icon
التغطية الحية

النازحون في المخيمات.. ملف مؤجل أم مغيب سياسياً؟

2020.09.04 | 17:03 دمشق

allajywn.jpg
نازحون في مخيم شمال غربي سوريا - الأناضول
إسطنبول - سامر القطريب
+A
حجم الخط
-A

الدولة الفاشلة والدولة المتوحشة؛ مصطلحات ارتبطت بـ سوريا بعد أكثر من تسع سنوات على الحرب التي بدأها نظام الأسد، يضاف إليها وصف سوريا بـ دولة المخيمات واللاجئين، الذين توقفت معظم الدول عن استقبالهم بسبب كفايتها من منتج الحرب السورية الأكثر شهرة (اللاجئين).

وسط كل ذلك يواصل النظام محاولاته للسطو على أملاك النازحين واللاجئين من خلال القوانين، أو عبر عرضها للاستثمار في المزادات، كما يحدث للأراضي الزراعية التي نزح أهلها بريف حماة، في حين تراوح العملية السياسية في مكانها وترخي بثقلها على الملفات الإنسانية.

 

السوريون نازحون ولاجئون

بحسب أرقام منظمة اليونيسيف فإن العدد الكلي للسكان في سوريا يبلغ 18.4 مليونا منهم 11,7 مليونا من المحتاجين بينهم 5 ملايين طفل. أما العدد التقريبي للأشخاص في المناطق التي يصعب الوصول إليها بلغ 1.1 مليون، في حين بلغ عدد الأطفال في المناطق ذاتها 360 ألفا.

وخلال السنوات الماضية نزح 6.2 ملايين سوري من مناطق سكنهم بينهم 2.6 مليون طفل. كما لم تنقطع قوافل اللاجئين السوريين منذ اندلاع الأعمال العسكرية واتباع نظام الأسد سياسة التهجير والتغيير الديمغرافي، في المناطق التي كانت خارجة عن سيطرته، حيث بلغ العدد الكلّي للاجئين المسجلين في دول الجوار نحو 5.6 ملايين لاجئ بينهم أكثر من 2.5 مليون طفل.

وتضيف اليونيسيف أنه في دول الجوار المضيفة للاجئين هناك ما يقرب من 10 آلاف لاجئ سوري من الأطفال غير المصحوبين أو المنفصلين عن ذويهم، مما يجعل هؤلاء الأطفال في وضع هشّ وعرضة للاستغلال بطرق مختلفة من بينها عمالة الأطفال، لعدم وجود وثائق قانونية.

 

سوريا.. مجتمع نزوح عاجز

تحولت أزمة النزوح إلى مأساة مزمنة، دفعت النازحين إلى تشكيل مجتمع نزوح يتألف من نحو 1300 مخيم شمال غربي سوريا، بحسب إحصائية لـ "منسقو استجابة سوريا"، ويعيش في هذه المخيمات أكثر من مليون نازح استطاعوا الفرار من القصف والتدمير، على أمل العودة لأرضهم  بعد انتهاء الأعمال العسكرية، لكن هذا الأمل مازال معلقا بسبب ارتباطه بالعملية السياسية.

تنتشر في شمال غربي سوريا مخيمات عشوائية بلغ عددها 382 مخيما، يقطن فيها أكثر من 185 ألف سوري، أما التركيبة السكانية يطغى عليها الإناث حيث وصل عددهم لـ  327,29، في حين وصل عدد الذكور لـ 307,829 والأطفال 408 آلاف، بحسب "منسقو الاستجابة".

أما بالنسبة للحالات الخاصة ضمن المخيمات مثل ذوي الاحتياجات الخاصة فقد بلغ عددهم 19,102 وبلغ عدد الأرامل(نساء دون معيل) 10,146.

بلغت نسبة العجز في الاستجابة الإنسانية ضمن المخيمات في قطاع الأمن الغذائي وسبل العيش: 52%، وفي قطاع المياه والإصحاح 69%، وفي قطاع الصحة والتغذية 83% ، وفي قطاع المواد الغير غذائية و59%، وفي  قطاع المأوى(تأمين الخيم للمخيمات العشوائية) 52 %، وفي  قطاع التعليم 79%، وفي  قطاع الحماية72%.

يعاني النازحون ضمن المخيمات من بيئة غير صحية ومخاطر التلوث وخاصةً في المخيمات العشوائية، والحرمان من مصادر الدخل الأساسية والاعتماد على المساعدات الإنسانية فقط.

كما توقف الأطفال عن الدراسة وتم التحول لنظام التعليم عن بعد، وهو أمر لا يمكن تحقيقه لدى كافة العائلات التي لديها أطفال ضمن فترة التعليم.

يضاف إلى كل ذلك غياب الرعاية الصحية والأسس الوقائية اللازمة من فيروس كورونا المستجد COVID-19 ، وسط نقص مستمر في الغذاء والماء وانعدام أبسط الخدمات اليومية.

