المزيد من نقاط الضعف الإسرائيلية كشفتها العمليات الفلسطينية

2022.04.03 | 05:54 دمشق

thumbs_b_c_9eacc0aaade61c1ff75496c97c819700.jpg
+A
حجم الخط
-A

شكلت العمليات الفلسطينية الأخيرة داخل مدن فلسطين المحتلة عام 1948 موجة خطيرة على صعيد استهداف الجبهة الداخلية الإسرائيلية، لا سيما مع تزامنها مع قدوم شهر رمضان والأعياد اليهودية، واحتمال ما قد يشهده المسجد الأقصى من توترات أمنية متلاحقة بسبب استمرار استفزازات المستوطنين في اقتحاماتهم المتكررة له، برعاية وحماية من شرطة الاحتلال.

لقد اجتاحت موجة الهجمات الفلسطينية في الأيام الأخيرة العديد من المدن الإسرائيلية، بئر السبع من الجنوب، مرورا بالخضيرة شمالا، وفي الوسط مدينة تل أبيب، مما أظهر إسرائيل غير مستعدة لهذه الموجة بعد فترة من الهدوء النسبي، رغم علمها بأنها أمام تجمع نادر للجبهات المشتعلة، وتقاطعٍ لافتٍ بين التواريخ الحساسة لدى المسلمين والمسيحيين واليهود، وهو الأمر الذي يهدد بأن يصبح "عاصفة كاملة" من التصعيد الأمني.

صحيح أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يمتد إلى قرابة قرن من الزمن، لكن على المستوى الفوري، ظهرت إسرائيل أمام الهجمات الأخيرة في حالة عجز حقيقي

دفعت العمليات الفلسطينية حكومة الاحتلال للاقتراب من إعلان حالة الطوارئ في كل أرجاء الدولة، وباتت المهمة التي تواجهها مشبعة بالتعقيدات والتوترات على الصعيدين العملي والسياسي، خاصة أن لديها قناعة مفادها أن هذه الموجة من العمليات ليست عبارة عن "زوبعة وانتهينا"، لأن هذا النوع من التهديدات الأمنية المعقدة تتطلب في المقابل حلولا معقدة تجمع بين التفكير السياسي العسكري، والتحركات الهجومية والدفاعية، والإجراءات المادية والنظامية، والتغييرات الراسخة في التشريعات والحرب على الرواية مع الفلسطينيين.

صحيح أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يمتد إلى قرابة قرن من الزمن، لكن على المستوى الفوري، ظهرت إسرائيل أمام الهجمات الأخيرة في حالة عجز حقيقي، رغم أنها نشرت قوات الشرطة والجيش وأجهزة الأمن، بما في ذلك تعزيز الإجراءات قرب جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية، على أمل منع وإحباط مزيد من الهجمات، والتأكد أن الإمكانات الهائلة التي تحوزها المقاومة الفلسطينية لن تخرج إلى حيز التنفيذ على الأرض.

أما على المدى الطويل، فإن المحافل الإسرائيلية تتحدث عن الحاجة لتحركات وتدابير منهجية، إضافة إلى تلك التي تم اتخاذها بالفعل، لمعالجة المشكلات العميقة الجذور التي توفر أرضية خصبة لأنشطة المنظمات المسلحة وعناصرها، الذين تنقلوا في أرجاء الدولة خلال الأيام الماضية، وفي وضح النهار، وجاؤوا من محيط البدو الفلسطينيين في النقب المحتل جنوبا، ومن مدينة أم الفحم شمالا، ومدينة جنين بالضفة الغربية، التي سمّاها الإسرائيليون "العاصمة الانتحارية" للانتفاضة الثانية.

عند البحث الإسرائيلي في الأسباب والعوامل التي شكلت دوافع مباشرة لتنفيذ الهجمات الأخيرة، يمكن القول إنها تأتي في وقت غير عادي وحساس، حيث يتقاطع شهر رمضان هذا العام مع أعياد الفصح لدى اليهود والمسيحيين، ثم إحياء الفلسطينيين لذكرى النكبة التي يحيي الإسرائيليون فيها ذكرى إقامة الدولة، بجانب إحياء الجانبين للذكرى السنوية الأولى لاندلاع حرب غزة في مايو 2021، وفي جميع هذه المناسبات من المؤكد أن المسلمين سيزداد وصولهم إلى المسجد الأقصى، بالتزامن مع تكثيف المستوطنين اليهود لعمليات اقتحامه.

مع العلم أن هذه الفترة الحساسة لم تغفل عن أعين الأجهزة الأمنية والحكومة الإسرائيلية، صحيح أنها أدركت مخاطر موجة الهجمات الفلسطينية، لكنها في اختبار النتيجة كان واضحا أنها لم تكن مستعدة لها بشكل صحيح، رغم أن التوترات بين عناصر الحكومة من جهة، واليمين المتطرف الذي يعمل على تسخين الأجواء من جهة أخرى، تضع ثقلًا إضافيًا على قدرتها على مواجهة التحدي الكبير الذي ينتظرها، والحديث يدور عن أوساط اليمين الإسرائيلي من خارج الحكومة.

