"المعارضة السورية" لا هي في العير ولا هي في النفير

2023.03.15 | 06:24 دمشق

"المعارضة السورية" لا هي في العير ولا هي في النفير
+A
حجم الخط
-A

عندما نريد الحديث عن العبثية السياسية، وهي نظرية معروفة في السياسة تطلق على طرف أو حكومة أو جهة سياسية تتخذ مواقف متناقضة ومتداخلة وغير مفهومة، وهي بهذا تربك من يحاولون قراءة سياستها، فلا يستطيعون فهمها ولا تفسيرها، ولا يمكن استقراء أي ضوابط لها كي يبنى عليها، باختصار إنها الفوضى في الفعل السياسي، وهي قد تكون متعمدة من فاعلها أحيانا لإرباك الخصوم، وقد تكون حالة طبيعية لطرف لا يعرف السياسة ولا يفهمها، ولا يقدر على فعلها.

أما العدمية السياسية فهي وجه آخر للسياسة، تختلف عن العبثية لكنهما باجتماعها معها تنتجان الكارثة التي لا تفوقها كارثة، والعدمية السياسية هي نزوع إلى الهدم، ومحو ما كان قائما، ليس هذا فحسب بل تسعى لنفي إمكانية البناء لاحقا، أي أنها تهدم ما كان، وتقتل ما يمكن أن يؤسس عليه للمستقبل، فلا تسمح بالتراكم على ما كان، ولا تسمح بإضافة شيء في المستقبل.

مع كل خيباتها وفشلها وضحالة فكرها تصر هذه المعارضة على أن لها دورا مهما في الشأن السوري، وأنها تمثل حق الشعب السوري في الكرامة والحرية

لا يمكن لأي مراقب أو متابع يقيس على معايير الفعل السياسي المنطقي، أن يفهم كيف تفكر وتخطط هذه التشكيلات المسماة زورا وبهتانا "المعارضة السورية"، لكنه لن يتعب كثيرا إذا أزاح معايير السياسة المتعارف عليها، وضوابطها المنطقية، وبقليل من التدقيق والبحث يمكنه أن يكتشف حقيقة هذه المعارضة، وجوهرها، وكيف تعمل، وسيعرف أنها خليط عجيب من التبعية والعبثية والعدمية وعدم النضج والانتهازية، والصادم أنها رغم كل هذا، ومع كل خيباتها وفشلها وضحالة فكرها تصر هذه المعارضة على أن لها دورا مهما في الشأن السوري، وأنها تمثل حق الشعب السوري في الكرامة والحرية.

في السنة الأخيرة تتالت الأحداث التي تشير إلى بداية انقلاب ما في مواقف بعض أطراف المجتمع الدولي من قضية التعامل مع النظام السوري، ورغم أن محاولات عدة جرت قبل سنوات وفشلت بسبب مصالح هذه الأطراف ولحسابات خاصة بها، وليس لأن هذه الأطراف مهتمة بالشعب السوري وحقوقه ومصيره.

كان "النظام" أكثر وعيا لدينامية العمل السياسي، لهذا سعى مدعوما من حليفيه الأساسيين إلى ملاقاة مصالح هذه الأطراف لدفعها إلى تغيير مواقفها، وهو يعلم جيدا أن الدول التي لا مصلحة مباشرة لها بتعويمه لن تذهب إلى الإبقاء على قطيعة مجانية معه لأن أبجدية السياسة تقول إنه لا مبرر لعداء مجاني، سيما أن احتمالات بقائه تزداد، والغريب أن كل هذا التحولات وكل هذه المواقف المتغيرة لم تدفع المعارضة السورية لإعادة النظر في ما تفعله، ولم تدفعها للسعي والتفكر في آليات أو مواقف تفوت هذه الفرصة على النظام، بل واصلت دفن رأسها في الرمل، أو واصلت ما هو أفظع من هذا عبر ترسيخ الفكرة القائلة أن هذه المعارضة لا فائدة منها، ولا تصلح لفعل السياسة ولا لغيرها وبالتالي فإن المافيا التي تسمى "النظام" ورغم كل مساوئها تظل الاحتمال الأقوى.