ويبدو تخفيض أعداد القاطنين ضمن المخيمات حلا غير قابل للتطبيق، بسبب سيطرة النظام على مناطق النزوح بريفي حماة وإدلب، وخرق النظام وحلفائه وقف إطلاق النار في المنطقة.

 

النازحون في العملية السياسية.. تأجيل أم تغييب؟

ملف النازحين تحول إلى ورقة ضغط يستخدمها نظام الأسد وحلفاؤه أمام دول الجوار وخاصة تركيا، التي تنتشر المخيمات على حدودها، وبذلك انتقل الملف من سياقه الإنساني والحقوقي  إلى سياق سياسي، طريقه إن لم يكن مسدوداً فهو طويل وشاق.

ويقول الكاتب والباحث ماجد علوش لـ موقع تلفزيون سوريا "اليوم سوريا مقسمة عمليا إلى ثلاث مناطق ( النظام والشمال وقسد ) وكل القوى المسيطرة على الأرض في هذه المناطق تمنع عودة السكان الأصليين الى مناطقهم وكل بطريقته فالشمال بسبب الظروف الأمنية غير المستقرة من خلال القصف المتواصل والتهديد بالاجتياح من قبل النظام والروس".

ويتابع قائلا" يضاف إلى كل ذلك الأوضاع المعيشية المستحيلة تقريبا بسبب ذلك إضافة طبعا الى ممارسات الفصائل التي تصر على فرض نموذج حياتي على السكان هي من يقرره والفلتان الأمني، وقوات سوريا الديمقراطية من خلال إهمال قطاع الخدمات وخاصة التعليم، حيث تصر هي الأخرى على فرض نموذجها الأيديولوجي وإن كان بوتيرة أخف من الفصائل، وشن حملات الاعتقال بذريعة داعش وأيضا التجنيد الإلزامي في صفوفها وعدم وضوح السياسة الأميركية شرق الفرات ( عملية غصن الزيتون أوائل العام 2019 وملابسات عملية نبع السلام أواخر العام نفسه نماذج )".

"أما النظام فأعلنها صراحة أنه يريد "سوريا متجانسة مع كل ما يحمله هذا التعبير من رؤى عنصرية واستبدادية إضافة طبعا إلى الفلتان الأمني والاستفزاز الديني والتجنيد الإلزامي".

"لا أحد يريد عودة اللاجئين والنازحين" يقول "علوش" لأن شرط العودة أن تكون آمنة وهو شرط غير متوفر في أية منطقة و"لا أحد من القوى المسيطرة يسعى إلى تأمينه من هنا صار ملفا سياسيا متجاوزا طبيعته الأصلية باعتباره ملفا إنسانيا وحقوقيا".

وبرأيّ "علوش" القوى المتدخلة في الوضع السوري لا تسعى إلى حل لمصلحة الشعب السوري، والجميع يصر على حل وفق مقاسه ويضمن سيطرته على سوريا أو على الجزء الذي استولى عليه، وبالتالي الجميع يعمل على ملفات عقيمة أو لا تتمتع بالأولوية كاللجنة الدستورية وغيرها والجميع ينتظر تغير الظروف لمصلحته، في حين أن ملف اللاجئين له انعكاسات مباشرة على الأرض لذلك لا أحد يبحث به أو ينظر إليه ربما لتجنب ما يترتب عليه أو لاستخدامه في مفاوضات لاحقة، ويشدد أن ملف النازحين "ملف مغيب قسرا لأنه لا مصلحة لأحد به. بل قد تكون المصلحة في تغييبه عن الحل لاستخدامه في لحظة باتجاه ما".

 

الانتظار إلى ما بعد الحل السياسي

أثرت حرب قوات الأسد والميليشيات الإيرانية والموالية على تماسك المجتمع السوري، ويشير الباحث الاجتماعي طلال مصطفى في حديثه لـ موقع تلفزيونون سوريا، إلى أن النظام استخدم سياسة التهجير بشكل ممنهج في معظم المناطق السورية في حمص وريف دمشق ودرعا، حيث توجه لبناء ما يسمى الضاحية الجنوبية لدمشق على غرار الضاحية الجنوبية في بيروت التي يسيطر عليها حزب الله اللبناني.

ويتابع "أما كيف يتم إصلاح هذا التغيير الديمغرافي بعد الحل السياسي وبناء دولة سوريا الديمقراطية، أعتقد أن الموضوع متشابك اجتماعيا وسياسيا ويحتاج إلى وقت وجهود من السوريين كافة، بداية بإيجاد المؤسسات المختصة والتأسيس لثقافة التصالح بين البيئات المتحاربة من خلال حكماء سوريين لم يشاركوا في هذه الحرب على الإطلاق للعمل معا لعودة السوريين إلى بيوتهم وأراضيهم وممتلكاتهم".

