المركزي التركي يثبت سعر الفائدة.. هل تراجع أردوغان عن نموذجه الاقتصادي الجديد؟

2022.01.25 | 06:13 دمشق

thumbs_b_c_a4a374dc7cc0c311daee4b0113eeffff.jpg
+A
حجم الخط
-A

ثبت البنك المركزي  التركي سعر الفائدة في الاجتماع الأول للجنة السياسة النقدية لهذا العام الذي عقد يوم 20-1-2022، وأبقى النسبة ثابتة عند 14% لسعر الفائدة على الليرة التركية، وعند 15,5% لسعر فائدة الإقراض، وكان البنك المركزي قد دشن سلسلة من إجراءات التيسير النقدي في أيلول/سبتمبر الفائت، وخفض سعر الفائدة بمقدار 500 نقطة أساس إلى 14 في المئة.

وقال البنك المركزي في بيانه بعد الاجتماع إنه سيراقب تأثير قراراته السابقة بشأن السياسة النقدية وإنه يتوقع أن تبدأ «عملية انخفاض التضخم» قريبا بما يحقق الاستقرار في الأسواق.

وذكر أيضا أنه بدأ «مراجعة شاملة لإطار عمل السياسة النقدية» بهدف إعطاء الأولوية للعملة والمساعدة في وصول التضخم إلى معدله المستهدف.

وذكر البيان أنه من المتوقع أن يحقق الحساب الجاري فائضا خلال العام الحالي، مشيرا إلى أن استمرار التحسن في الميزان عامل مهم في تحقيق هدف استقرار الأسعار.

وأكد أن البنك المركزي سيواصل بحزم استخدام جميع الأدوات المتاحة له حتى تظهر مؤشرات قوية تشير إلى انخفاض دائم في التضخم ويتم تحقيق هدف 5 في المئة على المدى المتوسط، ​بما يتماشى مع الهدف الرئيسي المتمثل في استقرار الأسعار.

وكان المصرف المركزي التركي قد توقع في وقت سابق أن ينخفض معدل التضخم في نهاية 2022 الى 29,75 وأن يصل سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي إلى 16,3

وقد سبق هذا القرار ظهور عدة بيانات  سلبية عن الاقتصاد التركي حيث أظهرت البيانات أن فائض ميزان المعاملات الجارية بالبلاد تحوّل إلى عجز في تشرين الثاني نوفمبر 2021 بمبلغ 2,681 مليار دولار بعد أن سجل فائضا بمبلغ 3,136 مليار دولار عن شهر أكتوبر تشرين الأول 2021, في حين بقي معدل البطالة عن شهر نموفبر تشرين الثاني  2021 مستقرا عند 11,2%.

وقد سجلت الميزانية الحكومية التركية عجزا قياسيا في ديسمبر/كانون الأول 2021، إذ قفز العجز الشهري في الميزانية الحكومية التركية 237.1 في المئة على أساس سنوي قبل عام ليصل إلى 145.7 مليار ليرة (10.8 مليارات دولار)، ليرتفع العجز في 2021 إلى 192.2 مليار ليرة. ويقارن ذلك بعجز قدره 43.3 مليار ليرة في ديسمبر 2020 وفجوة سنوية قدرها 175.3 مليار ليرة في ذلك العام بكامله.

وكانت بيانات التضخم التي تم الإعلان عنها في بداية العام قد أظهرت أن معدل التضخم السنوي في تركيا قفز أكثر بكثير مما كان متوقعا إلى 36.08% على أساس سنوي في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وسجل أعلى مستوياته في 19 عاما بعد انخفاض قيمة الليرة.

وقال معهد الإحصاء التركي إن مؤشر أسعار المستهلكين ارتفع 13.58% على أساس شهري، وأظهرت البيانات أيضا  أن مؤشر أسعار المنتجين ارتفع 19.08% على أساس شهري في ديسمبر ليرتفع على أساس سنوي إلى 79.89% في انعكاس لقفزة في أسعار الواردات.

ويعود هذا الارتفاع في أسعار السلع الاستهلاكية ـ وهو أعلى بسبعة أضعاف من الهدف الأساسي للحكومة - إلى التراجع الكبير في سعر صرف الليرة التركية التي فقدت 45% من قيمتها مقابل الدولار خلال عام.

