icon
التغطية الحية

المسيّرة الإيرانية "شاهد 136" بميزان الحسابات الإسرائيلية في سوريا

2023.06.18 | 06:19 دمشق

مسيرة
المسيرة الإيرانية شاهد 136 (رويترز)
+A
حجم الخط
-A

قبل غزو قصة المسيرة الانتحارية الإيرانية "شاهد 136" عناوين الأخبار مع بدء استخدامها من قبل روسيا في عدوانها ضد أوكرانيا في سبتمبر/ أيلول 2022، كانت إسرائيل قد أنهت عملياً الترتيبات لعلاج مؤقت للخطر المتعاظم لهذا المشروع الإيراني الواعد، عندما قصفت مطار التيفور في عام 2018 موقعة عدداً من الخبراء الفنيين الإيرانيين المختصين في مجال الجو-فضاء.
بعد أكثر من خمس سنوات، سمح للمواقع الإيرانية في 13 أيار الماضي بالكشف عن المهام الرئيسة لأحد المهندسين الإيرانيين (سيد عمار موسوي) الذين قتلوا في إحدى الغارات التي نفذتها إسرائيل على مطار التيفور في الـ9 من أبريل/نيسان 2018.

وخلال افتتاح معرض إنجازات القوة الجوية للحرس الثوري الإيراني في محافظة قم، تم نشر ملصق لمواصفات المسيرة شاهد 136، إلى جانب صورة سيد عمار موسوي، مع توصيف كتب عليه "مصمم نظام إطلاق المسيرة الانتحارية شاهد 136".

وبحسب المواقع الإيرانية، أصبح موسوي أحد خبراء إطلاق الطائرات المسيرة واستعادتها، وبنفس الطريقة، نجح في تصميم العديد من قاذفات الطائرات المسيرة وقاذفة المسيرة شاهد 136 في الحرس الثوري الإيراني.

تسميةمواصفات المسيرة الإيرانية الانتحارية شاهد 136 (موقع تطورات العالم الإسلامي الإيراني)

شاهد في الملعب الإقليمي.. بث الرعب في بريد الرسائل السياسية

توجد العديد من الأمثلة على الاستخدام الناجح لمسيرة "شاهد" من قبل إيران في الشرق الأوسط، وهذا ما أثار قلق ومخاوف العديد من الدول الإقليمية كالمملكة العربية السعودية والإمارات وإسرائيل.

في أول استخدام ناجح، نشرت رويترز صوراً جديدة من تقرير أميركي قُدّم إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لبقايا مسيرات إيرانية (يعتقد أنها شاهد 123، دلتا) ضربت محطة آرامكو السعودية في أيلول 2019.

وفي يوليو/ أغسطس 2021، أظهرت صور مكان الانفجار الحاصل على ظهر السفينة الإسرائيلية المستهدفة (ميرسر ستريت) في خليج عمان بطائرة مسيرة تشابهاً مع استهداف إحدى الخزانات التي ضُربت في منشأة آرامكو 2019. في ذاك الوقت، رجحت العديد من المصادر أن المسيرة الإيرانية المحتملة هي شاهد 136 أو مسيرة وعيد.

وفي كلتا الحالتين، أظهرت شاهد 136 أنها قادرة على الإضرار بالبنى التحتية الحيوية والأهداف والقواعد الحساسة، بالإضافة لتشكيلها خطراً محتملاً في أعالي البحار ضد الأسطول التجاري الذي يسير بسرعات منخفضة، لكنها لم تثبت قدرتها، حتى الآن، على تتبع الأهداف المتحركة في ساحة المعركة بسبب تقنيتها البدائية نسبياً.

وفي هذا الصدد، يمكن الإشارة لحالات القصف الإيراني بمسيرات من عائلة شاهد (136 و 131) على مواقع الأحزاب الكردية شمالي العراق في أيلول وتشرين الثاني 2022 على التوالي.

