النكتة السياسية السورية حالياً وسيم الأسد وتطوير الفكر نموذجاً

2024.01.02 | 07:11 دمشق

النكتة السياسية السورية حالياً وسيم الأسد وتطوير الفكر نموذجاً
+A
حجم الخط
-A

يمتلك الناس الكثير من الطرائق والأفكار والأسلحة المعنوية لمقاومة الطغيان والفساد والاستبداد، والسوريون مثل بقية الشعوب، مازالوا يخترعون النكتة السياسية والطُرفة الحياتية النابعة من قلب المعاناة اليومية، للتعبير عن سخطهم ولكن بطريقة فنية يضحك فيها القلب بالحد الأدنى، فرغم الإنهيار الاقتصادي والاجتماعي المتواصل هناك ما يكفي من الذكاء السوري والإبداع للرد على كل هذا القهر والقمع المتواصل.

من هذه الأسماء البارزة المخرج السوري جمال داوود، فقد نشر منذ أيام ضمن ما يطلق عليه "ماسونيات" تسجيلاً يسخر فيه من وسيم الأسد الذي قامت محافظة دمشق منذ مدة بتكريمه وذلك لأنه يقوم "بإثراء وتطوير الفكر" وبالرد على الأسد وسيم، نشرت الناشطة المعارضة ميسون بيرقدار تسجيلاً تسخر فيه من تكريم وسيم الأسد. والظاهر أن الأسد الصغير قد شاهد الفيديو البيرقداري الساخر فقام بنشر فيديو ممتلئ بالشتائم الموجهة طبعا لميسون، وفي السياق يستغرب بشكل جدي كيف يتم تناقل موضوع التكريم على أنه تكريم له بسبب إثرائه للفكر. هنا تماماً يأتي دور المخرج داوود ليسرد بذكاء وخفة ظل رائعة عن موضوع تطوير الأسد الصغير للفكر البشري وإثرائه، فوسيم "لديه مرافقة، نظارات متنوعة الأنواع، أموال طائلة.. أما فكر.. فهذا مستبعد عنه".

فحتى لو بدأ الأسد حديثاً ما عن الهواء، لقام فوراً بشرح معنى الهواء وأنه ضروري للإنسان، وأنّ الهواء يتركب من ذرات مثلاً

وحين يسخر السوري الذي يعيش في الداخل المنكوب نجده يتلاعب باللغة ويحتال عليها فنياً كي لا يتم اتهامه بمعارضة النظام، فيطلق على الأسد أسماء أخرى منها مثلاً: المختار، البطة، الوالي، أو محافظ حمص وما شابه.. من توريات واضحة الدلالة.

ولماذا لا يضحك السوري ويسخر! فلديه رئيس مغرم بتعريف المفاهيم والمصطلحات، فحتى لو بدأ الأسد حديثاً ما عن الهواء، لقام فوراً بشرح معنى الهواء وأنه ضروري للإنسان، وأنّ الهواء يتركب من ذرات مثلاً.

ومن داخل المعاناة الحياتية نقرأ في وسائل التواصل الاجتماعي يومياً الكثير من المنشورات الساخرة، فتلك السيدة السورية ركضت صباحاً وغايتها الرياضة، لكن أكثر من نصف أهل الحي ركضوا وراءها حين شاهدوها تركض، معتقدين أن الغاز قد وصل للحي. وبمناسبة السنة الجديدة هناك عشرات، لا بل مئات الطرائف التي تتناول السهر في ليلة رأس السنة، فهذا شخص معه 20000 ألف ليرة سورية وهو مستعد لدفعها في أي سهرة قادمة، حيث آخر همّه المال. وانتشرت صورة لعائلة سورية تلتحف بالبطانيات في غرفة محاولة السهر أمام ما يمكن أن يبثه التلفزيون الرسمي رغم انقطاع الكهرباء وغياب التدفئة. وعنوان الصورة، بث تجريبي من سهرة لرأس السنة.

يسرد لنا سوري آخر كيف خسر المهاجرون والمغتربون السوريون سهرات الشتاء السورية، فهم لايستطيعون في مغترباتهم تحميص الكستناء فوق مدافئ المازوت، ولا الاستمتاع بالدفء الوطني بقرب المدافئ، ولا يمكن لهم متابعة مسلسل السهرة ومشاهدة آخر إعلانات علكة سهام.

السوريون المختلفون سياسياً في كثير من القضايا، ويتفق غالبيتهم على النكتة، لاسيما النكتة السياسة التي تسخر من الرئيس ومقام الرئاسة وموضوع السيادة، فالقصف شبه اليومي من قبل إسرائيل على مطاري دمشق وحلب، جعل أحدهم يكتب موضحاً بأن المال الذي يحصل عليه الأسد من بيع جوازات السفر للناس لا يكفيه لإصلاح مدارج المطارات، فعلاً وضع لا يطاق.

نعم يا سيادة الرئيس، السوري الذي طحنته المعاناة اليومية وشاهد الرصاص الموجه له ولأبنائه حين قاموا بالتظاهر احتجاجاً مازال يقاوم العنف والقمع والرعب اليومي بالضحك والسخرية ممن تسبب له بكل هذا الألم، عبر كل الوسائل ومنها السخرية، نعم هي سخرية سوداء، لكنها تؤجل عنه الجلطة، وربما تمنع عنه الإكتئاب، فالضحك دليل حياة وانتظار للمستقبل.

وفي يوم مضى قال ممدوح عدوان بأن الإعلام السوري يكذب حتى في درجات الحرارة ونشرة الطقس.

يقولون بأنهم عندما فلتوا الكلاب لتتعرف على السارقين هجمت على محافظ حماة ومدير المنطقة

في تسعينيات القرن الماضي، حدثت سرقة كبيرة لمعتمدية الرواتب في مدينة سلمية التابعة لمحافظة حماة والمكان بناء معروف يقع على شارع حماة. وتناقل الناس يومها نكتة "بأن حاميها حراميها". وضمن روتين البحث عن اللصوص قالوا بأن هناك كلاب بوليسية جيء بها من أجل التحقيق، وأحد شعراء المدينة علق قائلاً: يقولون بأنهم عندما فلتوا الكلاب لتتعرف على السارقين هجمت على محافظ حماة ومدير المنطقة.

قمة السخرية السوداء أن لا يبقى في يد الناس سوى الكلام الساخر لتغذية أرواحهم المتعبة، فالسياسة الممنوعة في بلاد البعث تعبّر عن نفسها في مختلف الكلمات اليومية. وربما هي قمة الفكاهة السوداء أن يبقى الأسد حتى الآن على رأس الحكم.

ثمّ مثلاً، لما لا نطالب أن تقوم وزارة التجارة الداخلية التابعة للأسد بإعلان أسعار حبوب الكبتاكون علناً ويومياً أسوة بأسعار الخضار والفواكه، فربما يفكر بعضهم ً بالشراء، ولم لا؟ مادام رئيس البلاد متهما بصفته أكبر تاجر مخدرات في الكوكب!

وقبل أن تقصف إسرائيل مجدداً مطار دمشق الذي حولته إيران إلى معبر لتهريب أسلحتها، نتذكر تلك الحادثة الطريفة لبرناردشو: في إحدى الحفلات الرسمية التقى ونستون تشرشل برناردشو، وكان شو طويل القامة نحيلاً. فقال تشرشل لبرناردشو مداعباً: "إن من يراك على هذه الحال يظن أن بريطانيا تشكو من المجاعة" فأجابه برناردشو على الفور: "ومن يراك يا سيدي سيعتقد بأنك أنت الوحيد المسؤول عن المجاعة!".