تختلف خيارات اللاجئين السوريين عن خيارات النازحين في المخيمات، وبرأي "مصطفى" التفكير بعودة اللاجئين مرتبط بعدة متغيرات سياسية واجتماعية (هل هناك أهل وأقارب لهم في سوريا، فمن لم يبق له أهل وأقارب لن يفكر بالعودة، أيضا هل لديه أملاك قابلة للاستثمار والعيش منها بحياة معيشية أفضل من دول اللجوء، هل لديهم طلاب في جامعات دول اللجوء ام لا والمستوى التعليمي وفرص العمل المتوفرة".

كما أن علاقة اللاجئ السوري بمفهوم الهوية والانتماء إلى سوريا كوطن تلعب دورا في موقف اللاجئ من العودة، حيث عمل نظام الأسد على جعل الهوية السورية والانتماء الى النظام بحد ذاته وليس لـ سوريا كوطن وهوية.

عوامل أخرى تتعلق بالوضع المستقبلي في سوريا تحكم ملف النازحين واللاجئين، منها شرط رحيل رأس النظام بشار الأسد، ويستطرد "مصطفى"،  "علماً أن معظم السوريين فقدوا كل ما يمتلكونه في سوريا، وبالتالي تعتبر العودة إلى سوريا وتأسيس حياة جديدة من الصفر بالنسبة لهم أصعب من البقاء في دول اللجوء وتأسيس حياة فيها لهم ولأولادهم. كذلك اشتراط البعض من اللاجئين  العودة الدائمة إلى سوريا بتفكيك الأجهزة الأمنية ووجود ضمانات بعدم الاعتقال مع الإشارة إلى النسبة المنخفضة التي ستعود إلى سوريا في الدول الأوربية بالدرجة الأولى، خاصة السوريين الذين لديهم أبناء بالمدارس والجامعات هؤلاء لن يعودوا بالمطلق وهي نسبة عالية جدا من السوريين لذلك من المفترض التفكير بشكل جدي من قبل السوريين كافة في الدول الأوربية بإيجاد صيغة من العمل المؤسساتي منظمات مجتمع مدني خاصة بالسوريين في أوروبا تعمل من أجل مصالحهم في الدول الأوروبية ومصالح السوريين كافة على الصعيد السياسي وغيره وبمعنى أوضح تشكيل ( لوبي سوري) في كل دولة أوربية، يحقق مصالحهم ومتطلباتهم في دول اللجوء".

 

حق العودة للسوريين

في العام 2018 أصدر نظام الأسد القانون رقم 10 لمصادرة ممتلكات السوريين وإعادة الإعمار من دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة، القانون الذي روج له النظام كقانون للتنظيم العمراني يعد عقبة رئيسية أمام عودة النازحين إلى ديارهم.

لاقي القانون انتقادا أمميا ودوليا مما دفع النظام إلى التعتيم على إجراءاته، وتشير الشهادات والتقارير إلى أن الممتلكات المهجورة مهددة بأن يستولي عليها، أحيانًا، أشخاص مهجرون آخرون ينتقلون إليها بموافقة المالك أو بدونها، ويعيشون عمومًا بلا إيجار. 

ويوضح غزوان قرنفل مدير تجمع المحامين السوريين لـ موقع تلفزيون سوريا، أن ملف عودة النازحين مؤجل لأن أي بحث فيه مرتبط بالضرورة بحصول تقدم جدي وملموس بمجمل الحل السياسي.

لكنه وبحسب قرنفل لايمكن توفير حماية كاملة ومطلقة لحقوق النازحين، هناك قوانين دولية تجعل تصرفات النظام غير قانونية لكن يبقى استرداد تلك الحقوق مؤجلا لما بعد الحل السياسي.

وبرأي الحقوقي فإن "مواقف النازحين سلبية جدا في التعاطي مع هذه القضايا ويفترضون أنهم سيستردون حقوقهم  فور عودتم،  رغم أن العديد من المنظمات تعمل بدأب ونحن منهم  للتوعية بهذا الأمر وتوثيق الحقوق لكن أصحاب الحقوق في غاية السلبية، الناس انحصر تفكيرها بصندوق المساعدات".  

أما بالنسبة للاجئين يقول " باعتقادي أن اللاجئين في معظمهم لن يعودوا إلى سوريا فامتداد الزمن يعزز فكرة الأوطان البديلة ، كما أن كل الملفات لها علاقة بالمخرجات السياسية" .

ويشير "قرنقل" إلى أن "الوضع الديمغرافي هو محصلة العملية برمتها التي سعى اليها النظام وحلفاؤه بل والمجتمع الدولي مبكرا".

ويتابع "لا حل لتلك المسألة حاليا سوى العمل  على أنسنة أوضاعهم ببناء مجمعات سكنية وخدمية لتحسين سبل عيشهم مؤقتا والكف عن سياسة الإطعام واستبدالها بمشاريع إنتاجية وإدماج الناس مع فرص عمل تحقق لهم عيش كريم".

 

اقرأ أيضا: 30.6 مليون نازح داخلي في عام 2017... ربعهم من سوريا