لم تحقق هذه المعارضة طوال سنواتها الاثنتي عشرة أي مكسب مهما كان صغيرا للشعب السوري، أو للثورة السورية، لا بل أهدرت وببراعة قلّما عرفها التاريخ كل التضحيات والإمكانات التي وضعتها الثورة كأوراق قوة في يدها، وأهدرت بذات البراعة ما وضعه النظام بين يديها من أوراق قوة عبر ممارساته الوحشية وجرائمه بحق الشعب السوري، وببراعة أيضا تحسد عليها استطاعت هذه المعارضة أن تحظى برفض عام لها وصل حتى صفوف من يفترض أنهم حاضنتها، والشيء الوحيد الذي استطاعت أن تفعله وتحافظ عليه هو أنه وظفت نفسها كشاهد زور، شاهد تحتاجه الأطراف الدولية - تماما كما تحتاج النظام السوري - لبيع سوريا بكل ما فيها، ولتصفية ثورتها ووأد حلم السوريين بوطن حر كريم يعيشون به.

اليوم تقف سوريا بكل أطيافها وتصنيفاتها وأفرادها أمام مفترق بالغ الخطورة، تتأتى خطورته من انهيار شامل في الدولة السورية، وتهتك خطير في نسيجها الاجتماعي، وغياب كامل لأي تعبير سوري حقيقي يمكنه الادعاء أنه يمثل السوريين، يترافق كل هذا بظرف دولي شديد الخطورة والدقة وتعاد فيه صياغة استراتيجيات وتحالفات سياسية كبرى، وترسم مصائر مناطق وشعوب، ويتأهب العالم كله للمتغيرات التي ستنتج عن المعارك الأساسية التي تجتاح العالم، سواء العسكرية أو الاقتصادية، أو عبر تغير خطوط الاستقطاب الدولي، والمحاور والتحالفات، ووحدها المعارضة السورية لا تقرأ، ولا تفكر، وتنتظر أن يشير لها أحد ما بالقول لتقول، أو بفعل ما لتفعله، وكأنها لا علاقة لها بما يحدث.

المعارضة السورية تساهم عبر تبعيتها وارتهانها لهذه الأطراف في إعادة شرعنة نظام صار أشبه بالفضيحة في العالم كله

لا يمكن تبرير هذه العدمية البالغة للمعارضة السورية بالقول إنها عاجزة وبالتالي لن يقدم أو يؤخر ما تقوله أو تفعله في مجريات الحدث السوري لأنها بلا أدنى أهمية، فلو كان الأمر كذلك لما كان هناك حرص من عدة أطراف على وجودها، وهي بعجزها لا تختلف كثيرا عن بشار الأسد والمافيا التي تحيط به، فهو أيضا رهين إشارات الآخرين، لكنه يختلف بفارق بالغ الأهمية وهو أنه لا يزال يمسك بأوراقه على كذبها وهشاشتها وبطلانها، بينما خسرت هي كل أوراقها على قوتها وأهميتها ومدى الحق فيها.

الدور الوحيد الذي تقوم به المعارضة السورية اليوم – بافتراض حسن النية أو عدمه - هو مساعدة الآخرين في معركة مصالحهم على الأرض السورية، ولأن أطرافا عدة بدأت تخطط لإعادة تعويم النظام فإن المعارضة السورية تساهم عبر تبعيتها وارتهانها لهذه الأطراف في إعادة شرعنة نظام صار أشبه بالفضيحة في العالم كله، نظام يحمل على أكتافه آلاف الجرائم، ويحمل قرارات دولية تتهمه بالإرهاب وبالجريمة وبالعنصرية و..و.. ومع هذا يحتاج مجرم كهذا إلى معارضة كهذه كي يسوق نفسه أمام الآخرين، فهو أفضل السيئين.

لم يعد أمام هذه المعارضة سوى خطوة واحدة تفعلها كي تستر مساحة ولو قليلة من عريها وعارها، وهي الاستقالة، والخروج من المشهد.

استقيلوا، وتوقفوا عن شهادة الزور التي تقومون بها منذ سنوات طويلة، وغادروا منصة هذه المسرحية المهزلة، من يدري فقد يتمكن السوريون من اجتراح فعل ما.