في سوريا أيضاً، رغم أنه لا توجد صور حاسمة تؤكد مشاركة شاهد 136 في مختلف المواجهات العسكرية، إلا أنه رشحت تقارير عن إطلاق مسيرات إيرانية الصنع باتجاه الجولان السوري خلال السنوات الماضية، حيث نجحت إسرائيل في إسقاط أغلبها.

في الحقيقة، لم تغب مساعي تطوير برنامج المسيرات الإيرانية في سوريا ومساعي إسرائيل لمواجهتها عسكرياً عن الواجهة.

وبحسب تقرير سابق لموقع تلفزيون سوريا، فقدت إيران العشرات من الكفاءات العلمية والخبراء الفنيين "الثمينين" المهتمين بمشاريع الدفاع الجوي وبرامج الصواريخ والمسيرات في سوريا خلال الأعوام الماضية بسبب الأعمال الإسرائيلية.

شاهد 136 في الحرب الأوكرانية.. الاختبار الحقيقي

رغم أن سجل شاهد 136 يبدو مثيراً للرعب في الساحة الإقليمية، إلا أن دخولها الحرب الأوكرانية وضعها على المحك الحقيقي. فبعد عدة أشهر من دخولها الحرب الأوكرانية، أظهر الروس رغبة شديدة في امتلاك هذه المسيرة والحصول على خط توريد ثابت ومستمر من هذه المعدات من خلال بناء مصنع لهذه المسيرات على الأراضي الروسية، بحسب تقارير غربية.

انطلاقاً من كونها مسيرة انتحارية كبيرة بسعر معقول وغير مكلفة (20 ألف دولار) كأهم ميزة لها، ساعدت شاهد 136 الروس في التخفيف من الضغط على ترسانتهم الصاروخية بعيد المدى، وزيادة الضغط على نظام الدفاع الجوي الأوكراني في نفس الوقت، من خلال إتاحة إطلاقها على نطاق واسع.
أثبتت التجارب الأولية في أوكرانيا أن إلقاء الروس لمسيرات شاهد بأعداد كبيرة يعطيها فرصة أفضل لإصابة الأهداف المحتملة، خاصة في المناطق التي لا يكون فيها الغطاء الدفاعي كثيفاً. لكن مع الإجراءات التي اتخذها الأوكران لاحقاً قللت من فعالية هذه المسيرة.

في إحدى بياناتها، قالت وزارة الدفاع البريطانية أن شاهد 136 لم يكن لها سجل جيد في تدمير أهدافها ، لكن موسكو ربما تعتبرها أشراكًا مفيدة يمكن أن تصرف انتباه الدفاعات الجوية الأوكرانية عن صواريخ كروز الروسية الأكثر فاعلية.

وفي هذا الصدد، يقول أوليكسي جروموف، نائب رئيس مديرية العمليات الرئيسية لهيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية اليوم في إحاطة صحفية في أكتوبر 2022 أن "روسيا استخدمت حتى الآن 86 ذخيرة إيرانية من طراز شاهد -136، أسقطت أوكرانيا 60 بالمئة منها".

بطبيعتها منخفضة السرعة والارتفاع، وصعوبة تمييزها عن الفوضى مع بصمة حرارية ضئيلة، مع المقدرة على رؤيتها بالعين المجردة وسماع صوتها الهادر، يصعب على منظومات الدفاع الجوي الأوكرانية تحييد شاهد 136 في بعض الحالات، ويضطرون للجوء إلى طرق أكثر بدائية، مثل استخدام نيران الأسلحة الصغيرة لاصطيادها.

وعلى الرغم من أن بعض المزاعم ادعت أن أوكرانيا تواجه مشكلات في إسقاط شاهد 136 في الليل، إلا أن نظام الدفاع الجوي بوك إم 1 حصل على طلقة ناجحة ضد هذه المسيرة في أيلول 2022، كما ظهر في بعض مقاطع الفيديو المنشورة.

