icon
التغطية الحية

النظام يخطط لتحويل التكية السليمانية إلى مطاعم

2019.09.20 | 18:09 دمشق

التكية السليمانية في دمشق (تلفزيون سوريا)
دمشق - نور سعيد - تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

دمشق القديمة التي اتكأت بيوتها على المآذن، وجاورت مآذنها أجراس الكنائس، وهي العاصمة الأقدم التي لم تهجر يوماً، ولا تخلو أزقتها من أثر لأحد العصور الغابرة، تكاد اليوم تخلو من أهلها الذين هجروها بعد أن أقلقت راحة أيامهم صخب "الديسكوهات" والملاهي الليلية، وباتوا غرباء عن مدينتهم، فالبيت الدمشقي أمسى باراً لسهرات المتراقصين على جراحنا، ومطعماً للمأكولات الغربية، وفندقاً لا يتحمّل تكلفة الإقامة فيه إلّا من امتلأت جيوبهم من دمائنا، وفي أحسن الأحوال مقهىً يرتاده جيلٌ جديدٌ لا يعرف عن دمشق سوى مقاهيها وباراتها.

في حي القيمرية  لم يبق مثلاً أكثر من خمس عائلات صامدة متشبثة بالأرض كأشجار النارنج والكبّاد التي تنزّ ألماً كلّما مرّت السيارات الفارهة المسرعة في الأزقّة العريقة التي وجدت لتحمل خطوات البشر.

تمزيق معالم المدينة

قرارات لا يعلم أحد كيف اتخذت ولمصلحة من، شوارع وجسور مزقت حي ساروجة التاريخي، وغيرت معالمه ليبدو اليوم نشازاً وسط كتل الإسمنت ولمعان الإسفلت، ومتحلق دائري يلامس سور دمشق عند باب كيسان وفي الحديقة التي يحصرها تبدو كتل الآثار طافية فوق العشب تشهد على خراب أيامنا.  

وبذات الشكل الممنهجٍ وبنفس الأسلوب الذي تعامل عبره النظام مع جميع الآثار السورية، وبالإهمال المتعمّد نفسه، وبتشويه الهوية المعمارية السورية نفسه، ها هي ذي أيدي النظام تطال التكية السليمانية في قلب العاصمة دمشق، وبحسب أحد العاملين سابقاً في التكية فقد علم الحرفيون في سوق المهن اليدوية داخل التكية عن طريق الصدفة بأنّ المديرية العامّة للآثار قد وقّعت عقد تخلّي عن التكية لصالح الأمانة السورية للتنمية والتي تديرها أسماء الأسد، وأنّه تحت حجّة "الترميم" سيتم تحويل الجهة الشمالية الغربية "المتحف الحربي سابقاً" من التكية إلى مطاعم، وسيتم إخراج الحرفيين من محلاتهم التي ورثوا فيها المهن اليدوية التقليدية عن آبائهم، كما حدث عام 2015 في الجهة الشمالية من السوق خارج الساحة، حيث أُخرِجَ الحرفيون وتم تغيير الطابع المعماري للمحلات بما لا يتوافق مع روح التكية، وتم جلب موظّفين للعمل في هذه المحلات تحت اسم ماركة "أُبّهة" وذلك بعد رفض الحرفيين العمل مع الأمانة السورية للتنمية بسبب استغلالها لهم وعدم احترامهم.

مديرية آثار أم فرع أمن؟

وبعد أن خرج الموضوع للملأ، وأنشأ ناشطون صفحة على فيسبوك بعنوان "معاً لحماية التكية السليمانية بدمشق من التخريب" ولاقى تفاعلاً كبيراً، وجدت مديرية الآثار ومعها وزارة الأوقاف نفسها في موقفٍ محرجٍ أمام الرأي العام، فأطلّوا بتصريحاتٍ تحمل طابع التهديد والوعيد متهمين الأصوات التي تعلو معارضة لهذا المشروع وغيره من المشاريع المشابهة بأنها "تهدف إلى وقف التنمية سواء" كما هددت المديرية باللجوء إلى القضاء المختص لمحاسبة كل من "أساء إلينا بعمد أو بجهل"  على حد تعبيرها، وكأنّنا أمام تصريحٍ صادرٍ عن فرعٍ أمنيٍّ وليس عن مديرية آثار!

ممّا أثار استهجان الناس الخائفين على تراث دمشق، الذين لا يريدون شيئاً ولم يطالبوا بشيء سوى توضيح تفاصيل مشروع الترميم هذا إن كان حقّاً لا يهدف إلى تشويه التكية!

ورغم ذلك ازدادت الحملة على مواقع التواصل الاجتماعي، ليخرج مدير الآثار مُضّطراً بتوضيحٍ خجلٍ "سيتم استثمار التكية السليمانية مثلها مثل أي بناء أثري بالعالم من خلال إدخال بعض الأمور التخديمية مثل المرافق العامة وإدارة التدفئة والغاز" لافتاً إلى أن "كل ذلك سيكون تحت الأرض ولن يتم الإساءة للبناء القائم"

"كأنّنا بحاجةٍ إلى مزيدٍ من المطاعم!".. يقول أحد المارّة داخل التكية ويتابع "لماذا التكية؟! وهم يستطيعون إقامة المطاعم في أي مكانٍ يريدونه، وفي مواقع أفضل بكثيرٍ من هنا"!

ولاتزال التسريبات تتوالى عن هول ما سيحدث للتكية من قطعٍ لأشجار الحديقة وتغييرٍ للطابع المعماري فيها وتحويلها إلى مطاعم دون أي احترامٍ او مراعاةٍ لمكانتها الدينية والتاريخية.

ويقول أحد المعماريّين المختصّين لـ موقع تلفزيون سوريا "لا أحد ينكر حاجة التكية السليمانية للترميم منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ولكن في هذه الحالات هنالك معايير يحدّدها الخبراء، وإلى الآن لم يخبرنا أحد عن تفاصيل ذاك الترميم التي يجب أن تكون علنية ومنشورة للملأ!، وإنّ إحداث أي نوع من أنواع الخدمات التي تقدم في المطاعم يعني التغيير الأكيد في الطابع المعماري للتكية وربما الإنشائي."

التكية كانت سابقاً مكاناً يأوي إليه الحجّاج وطالبوا العلم والفقراء، وهي الآن لاتزال ملجأً لعابر السبيل المتعب ليستريح من حرّ الصيف في ظلال أشجارها، ومن مطر الشتاء تحت سقف أروقتها، كما أنّها المعلم الأثريّ العثمانيٌّ الأهم في دمشق، وتحتضن ما تبقّى من المهن الدمشقية التقليدية التي تلفظ أنفاسها الأخيرة في ظل هذا النظام الذي يسعى جاهداً لتغيير الوجه الحضاري والثقافي للعاصمة دمشق.

 

كلمات مفتاحية