فيما يأتي نسلط الضوء على الأسباب التي دفعت المركزي التركي لتثبيت سعر الفائدة وهل يُعدّ هذا التثبيت تراجعاً عن النموذج الاقتصادي الجديد الذي تبنته الحكومة التركية القائم على أسعار فائدة منخفضة وزيادة الصادرات ودعم النمو الاقتصادي؟

  1. فقاعة سعر الصرف:

ركز المسؤولون الأتراك في أحاديثهم الأخيرة على النجاح في القضاء على فقاعة سعر الصرف والتي أوصلت الليرة التركية إلى أدنى مستوى لها تاريخيا عند 18,3 مقابل الدولار الأميركي نهاية العام الماضي من خلال السيطرة على تقلبات سعر الصرف حيث استقر سعر صرف الليرة التركية في قناة عرضية من 13,40 إلى 13,80 ليرة مقابل الدولار الأميركي الواحد من بداية العام الأمر الذي انعكس سياسيا من خلال زيادة شعبية حزب العدالة والتنمية من خلال استطلاعات الرأي التي أجريت مؤخرا بعد تراجعها خلال العام الماضي، وبالتالي فإن تثبيت سعر الفائدة في الوقت الحالي سيدعم استقرار سعر الصرف ولو مؤقتا.

  1. ودائع الليرة المحمية:

أشارت أحدث البيانات إلى أن 163 مليار ليرة (12.2 مليار دولار) جرى إيداعها في حسابات في إطار نظام حكومي يحمي الودائع بالليرة من انخفاضات سعر الصرف، وذلك يعدّ نجاحا متواضعا، إذ إن مزيج الودائع ما زال يميل بشكل كبير إلى صالح ودائع العملات الأجنبية، حيث تشكل ودائع العملة الأجنبية ما نسبته 62% من إجمالي الودائع، وبالتالي فإن تخفيض الفائدة سيقلل من جدوى هذه الآلية، حيث تسببت التخفيضات الأخيرة في سعر الفائدة في دفع العوائد الحقيقية إلى منطقة سلبية للغاية مع تسارع معدل التضخم إلى 36 في المئة.

  1. اتجاهات السياسة النقدية العالمية:

ارتفع التضخم السنوي في الولايات المتحدة لأعلى مستوى في 40 عاما، بدفع من ارتفاع أسعار الطاقة وتضرر سلاسل التوريد بفعل جائحة كورونا. حيث أظهرت بيانات مكتب الإحصاءات الأميركي أن التضخم السنوي ارتفع إلى 7% ومن شأن هذه الزيادة في معدل التضخم زيادة الضغوط على الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي)، لتشديد السياسة النقدية، بتقليل حيازته من السندات والأوراق المالية، ورفع أسعار الفائدة، الأمر الذي سيضغط على السيولة الدولارية في الأسواق الناشئة ومنها تركيا، كما أن العديد من البنوك المركزية رفعت الفائدة بالفعل لمواجهة التضخم ومنها بنك إنكلترا وبنك اليابان، الأمر الذي يجعل من الصعب على المركزي التركي خفض الفائدة ومخالفة توجهات البنوك المركزية الكبرى في العالم.

الخلاصة:

إن تثبيت المركزي التركي لسعر الفائدة لايمكن اعتباره تراجعا وإنما إعادة ترتيب للأولويات، فبدلا من التركيز على تحقيق فائض قي الحساب الجاري في ظل ارتفاع كبير في أسعار الطاقة وسياسة نقدية عالمية تميل إلى التشديد النقدي، أصبح التركيز على خفض التضخم لما له من تأثير على الوضع الاقتصادي والسياسي العام في تركيا، ونستطيع القول إن وتيرة خفض الفائدة أصبحت أبطأ، إذ لن نرى بعد الآن خفضا للفائدة في كل اجتماع للمركزي وربما سيبقى معدل الفائدة ثابتا في فبراير ومارس المقبلين، ولكن يبقى السؤال المهم كيف سيتصرف المركزي التركي عندما يبدأ الفيدرالي الأميركي برفع سعر الفائدة؟