icon
التغطية الحية

المسلسل الكويتي "محامية الشيطان".. قصة إثارة وغموض قانونية بحبكة غربية معاصرة

2023.08.10 | 19:39 دمشق

نوف السلطان في لقطة من "محامية الشيطان"
نوف السلطان وعلي كاكولي في لقطة من "محامية الشيطان" ـ نتفليكس
تلفزيون سوريا ـ وائل قيس
+A
حجم الخط
-A

تقدم نتفليكس في الموسم الأول لمسلسل الإثارة والغموض "محامية الشيطان"، ثالث أعمالها الأصلية المنتجة في الكويت، قصة جديدة ومختلفة عن قصتي مسلسلي "القفص" و"الصفقة"، لكنها مشابهة من ناحية الأفكار التي تركّز على ظهور نساء معاصرات لا تخرج عن قالب الليبرالية الإسلامية الخليجية التي تدخل في مواجهة مع التقاليد التي تحكم – بشكل عام – المجتمع العربي المحافظ.

المسلسل الذي بدأ عرضه على المنصة العالمية منتصف الشهر الماضي، ووصل إلينا من المخرج عصام عبد الحميد والكاتبة فاطمة العامر، يفتتح المشهد الأول بلقطة من السماء لمدينة الكويت على خلفية لصوت متصل بخدمة الطوارئ للإبلاغ عن مقتل زوجته، بعدها نشاهد لقطة لرجل ثيابه ملطخة بالدماء يجلس في زاوية المطبخ يشاهد جثة زوجته المقتولة بعدة طعنات ممدة على الأرضية المغطاة بالدماء.

يقدم هذان المشهدان ملخصاً سريعاً لقصة "محامية الشيطان" المكوّن من 7 حلقات منذ هذه اللحظة. نحن هنا أمام قصة بدر خالد (علي كاكولي)، وهو أحد أفضل لاعبي نادي العربي لكرة القدم الذي وجد زوجته دلال (سارة صلاح) مقتولة في مطبخ منزلهم، وهي مؤثرة على منصات التواصل الاجتماعي. بعد وصول الشرطة للتحقيق في الجريمة يحصل العقيد يوسف (محمد الدوسري) على دليل مادي يخص بدر يجعله المتهم الرئيسي بجريمة القتل، وتعززها إجابات أم دلال (نور الدليمي) عن أسئلة يوسف التي تؤكد فيها اتهامها لبدر.

تتحوّل قضية بدر بسرعة قياسية إلى قضية رأي عام يقسم المجتمع الكويتي بين جمهور وطاقم نادي العربي الرافض لفكرة اتهام بدر بارتكاب جريمة القتل، وبين باقي مكونات المجتمع، بما فيهم المنظمات الحقوقية والنسوية التي تريد الإسراع بإجراءات محاكمة بدر، على اعتبار أنه القاتل. لكن قصة بدر تبدأ بأخذ منعطف حاسم في القضية يقود إلى براءته بعد تلقي المحامية لولوة (هيا عبد السلام) مكالمة من صديقتها هدى (نوف السلطان)، وهي مراسلة إحدى المحطات المحلية، تبلغها بوقوع الجريمة، مما يدفع بـ"محامية الشيطان" لإعلان توليها الدفاع عن قضية بدر يجعلها محط انتقاد من المجتمع الكويتي.  

عندما تخبر لولوة والدها (حسن إبراهيم)، وهو ممثل الادعاء العام عن قضية بدر، أنها تريد المرافعة عن بدر، مستغلة بذلك شهرته الجماهيرية، يخبرها والدها أن جميع الأدلة الجنائية مرتبطة وتقود إلى إدانة بدر، إضافة إلى أن النتائج التي توصل إليها يوسف بعد انتهاء التحقيق تشير إلى ذلك أيضاً، لكنها ترفض التنازل عن القضية، وبدلاً من ذلك تبدأ رحلتها لجمع الأدلة التي تثبت براءة بدر، وتطلب من بدر التلاعب قليلاً بيوسف ريثما تستطيع الانتهاء من جمع الحقائق والوثائق التي تؤكد براءته.

