المواجهة الغربية مع روسيا وانعكاساتها السورية

2021.04.25 | 07:27 دمشق

rwsya-whlf-alnatw_0.jpg
+A
حجم الخط
-A

تشهد علاقات الدول الغربية مع روسيا في الفترة الأخيرة توترا شديدا بسبب تطورات الأوضاع الميدانية في أوكرانيا، واحتمالية تصاعد النزاع على حدود الدولتين وفي منطقة "دونباس" المتنازع عليها، وهي المنطقة التي تعتبر مدخلا لروسيا إلى أوروبا، الأمر الذي استدعى من الدول الغربية وقوفا بحزم شديد خلف أوكرانيا في مواجهة روسيا، ودعمها عسكريا وسياسيا، حتى وصل الأمر إلى رغبة حلف شمال الأطلسي "ناتو" في ضمها إلى الحلف، ورافق ذلك إرسال قوات للدول المجاورة، في حين أن الولايات المتحدة الأميركية وإنكلترا أعربتا عن رغبتهما في إدخال سفنها الحربية إلى البحر الأسود عبر تركيا، لإظهار الدعم لأوكرانيا في موقف رمزي ميدانيا، ولكنه يحمل مما لا شك فيه رسائل سياسية عديدة لروسيا.

لا يهم في هذا المقام تحليل أسباب وأبعاد المواجهة بين الغرب وروسيا بقدر ما يهم فهم تأثيرات تلك المواجهة على تطورات الأوضاع في سوريا، لأنه ليس هناك أي قضية أو تطور في العالم يحصل في أي بقعة جغرافية كانت، إلا وتترك أثرا على الملف السوري، نظرا لتداخل العلاقات الدولية مع بعضها البعض وتشابك الملفات في المواضيع المختلفة، حيث سبق أن شهدنا تأثير التطورات شرق المتوسط والنزاع على الطاقة في سوريا، وشهدنا تأثير التطورات في ليبيا على سوريا، ورأينا أيضا كيف أثر النزاع في إقليم "قره باغ" كذلك على الملف السوري وإدلب تحديدا، والأهم أن الخلاف الأميركي الروسي هو المؤثر الأكبر على الحالة السورية السياسية والميدانية، وتشير الوقائع الحالية إلى أن الخلافات كبيرة وتترك تأثيرها بشكل كبير على كل الملفات ومنها الملف السوري.

ولا يخفى على أي متابع ومراقب للحالة السورية، أن مفاتيح الحل مرهونة دوما بالاتفاق الأميركي الروسي، ومهما كانت هناك مبادرات واتفاقات ثنائية وثلاثية، فإن الاتفاق الأميركي الروسي هو المحدد لتنفيذ الاتفاقيات الجانبية، ولهذا يسود الاعتقاد بأن أي اتفاقات جانبية، وأي طروحات لحلول ومبادرات هي مجرد اتفاقيات مؤقتة ومسكنات تحتاج إلى تعزيز باتفاق روسي أميركي، وهو ما ترويه الدبلوماسية التي أكدت عدة مرات، أن اتفاق الدول الضامنة تركيا وروسيا وإيران، أو حتى الاتفاقات الثنائية بين تركيا وروسيا هي اتفاقات مهمة وراسخة كونهما لاعبين مهمين، ولكن لا يمكن لأحد أن يضمن ديمومة وسيرورة الاتفاقيات، ولا يمكن أن يكسرها شيء إلا في حال كانت هناك توافقات روسية أميركية سرية أو علنية أو تحظى بدعم واشنطن لقوتها الرادعة.

الخلاف الأميركي الروسي هو المؤثر الأكبر على الحالة السورية السياسية والميدانية

ووفقا لما سبق، يمكن القول إن الإعلان السريع المنتظر لانتخابات الرئاسة التي أعلن عنها النظام، جاءت بتعليمات روسية، وحشرها بطريقة إنهاء كل المراحل المتعلقة بالانتخابات في وقت قصير يتجاوز الشهر بقليل جدا، يدل على أن الخلاف الروسي مع أميركا والغرب تعمق لدرجة أن الملف السوري عاد إلى الأدراج المجمدة، ولم يعد بالإمكان التنبؤ بالتطورات وبحصول الاستقرار الطويل، فأرادت روسيا من هذه الانتخابات انتهاء استحقاق، ووضع نقطة حاليا والتفرغ للمواجهة مع الغرب، ويمكن الحديث عن عودة أهمية الحفاظ على الاتفاقيات الثنائية والتهدئات الحالية الميدانية، وباتت الخيارات مفتوحة، خاصة أن تقرير المخابرات الأميركية توقع استمرار الأزمة السورية سنوات عدة، وهو ما يتوافق مع توقعات دبلوماسية أميركية سابقة بأن تستمر الأزمة في سوريا سنوات طويلة.

