المساعي الروسية للربط بين إدلب وسرت

2020.07.17 | 00:00 دمشق

merlin_169340238_8ebfc272-80d7-4cfa-a2dc-88204a36aedc-superjumbo.jpg
+A
حجم الخط
-A

قادت التطورات المتسارعة في ليبيا خلال الأشهر الماضية إلى توازن جديد في البلاد، مع تقدم قوات حكومة الوفاق الوطني بزعامة فائز السراج ميدانيا، على حساب قوات خليفة حفتر، لتصل المعركة إلى مدينة سرت الفاصلة بين شرق وغرب ليبيا، وتتوقف عندها مؤقتا، لتبرز على الساحة تركيا كطرف يقدم استشارات فنية وعسكرية إلى قوات حكومة الوفاق، ضمن إطار التعاون المشترك بينهما ضمن المذكرة الموقعة بين الطرفين في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

مقابل بروز تركيا بدأت روسيا تظهر نفسها بشكل أكبر كلاعب أساسي في ليبيا، رغم تلقيها ضربة موجعة من قبل حفتر، بعد أن تراجع عن توقيع اتفاقية وقف إطلاق النار في موسكو في كانون الثاني/يناير الماضي، والتي وقعت عليها حكومة الوفاق، ما وضعها في مأزق صعب، حيث أن القرار لدى قوات حفتر كان يعود بالدرجة الأولى لدولة الإمارات ضمن الحلف الذي يضمها مع مصر والسعودية، ورغم ذلك حاولت روسيا الاستفادة من تراجع وضعف قوات حفتر وخسارته في جنوب طرابلس وترهونة وقاعدة الوطية، من أجل ممارسة مزيد من الدعم له، وتخطف القرار من الإمارات والحلف الداعم لها، وهنا جرت التكهنات مع بدء التفاوض التركي الروسي لفرض وقف إطلاق نار شامل في المنطقة يقود لحل شامل، بأن ترتبط التطورات الجارية في ليبيا، بما يجري على الساحة السورية، خاصة إذا ما كانت المفاوضات في ليبيا وسوريا تتم عبر أنقرة وموسكو فقط، تماما كما جرت مباحثات سوريّة سابقا.

هناك فوارق بين الحالتين السورية والليبية، ففي سوريا روسيا تمسك بالنظام بشكل كامل، وتستطيع فرض إرادتها عليه، على عكس الوضع في ليبيا

لكن المتتبع للتطورات، وخاصة إلغاء اللقاء الوزاري بين روسيا وتركيا في حزيران/يونيو الماضي حول ليبيا، لحاجة استشارة الحكومة الشرعية في ليبيا، يرى بوضوح أن هناك فوارق بين الحالتين السورية والليبية، ففي سوريا روسيا تمسك بالنظام بشكل كامل، وتستطيع فرض إرادتها عليه، على عكس الوضع في ليبيا، حيث أن حفتر لا يزال ينسق مع الإمارات ومصر بشكل أكبر، وهو ما تجلى برفض وقف إطلاق النار في موسكو وبرلين على التوالي، رغم الجهود الدولية المبذولة، كما أن تركيا تدعم حكومة في ليبيا معترف بها شرعيا من قبل الأمم المتحدة والأطراف الدولية، وتتعاون معها عبر استشارات عسكرية، وهذه الحكومة هي صاحبة القرار، ما يعني أن الوضع مختلف تماما، والنقطة الثالثة أن موسكو تسعى لأن تفرض الواقع السوري على ليبيا عبر مرتزقة فاغنر ونشرها في سيرت وقاعدة الجفرة، وفوق ذلك أرسلت مقاتلاتها هناك، ورغم ذلك ليس لديها حتى الآن الكلمة العليا في ليبيا، وهو يدل على قوة موقف حكومة الوفاق حاليا.

كما أن روسيا سعت في الفترة الماضية، وعبر الاجتماعات التي جرت مع الجانب التركي إلى تسويق فكرة ربط التطورات في ليبيا بالتطورات بإدلب، من خلال رغبتها بفرض وقف إطلاق النار في سيرت، مقابل استمرار وقف إطلاق النار في إدلب، ولهذا كان هناك أكثر من إعلان تركي بأن أنقرة تسعى لتحويل إدلب لمنطقة آمنة، ولكن القمة الثلاثية الأخيرة للدول الضامنة، تركيا وروسيا وإيران، لم تصل بعد إلى الاتفاق الكامل حول إدلب بحسب ما صرح المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن مؤخرا، وهو ما يؤكد أن روسيا تسعى للربط بين أي هدوء في إدلب بوقف أي عمل عسكري على سرت من قبل قوات حكومة الوفاق الوطني، مقابل رفض تركي وفصل بين الملفين.

ومهما يكن من محاولات روسية لعملية الربط بين المسارين السوري والليبي، فإن تركيا حاليا تولي الجهود بالفعل لفرض وقف إطلاق نار شامل في ليبيا وتفصل الوضع الليبي عن الوضع بإدلب

ورغم هذه المساعي الروسية، إلا أن هناك فروقات بين الحالتين السورية والليبية، حيث أن موقف تركيا الداعم لحكومة الوفاق الوطني سياسيا، أقوى حاليا من الوقت السابق، بعد التقدم الكبير ميدانيا، كما أن هناك جدية كبيرة من تركيا للوصول إلى حل سياسي وعودة الاستقرار للبلاد، ويتخذ موقف الحكومة التركية قوة أيضا لدعمها حكومة شرعية معترف بها دوليا، ومن قبل حلف الشمال الأطلسي "ناتو"، وهي على مقربة من ليبيا، ولديها مصالح في شرق المتوسط، ويهمها الاستقرار في ليبيا، على عكس روسيا التي تدعم انقلابيا وليست قادرة على السيطرة عليه بشكل كامل بعد، وليست لديها جدية كبيرة في الحل السياسي، وتعتمد على المرتزقة في سبيل تحقيق أهدافها في ليبيا.

ومهما يكن من محاولات روسية لعملية الربط بين المسارين السوري والليبي، فإن تركيا حاليا تولي الجهود بالفعل لفرض وقف إطلاق نار شامل في ليبيا وتفصل الوضع الليبي عن الوضع بإدلب، التي تتعرض لخروقات من قبل النظام بدعم من الميليشيات المذهبية الإيرانية والقوات الجوية الروسية، كما أن إدلب حاليا تحتضن ملايين المدنيين والنازحين السوريين، ولأنقرة أهداف بأن تتحول إدلب لمنطقة آمنة تشبه مناطق درع الفرات وغصن والزيتون ونبع السلام، وتلقى دعما دوليا بخصوص أهدافها، وبالتالي لن تسمح أنقرة بأن يتم المقايضة بين إدلب وسرت، وأكبر دليل على ذلك مواصلتها دخول قواتها إلى إدلب بشكل شبه يومي، وتحول القوات التركية في منطقة إدلب إلى قوات هجومية مستعدة للتصدي لأي هجوم، ولا يمكن القول اليوم أن الهدوء في إدلب يستمر باستمرار الهدوء في محيط سرت، وهو ما يوضح فشل روسيا حتى الآن للربط بين مصيرين مختلفين في إطار مقايضاتها السياسية.