إضافة لذلك، تبدو مسيرة شاهد 136 غير محصنة أمام عمليات التويش الإلكتروني، خاصة أنها تعتمد في توجيهها على نظام ملاحة تجاري GNSS.

في الـ15 من آذار 2023، نقل موقع أكسيوس الإخباري عن مسؤولين إسرائيليين وأوكرانيين قولهم إن إسرائيل وافقت على تراخيص تصدير أنظمة تشويش مضادة للطائرات المسيرة الإيرانية التي تستخدمها روسيا ضد أوكرانيا.

باختصار، تعدّ "شاهد 136" في الحرب الأوكرانية عبارة عن خدعة هجومية رخيصة الثمن تستهلك الدفاع الجوي الأوكراني، وليست سلاحاً خارقاً لا يمكن قهره، كما تصوره بعض المنافذ الإيرانية.

ولكي نكون منصفين، تعتبر مسيرة شاهد من الأدوات العملية الجيدة، لكنها لم تظهر كمغير لقواعد اللعبة في الحرب في أوكرانيا، كما ظهرت المسيرة التركية "بيرقدار" في حرب كرباخ الأخيرة.

وعلى الرغم من أنها توصف بالذباب المزعج، فإن معظم الإصابات التي لحقت بقطاع البنية التحتية في أوكرانيا هي نتيجة لهجمات صواريخ كروز الروسية.

الحسابات الإسرائيلية

في التقييم العام الإسرائيلي لمسيرة شاهد 136 ينظر إليها على أنها أداة خطيرة. لكن حاجة الروس الشديدة لمسيرة شاهد بأعداد كبيرة في أوكرانيا أظهر نقطة ضعف خطيرة في هذه المعدات. لكن، كما أظهرت الحرب الأوكرانية، لا تكون هذه المسيرات فعالة إلا في حالة وجودها بأعداد كبيرة وفي مناطق ذات غطاء دفاعي منخفض، وهو ما يضع ضغطاً متزايداً على عمليات الإنتاح والتوريد في أي مواجهة إيرانية محتملة ضد إسرائيل.

في هذا الصدد، ينظر للسوق المدني كوجهة مهمة للغاية في شراء قطع غيار لشاهد 136،خاصة أن هذه المسيرة لا تواجه الظروف الخاصة التي يواجهها الصاروخ أو الطائرة المقاتلة في التسارع أو ارتفاع درجة الحرارة أو الحياة لعدة سنوات.

في الحقيقة، تتوضح الصورة أكثر لنا عندما نعلم أن مسيرة شاهد 136 ليست منتجاً محلياً إيرانياً 100 بالمئة. ففي أحدث تقرير لها، قالت صحيفة ديلي تليغراف البريطانية إن 11 جامعة بريطانية، بما في ذلك كامبريدج وإمبريال وغلاسكو وكرانفيلد ونورثمريا، ساعدت إيران في تطوير مُسيراتها الانتحارية، مشيرة إلى أن أكاديميين بريطانيين تعاونوا في مشاريع  عسكرية، بدعم من باحثين إيرانيين في بريطانيا عملوا على تطوير محركات المُسيرات الانتحارية وتعزيز مدى تحليقها وسرعتها.

بالإضافة إلى ذلك، تتمحور النقطة الأهم حول أن الطائرات المسيرة الإيرانية التي تستخدمها القوات الروسية في أوكرانيا تشمل العديد من المكونات المصنعة حديثاً التي تنتجها شركات مقرها في الولايات المتحدة وأوروبا، بحسب دراسة مفصلة نشرها مركز أبحاث التسلح الصراع في نوفمبر 2022.

وأشار مركز الأبحاث إلى أن أكثر من 70 مصنعاً في 13 دولة ومنطقة مختلفة المكونات التي وثقها في المواد الإيرانية في أوكرانيا، مؤكداً تصنيع 82 في المائة في شركات مقرها في الولايات المتحدة.