icon
التغطية الحية

المخدرات في سوريا.. "كبتاغون الأسد" وتهديد الأمن الإقليمي

2024.02.23 | 09:47 دمشق

آخر تحديث: 23.02.2024 | 09:47 دمشق

ننن
"كبتاغون الأسد" وتهديد الأمن الإقليمي (AFP)
+A
حجم الخط
-A

أصدر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات تقريرًا للباحث السوري إبراهيم ياسين، حمل عنوان: " كيف صارت تجارة الكبتاغون مصدر تهديد للأمن الإقليمي؟"، وتناول مختلف التفاصيل المتعلقة بتصنيع وإنتاج وتهريب المخدرات في سوريا، بالإضافة إلى موارد تجارة "الكبتاغون" والجهات والأطراف المنتفعة منها، وصولاً إلى المساعي بشأن مكافحة تهريب المخدرات، محليًا وإقليميًا ودوليًا.

ووفق التقرير، فقد أضحت سوريا مؤخرًا أكبر منتج ومصدّر للمواد المخدّرة المصنَّعة. وعلى الرغم من الإجراءات التي تقوم بها دول الجوار لمكافحة هذا التهديد، فإن المخدرات لا تزال تصلها بكميات كبيرة، إذ بحسب مرصد الشبكات السياسية والاقتصادية، جرى ضبط 1251 شحنة مخدرات في منطقة الشرق الأوسط بين عامَي 2016 و2022.

وفي ظل فوضى الحرب، وتقسيم سوريا إلى مناطق نفوذ، مع وجود أربع حكومات أو سلطات أمر واقع، هي النظام السوري، وقوات سوريا الديمقراطية "قسد"، و"هيئة تحرير الشام"، ومناطق سيطرة الحكومة المؤقتة التي تتبع المعارضة، فإن شبكة المتورطين في إنتاج المخدرات تتوسع وتزداد تعقيدًا. ويُضاف إلى ذلك المناطق التي يجري تنازع السيطرة عليها، مثل البادية السورية، حيث ينشط عناصر "تنظيم الدولة" (داعش) وميليشيات متعددة الانتماءات، ومناطق السويداء ودرعا، وبعض المناطق الداخلية، وتحتوي كلها على منشآت لإنتاج المخدرات، علمًا أن مناطق سيطرة النظام السوري تُعدّ المصدر الأكبر للاتّجار بها.

الحدود الأردنية وتفاقم مواجهات تهريب المخدرات

مع تنامي خطورة هذه الظاهرة، تسعى الدول المستهدفة بها للحد من تأثيرها من خلال المفاوضات والاتفاقات، أو عبر تعزيز إجراءات مراقبة الحدود. وفي هذا الصدد، يواجه الأردن، خصوصًا، تهديدًا متناميًا، حيث تخوض قوات حرس الحدود والجيش معارك شرسة مع عصابات تهريب المخدرات على الحدود مع سوريا، تشمل عمليات قصف جوي، سقط فيها ضحايا مدنيون، بينهم نساء وأطفال. أما الدول الغربية، سواء أوروبا أم الولايات المتحدة الأميركية، فتفرض عقوبات اقتصادية تشمل حجز أموال وملاحقات أمنية على كل شخص تثبت علاقته بإنتاج المخدرات، وتستهدف على وجه الخصوص أبرز التجار المرتبطين بالنظام السوري.

أولًا: تصنيع المخدرات في سوريا وطرق تهريبها

تزداد كمية المخدرات المنتجة في سوريا وتتوسع قاعدة المتورطين فيها، من منتجين ومروجين ومتعاطين. وتشير بيانات الحكومة البريطانية إلى أن سورية تنتج قرابة 80 في المئة من الإنتاج العالمي من الكبتاغون. ونتيجة الصراع الدائر فيها، أصبحت الميليشيات الطرف الرئيس الذي يتحكم في هذه الصناعة. وتمر عملية الإنتاج بمرحلتين، تتمثل المرحلة الأولى في تأمين المواد الأولية، ونتيجة وجود معامل الأدوية المنتشرة في سورية ولبنان والعراق، يمكن استيراد هذه المواد بسهولة، فغالبيتها تدخل في صناعات دوائية طبية، ولا قيود على التعامل بها.