ورغم أن الحديث الإسرائيلي ما زال يتركز على الهجمات "الفردية" بشكل رئيسي باستخدام السكاكين، وقليل من الأسلحة النارية المرتجلة، لكنها في الوقت ذاته تمثلت فيها جملة من السمات البارزة في التخطيط المبكر، واستخدام الأسلحة، رغم أن هجوم "بني براك" في قلب تل أبيب تطلب على ما يبدو بنية تحتية منظمة من مساعدين قاموا بمساعدة المنفذ الذي تسلل من شمال الضفة الغربية إلى إسرائيل بالمركبة والأسلحة، وفي هجوم الخضيرة استخدم المسلحون المسدسات للسيطرة على أسلحة أكبر، وتجهزوا بكثير من الذخيرة والسترات الواقية.

هنا أيضًا الأمر يتعلق بالتخطيط لآخر التفاصيل، والتنفيذ الذي يتطلب ظرفًا لوجستيًا منظمًا، وشكَّل الوجود العرضي لقوة سريّة فرصة لتحييد المنفذين من خلال ملاحقتهم، وبذلك منعوا وقوع كارثة أشد بكثير على الإسرائيليين، ورغم أن المؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية استعدت منذ فترة طويلة لمثل هذه السيناريوهات الإشكالية المتمثلة في قيام المسلحين بإطلاق النار تلقائيًا على تجمعات الإسرائيليين، لكن يبدو أن توقيت تحقيقها فاجأ قوات أمن الاحتلال.

لا يخفي الإسرائيليون، بمن فيهم القريبون من دوائر الحكومة أنهم يواجهون معضلة رئيسية؛ لأنه سيُطلب منها وقف التوترات على المدى القريب، كما حصل في موجة التفجيرات الاستشهادية قبل 20 عامًا، وفي هذه الحالة قد يتطلب الأمر من إسرائيل أن تأخذ زمام المبادرة، وتبدأ نشاطًا استباقيًا قائمًا على المعلومات الاستخبارية لملاحقة البنية التحتية للمقاومة الفلسطينية، ولعل أول خطوة تتمثل في ترميم الجدار الفاصل مع الضفة الغربية، الذي يستخدمه المسلحون الفلسطينيون للوصول من مدن الضفة إلى قلب إسرائيل، وقد شكلت الثقوب والثغرات التي وجدت فيه فرصة لمنفذي الهجمات للتسلل عبرها نحو العديد من النقاط الساخنة، حتى لو كان ذلك بالسيارة، وفي وضح النهار.

في الوقت ذاته، ورغم اتخاذ الحكومة والجيش والأمن الإسرائيلية خطوات في تركيزها المكثف لقواتها العسكرية والأمنية في جميع الأراضي المحتلة: الضفة الغربية وعلى حدود قطاع غزة وداخل فلسطين المحتلة 48، فإنها خطوة تحمل احتمالية للاحتكاك والتصعيد، ومن ناحية أخرى، فإن احتمال عنف المستوطنين تجاه الفلسطينيين يعقد الوضع الأمني، ويزيد من حدة التحدي القائم على الأرض.

هذه تحديات لن تزول على الفور، حتى لو كانت سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية تسعى للحفاظ على الوضع الراهن في الساحة الفلسطينية، لأن الصراع الطويل الأمد مع الفلسطينيين ليس له حل سحري

لقد مثلت العمليات الفلسطينية الأخيرة تحدياً حقيقياً أمام دولة الاحتلال، وأجبرتها على إعادة فتح الدفاتر القديمة التي اعتبرت أنها باتت من الماضي، وطوت صفحتها، ومنها: الجريمة المنظمة المسلحة بين فلسطينيي 48، والاغتراب المتزايد لجيل شاب محبط بينهم، والإهمال الشديد في التجمعات البدوية في صحراء النقب، وفقدان الثقة في أنظمة ومؤسسات الدولة، وضعف السلطة الفلسطينية، وغياب الأفق السياسي.

هذه تحديات لن تزول على الفور، حتى لو كانت سياسة الحكومة الإسرائيلية الحالية تسعى للحفاظ على الوضع الراهن في الساحة الفلسطينية، لأن الصراع الطويل الأمد مع الفلسطينيين ليس له حل سحري، وفي الوقت نفسه تخشى إسرائيل أن تعود إلى الأيام التي كانت الهجمات تستعر في شوارعها، وتنشر الموت بين المستوطنين، رغم أن الموجة الحالية التي هزت الدولة ليس لها بنية تحتية تنظيمية، ولا قيادة محددة، صحيح أنها تستلهم تنفيذها من إرث حماس العسكري، لكنها مدفوعة بدافع عفوي من الشباب الفلسطيني الذي تمكن من الإفلات من شبكة المراقبة التابعة لجهاز الأمن الإسرائيلي العام.

الخلاصة أنه بدا لافتا أن تتزامن هذه الهجمات الفلسطينية في مارس 2022 مع إحياء إسرائيل للذكرى الـ26 لما يعرف بأنه "آذار الأسود" الذي ضرب مدنها وشوارعها في عام 1996، من خلال عمليات "الثأر المقدس"، التي نفذتها حماس انتقاما لاغتيال مهندسها الأول يحيى عياش، والذكرى السنوية العشرين لعملية السور الواقي التي اجتاحت بموجبها الضفة الغربية في 2002 في ذروة انتفاضة الأقصى، مما تسبب حينئذ بأضرار كبيرة أصابت القيادة الإسرائيلية، وأزمة داخلية عاشها المجتمع الإسرائيلي، بعد الكشف عن نقاط ضعفه، وقلقه الوجودي المخيف.