تكشف الحلقات المتلاحقة لـ"محامية الشيطان" عن ارتباط بدر ودلال بعلاقة صداقة منذ صغرهما، كبرت مع سر خطير بينهما إلى أن تزوجا، لكن هذه العلاقة كان ينقصها طفل يجعل حياتهما سعيدة، أو حياة دلال على الأقل، لأن بدر علم من دلال أنه لا يمكنهما إنجاب طفل. وعلى عكسها، يتعامل بدر مع الخبر بطريقة عادية بينما تدخل دلال في حالة اكتئاب تدفعها للتواصل مع لولوة، بدون علم زوجها، لاستشارتها في مشكلاتها العائلية.

على الجهة الأخرى، تعود ذكريات الماضي بين يوسف ولولوة إليهما معاً، كان الثنائي على علاقة عاطفية في طريقها للزواج بعلم من والدها، لكن في يوم زيارة يوسف لخطبتها يكتشف أن زوجته (لولوة عبد السلام) التي لديها مشكلات نفسية حامل بابنه ليتخلى عن فكرة الزواج نهائياً. نفهم من قصة يوسف ولولوة في لقطات الفلاش باك السريعة كيف أن يوسف كسر قلب لولوة مرة واحدة، وإلى الأبد، مسبباً لها جرحاً لا يمكنها تجاوزه رغم مرور وقت عليه، على الرغم من صعوبة القرار عليه، كما يظهر لنا في الحلقة الأولى.

أرى أن "محامية الشيطان"، واحدا من الأعمال الدرامية العربية القليلة، التي تقدم للشخصيات الرئيسية بصورة مكثفة منذ حلقتها الأولى، لا نحتاج وقتاً طويلاً لنفهم المسار العام للقصة، ومن المؤكد أن بدر ليس هو القاتل قياساً بمسار التحقيق، والأحداث المنفصلة-المرتبطة التي تجعلنا نشك في بعض الشخصيات التي لديها ماضٍ سوداوي. لكن النهاية الصادمة التي قدمتها نتفليكس في الحلقة الأخيرة، والتفسيرات التي قدمتها للقاتل الحقيقي تجعلنا نعيش في حالة من الصدمة. ومع ذلك، بالتأكيد لم تعجب النهاية البعض من الجمهور، لكنني أراها من النهايات الناجحة، التي أتقنت تقديمها هيا عبد السلام وعلي كاكولي بطريقة رائعة جداً، مع الإشارة للدور المحوري لنوف السلطان في بناء القصة.

تنتقل الحلقات الخمس بين تحقيق يوسف مع بدر، ومحاولة لولوة إيجاد الأدلة التي تثبت براءة بدر من تهمة القتل، وهي تحاجج بأن الدليل المادي الوحيد المرتبط بنجم كرة القدم لا يمكن استخدامه لإدانته، لأنه دليل غير مقنع. لا يختلف "محامية الشيطان" عن أعمال الإثارة والغموض الغربية التي تدور داخل قاعة المحكمة، إذ تركّز المشاهد على تقلبات نظام العدالة الكويتي من الإدانة إلى البراءة، ومواجهة لولوة لفريق ادعاء يقوده الذكور في مجتمع محافظ يتداخل فيه الشخصي مع المهني بين يوسف ولولوة التي تريد الانتقام من يوسف ببراءة بدر من تهمة القتل.

الحلقتان الأخيرتان تكشفان بشكل متسارع عن المزيد من الحقائق التي تبدأ بقتل مدبرة منزل بدر ودلال، تملك مدبرة المنزل دليلاً كان سيعيد فتح التحقيق مرة أخرى، وسيؤكد صحة تحقيقات يوسف التي توصلت إلى اتهام بدر بالجريمة، على الرغم من أنها خاطئة. لكن الدقائق الأخيرة من "محامية الشيطان" تكشف بشكل سريع عن القاتل الحقيقي، إذ بينما يعود ماضي لولوة لمطاردتها على الرغم من محاولتها الدائمة لطي هذه الصفحة المؤلمة من تاريخها، إلا أن الحلقة الأخيرة تكشف حقائق صادمة عن مجموعة الأكاذيب خططت لها "محامية الشيطان" بمهارة تبعد عنها أي شبهة.