وسبق المرحلة التي أعلن فيها عن انتخابات النظام الرئاسية مساعي عدة وحديث عن اهتمام روسي بترتيب صيغة للحل في سوريا، وهو ما بدا واضحا من التفاعل الإيجابي مع مسار الدوحة الحديث، بالتعاون مع تركيا وقطر، مرحلة جديدة تؤسس لولادة حلول جديدة حول سوريا تستهدف ضم أميركا لاحقا لتنفيذ تلك الأفكار، وكان هناك توجه وفق ما تفيد بعض المصادر، لتأجيل الانتخابات الرئاسية كبادرة روسية من أجل التوصل إلى صيغة من الحلول ربما بإنجاز شيء مهم على صعيد اللجنة الدستورية أو إنجاز حسم يضم النظام والمعارضة، سياسي أو عسكري، رافق ذلك تمهيد باعتبار أن الحجة هي الأوضاع السائدة بسبب تطورات مكافحة وباء كورونا، حتى إن بعض القراءات ذهبت إلى أن إعلان النظام إصابة بشار الأسد وزوجته بالفايروس يأتي في هذا السياق، إلا أن هذه الجهود الروسية جمدت وتأجلت نتيجة تطورات المواجهة مع أميركا والغرب، على خلفية التطورات في أوكرانيا.

تطورات الأحداث والمواجهة الروسية مع الغرب تشي بجمود الملف السوري، وتأجيل اجتماعات اللجنة الدستورية في الفترة الحالية، وعدم وضوح في الرؤية للتلاقي، وربما يضاف إلى ذلك خلافٌ تركيٌ أميركيٌ يلوح في الأفق بسبب خلاف في الملفات المشتركة أيضا، والمقاربة الأميركية المتناقضة للقوى الموجودة شرق الفرات، تعتبرها تركيا والمعارضة السورية قوى إرهابية، والحديث عن الاعتراف الأميركي بما يسمى مجازر الأرمن أيضا كل ذلك سيلقي بظلاله على العلاقات التركية الأميركية والأوضاع في سوريا، إضافة إلى الملفات السابقة الأخرى المرتبطة بصواريخ إس400 ودعم جماعات مناوئة لأنقرة، ومن غير المعروف بعد كيف سيكون الرد التركي على هذه الخطوة الأميركية الأخيرة، وأي تراجع في العلاقات ستكون له ارتدادات سوريّة بانتظار قمة الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأميركي جو بايدن على هامش قمة الناتو في حزيران/يونيو المقبل.

ومن المؤكد أن الخلاف الروسي الغربي وخاصة مع أميركا، والخلاف التركي الأميركي، سيطرح فُرصاً ما بين أنقرة وموسكو من أجل مزيد من التقارب في الملف السوري، ورغم جمود الملف حاليا وغياب الاحتمالات لحصول تطورات في إطار العثور على حل سياسي، فإن المواقف الأميركية ربما تدفع بروسيا وتركيا للتقارب في سوريا، بمعنى أن هناك فرصاً ربما يمكن إحسانُ استغلالِها من البلدين لتعزيز التعاون، ودعم الاتفاقات السابقة، وربما عدم حصول هذا التقارب قد يؤدي إلى تصعيد ميداني، أي أن المرحلة المقبلة التي تشهد جمودا توفر فرصتين، إحداها تقاربا تركيا روسيا يعزز ويؤكد ما سبق من تعاون وتواصل للتهدئة، والثانية ربما تلجأ روسيا إلى تصعيد ميداني للضغط على الغرب، ولكن تطورات الأوضاع في أوكرانيا والانتخابات التي يجريها النظام، تقلل من هذه الاحتمالية بالتصعيد الميداني.

الجانبان الأميركي والروسي يعكفان حاليا على عقد قمة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي، وحينئذ من المؤكد أن الملف السوري سيكون حاضرا

ومهما يكن من تطورات وتراجع في العلاقات الدولية بين الأطراف المعنية، فإن السياسةَ وتطورات الأوضاع في سوريا، أظهرت عدة مرات عدمَ إمكانية التكهن لفترة طويلة، في ظل عدم الكشف الأميركي بعد وبشكل واضح، بالأولويات والسياسات التي تريد اتباعها في سوريا، في ظل خلافات مع الأطراف المعنية في سوريا، وبناء عليه فإن أي تقاربات أو لقاءات في الفترة المقبلة ستكون مؤثرة في هذا الإطار، إذ إن الجانبين الأميركي والروسي يعكفان حاليا على عقد قمة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأميركي، وحينئذ من المؤكد أن الملف السوري سيكون حاضرا، وربما يطرح كل طرف وجهة نظره، وتكون هناك اتفاقات، وكذلك فإن الأمر مرتبط بقمةٍ بين أردوغان وبايدن، وإذا كانت كل هذه اللقاءات يُنتظر أن تُجرى في الشهرين المقبلين فلربما ستبدأ نتائجها بالظهور بداية الصيف، وصولا إلى الخريف، وهو ما يعني مزيدا من الضبابية في الملف السوري، وبقاء كل الاحتمالات مفتوحة، لأن السنوات السابقة أظهرت أنه لا يؤتمن لأي موقف روسي أو أميركي فهي  مواقف ومصالح لا تراعي البتة أوضاع الشعب السوري الذي يعاني منذ أكثر من عشر سنوات، بسبب حلول النظام العسكرية ومصالح هذه الدول وعلاقاتها الدولية.