً، عدا أنهم يعانون أبشع أنواع التمييز العنصري (الأبارتهيد)، حيث يصفوهم بأنهم "حيواناتٍ بشرية" في تبرير لقتلهم العاري، إضافة لممارسة أشكال أخرى من القتل مثل الحصار والتجويع، كل ذلك مترافقاً مع إبادة للمكان بعد البشر، وهي فعلة تشترك كثير من أنظمة بلادنا، وخاصة الأسدية مع نظام الفصل العنصري فيها، ولا تلقى الردع أو الموقف الحاسم منها.

يعود موقف الدول الغربية على ضفتي الأطلسي، فضلاً عن المصالح وهي محدد قوي لسياستها، إلى أسس فكرية نظّر لها كل من برنارد لويس وصموئيل هنتنغتون تجاه شعوب المنطقة، تحت صيغ مختلفة، كشعوب ذات غالبية إسلامية، باعتبارها تهديداً محتملاً تجاه الغرب ومنبعاً للتخلف وبالتالي الإرهاب، وخاصة بعد فشل التجربة الروسية في الاشتراكية، وسيادة الولايات المتحدة كقطب واحد كانت أولى إنجازاته سحق العراق واحتلاله، وإلغاء القرار الذي يعد الصهيونية حركة عنصرية نهاية عام 1991 (كشرط لمشاركتها في مفاوضات مدريد)، كل ذلك من دون النظر أو حتى التفكر في دور الغرب في سحق ونهب تلك البلدان، وحتى رسم حدودها على أسس قابلة للانفجار في أي وقت، وتغذية الصدوع القائمة بالتشارك مع أنظمة ما بعد مرحلة الاستعمار المباشر، تلك الأنظمة التي بنت علاقتها مع الشعوب على أسس عدائية أيضاً، وهو ما يشكّل جذر المشكلات في منطقتنا.

أما عن دوافع عملية طوفان الأقصى وارتباطاتها وتشعباتها، فقبل كل شيء وبعيداً عن حسابات الربح والخسارة، فهي عمل نوعي، سواء خططت لها بمفردها أم شاركها آخرون، لم تواجه إسرائيل مثلها منذ تأسيسها، كما أنها رد فعل طبيعي جداً على حصار شعب وتجويعه لأكثر من (15) عاماً، بغض النظر عن الموقف من السلطة القائمة في غزة -حماس- التي تولت السلطة عبر الانتخابات، هذه السلطة ذات الخلفية الإسلامية، التي تندرج بشكل من الأشكال ضمن الأهداف التي تجب محاربتها من الغرب، ومن الأنظمة العربية. ضمن هذه التشابكات، ونتيجة لتخلي الأنظمة العربية تماماً عن الهم الفلسطيني وحصره بتقديم بعض المساعدات كما يجري مع السوريين، كانت الفرصة مواتية لإيران لتملأ هذا الفراغ، وتغلف أهدافها الإمبراطورية بالهيمنة على المنطقة العربية أو التشارك مع إسرائيل عليها، وهو ما يفسر جزئياً التصارع الإسرائيلي -الإيراني، من خلال "دعم" حركات المقاومة في فلسطين.

إيران يمكن أن تضحي بكل أهل فلسطين، وليس بحماس فقط، من أجل مصلحتها وخاصة في مفاوضاتها حول البرنامج النووي، وهذا ليس سراً، لكن لا بد من أخذه بالحسبان في العلاقة مع هذه الكيانات

إن محاولة تفهم موقف حماس لا تعني أبداً تبريره، وبالتحديد مع إيران وهذا ينعكس اليوم في مواقف أكثرية الأنظمة العربية إضافة إلى إيران وميليشيا حزب الله في لبنان، حيث المواقف الخجولة أمام هذا العدوان والقتل، إضافة إلى أن إيران يمكن أن تضحي بكل أهل فلسطين، وليس بحماس فقط، من أجل مصلحتها وخاصة في مفاوضاتها حول البرنامج النووي، وهذا ليس سراً، لكن لا بد من أخذه بالحسبان في العلاقة مع هذه الكيانات.

يبقى السؤال هل يخدم هذا العمل الفلسطيني البطولي إيران، وهل ستسّخره إيران خدمة لمصالحها أو ورقة في مفاوضاتها مع الغرب حول برنامجها النووي وغيره من القضايا المتشابكة؟ سؤالاً مطروحاً في ظل حالة التصارع الدولي وخاصة في منطقتنا. والجواب البسيط والأساسي أن أول من يستفيد أو يخسر هم الفلسطينيون، وذلك تبعاً للنتائج التي ستلي هذه المعركة. أما الأطراف الأخرى، فلم يعد هناك ثمة استقلالية لحدث بعينه، وإنما تسعى الدول الكبرى إضافة للأطراف الإقليمية للاستفادة مما يحدث وتوظيفه لخدمة مصالحها أولاً، وهذا يقتضي منها دعم طرف من الأطراف، بغاية الحصول على مقعد على طاولة التفاوض على مصالحها وسط التصارع الجاري اليوم على إعادة رسم خريطة المنطقة.

في هذه المعركة التي يتعرض فيها الفلسطينيون لمذبحة حقيقية تصل حدّ الإبادة، لا شك أن حماس، مثلها مثل حركات المقاومة وقوى الثورة، تتعرض لأصعب امتحان سياسي وأخلاقي، ويتلخص بالتعاون والاستقلالية مع الأطراف الداعمة، وهذا ما يشغل ذهن الناس الداعمين لحق الفلسطينيين في مقاومتهم، ويتركهم في حالة من القلق، وخاصة أولئك الذين يعانون من مثل هذه العلاقات.