ومثل مسلسل "القفص" الذي يروي قصة زوجين يقرران الاستعانة بمستشار للعلاقات الزوجية بعد تفاقم مشكلات زواجهما التي بدأت منذ تعارفهما قبل 30 عاماً. وأيضاً مسلسل "الصفقة" المستوحى من قصة حقيقية لامرأتين تقتحمان سوق البورصة الكويتية في ثمانينيات القرن الماضي. إذاً، ومثل المسلسلين السابقين، فإن "محامية الشيطان" يقدم قصة شبيهة بالأعمال الغربية المعاصرة التي تركّز على نجاح واستقلالية النساء في المجتمعات التقليدية، منها مثلاً العلاقة بين يوسف ولولوة، أو حتى استقلالية لولوة في العيش في منزل خاص بها، مع الحفاظ على خصوصية الليبرالية الإسلامية للمجتمع الكويتي بشكل عام، والتركيز على تقاليد هذا المجتمع الغني بالتفاصيل.

تتقن هيا عبد السلام تأدية دور المحامية لولوة القوية والحازمة في قرارتها، وامتلاكها القدرة على التلاعب بالجميع من أجل إثبات جدارتها وهزيمة يوسف، فهي لا تستفيد من كون والدها ممثل الادعاء العام في القضية فقط، بل تعتمد على صديقتها هدى في الحصول على الأخبار لمساعدتها على جمع أدلة براءة بدر، وحتى عندما تكتشف هدى أنها ليست إلا ضحية أخرى تضاف إلى ضحايا لولوة، فإنها تقف عاجزة أمام هذا الاكتشاف. أيضاً يقدم علي كاكولي دوراً ينتقل بالشخصية من زوج مصدوم بوفاة زوجته يقبل بأنه القاتل في البداية إلى رجل يريد الخلاص من هذه التهمة بدعم من لولوة، ويرسم العمل مساراً – مثل الأعمال الغربية – ينتهي بعلاقة عاطفية بين القاتل والضحية، إذا ما اعتبرنا بدر واحداً من ضحايا لولوة الذين لا يزالون على قيد الحياة.

لا يحاول "محامية الشيطان" التلاعب بالجمهور فهو يقدم قصة مباشرة عن محامية تحاول التقاط الشهرة بالدفاع عن شخص من نجوم الصف الأول لكرة القدم الكويتية، بهدف الانتقام من حبيبها السابق، على الرغم من أن الجميع يقول عكس ذلك، وهو ما يجعلها تدخل في صدام مع ميحطها. فالحبكة الرئيسية للعمل نفس حبكات الأعمال الدرامية الغربية المشابهة لمثل هذه الأعمال. ومع ذلك، يجب التأكيد على أن المسلسل الكويتي مختلف تماماً عن فيلم الغموض والرعب "Devil's Advocate" المقتبس عن رواية الكاتب أندرو نيدرمان، فهما عملان منفصلان لا يشبهان بعضهما بعضا أبداً.

لكن "محامية الشيطان" لا يخلو أيضاً من بعض الهفوات التي وقعت في الكليشيهات التي اعتدنا عليها في مثل هذه الأعمال، منها على سبيل المثال لا الحصر، الهدف غير المعلن لتولي لولوة مهمة المرافعة عن بدر في قاعة المحكمة، أو التلاعب بصديقتها هدى، وحتى معرفة بدر في النهاية للحقيقة، وقبوله التعايش معها بعد معرفته أن لولوة قامت بطمس جميع الحقائق التي تدينه أو تدينها سواء أكانت في الماضي أو الحاضر. وعلى ما أرى كان من الممكن أن يستفيد النص من بعض العوامل التي تقدم لنا نهاية مختلفة تحتفظ فيها لولوة بالحقيقة لنفسها في مقابل غيابها عن الجميع.

في العموم، يظهر "محامية الشيطان" تفوق الدراما الكويتية مع المنصة العالمية مرة أخرى، ويؤكد على خيارات نتفليكس الناجحة في إنتاجها الخليجي بشكل خاص، فهو يقدم قصة متماسكة لشخصيات معقّدة وواقعية لها دوافعها وعيوبها، وتعيش في صراعات نفسية في محاولة لإثبات الذات. ويزيد على ذلك تصويرها للنظام القضائي والمشهد الإعلامي في دولة الكويت، بالإضافة إلى تقديم نظرة قريبة على العادات والتقاليد للمجتمع الكويتي، إذ إن "محامية الشيطان" يحاول بطريقة أو بأخرى تقديم عمل متكامل من ناحية الإخراج والسيناريو وأداء طاقم التمثيل مع الحفاظ على خصوصية المجتمع الكويتي المعاصر.