تأتي المرحلة الثانية بتأمين آلات ضغط الأقراص، وهي آلة صغيرة لا يتجاوز سعرها 2500 دولار، وتنتج كميات كبيرة في وقت قياسي، وأيضًا يمكن الحصول على طوابع شعار الكبتاغون الشهير الذي يحمل الرمز C. وبعد تأمين المواد الأولية والآلات، لا يحتاج الأمر إلى أكثر من 48 ساعة للبدء في الإنتاج. ولسهولة تصنيعه، يمكن وضع الآلات في شاحنة، حيث تصبح معامل إنتاج المخدرات متنقلة، ومن الممكن أن توجد في أي مكان، وتحتوي المناطق السورية كلها تقريبا على معامل لإنتاج المخدرات، تنتشر في مقرات الميليشيات المسلحة، ولا سيما الإيرانية ومقرات الفرقة الرابعة التابعة للنظام السوري. وعادة ما تكون معامل الأدوية المرخصة للاستعانة بالمختبرات الموجودة فيها لإنتاج أصناف ذات جودة عالية.

  • معامل الإنتاج في مناطق سيطرة النظام السوري

بعد أن جفت الموارد التي كان يستغلها أمراء الحرب خلال سنوات الصراع، صارت المخدرات مورد الدخل الرئيس. كانت بداية الإنتاج في ثمانية معامل، تقع في صيدنايا ورنكوس" في منطقة القلمون، ثم انتشرت في باقي المناطق السورية، حيث أنشأ نافذون في النظام السوري، بحسب تحقيق لصحيفة نيويورك تايمز، معامل إنتاج في حلب واللاذقية، باتت تنافس معامل حزب الله اللبناني المنتشرة في حمص ودرعا وريف دمشق.

  • معامل الإنتاج في مناطق سيطرة المعارضة

تشرف فصائل المعارضة المسلحة على بعض المعامل في قرى مدينة عفرين وجنديرس وقرى شمال غرب سورية، مثل سرمدا، حيث يجري الحصول على المواد الخام من مناطق سيطرة النظام السوري، وبعد ذلك تصنع ثم تهرب إلى تركيا، في طريقها إلى دول الخليج العربية".

  • معامل الإنتاج في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية

لم يسجل أي معمل لتصنيع المخدرات في مناطق شمال شرق سورية، لكن تنتشر زراعة الحشيش أو القنب على نطاق واسع، بإشراف قياديين من وحدات الحماية الكردية في مناطق الرقة ومنبج وأرياف الحسكة"، ويجري تغليفها وبيعها محليا، أو تهريبها إلى مناطق شمال غرب سورية، أو إلى مناطق النظام السوري، أو تركيا. أما المواد المخدّرة المصنعة، فتصل إلى المنطقة من طريقين: أولهما المناطق المحاذية لنهر الفرات من جهة الحدود العراقية - السورية، حيث تنتشر الميليشيات الموالية لإيران، وتقوم بتهريب كميات كبيرة عبر القوارب مناطق قوات سوريا الديمقراطية. أما الطريق الثاني فيمر عبر منبج". وتنتشر الحبوب المخدرة طلاب المدارس. وتوزع مجانا وبكميات كبيرة على مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية في أثناء أدائهم مهماتهم القتالية.

  • طرق التهريب

تستخدم المعابر غير الشرعية لمرور المخدرات عبر لبنان من منطقة البقاع، ومن مناطق القلمون الغربي والزبداني ومضايا في ريف دمشق، والقصير ووادي خالد في ريف وكلها تحت سيطرة حزب الله. بالتشارك مع الفرقة الرابعة في الجيش السوري". أما على طول الحدود السورية - الأردنية، فباتت تستخدم وسائل حديثة للمساعدة في عمليات التهريب، مثل الطائرات من دون طيار (الدرون)، وتمر الشحنات المتجهة إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج عبر معبر جابر - نصيب الحدودي". في حين يجري كميات أقل عبر الحدود التركية من خلال محورين الأول شمال غرب حلب عبر بلدتي نبل والزهراء، والثاني من دير حافر إلى منبج الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية"، وصولاً إلى إقليم كردستان العراق، لتكمل طريقها إلى أوروبا، أو دول الخليج.

أما خطوط التهريب البحرية، فتشمل ميناءي اللاذقية وبيروت، ويجري توجيه الشحنات إلى دول أوروبا وشمال أفريقيا ودول الخليج، وتعتبر السعودية المستهلك الأكبر لهذه المواد.

يبتكر المهربون طرائق عديدة لإخفاء المخدرات، فقد جرى ضبط كميات منها داخل صخور ضخمة، أو ضمن مرشحات الزيت أو في آلات صنع البلاط، أو مخلوطة ضمن شحنات الفاكهة والخضار العنب والبرتقال والرمان والبطاطا) أو مع القهوة والتوابل لإرباك الكلاب البوليسية.

ثانيًا: موارد الكبتاغون والجهات المنتفعة

ازداد حجم شحنات المخدرات وعددها مؤخرًا، فقد صادرت اليونان وإيطاليا والسعودية والإمارات ومصر كميات كبيرة، كانت في الغالب مصدّرة من ميناء اللاذقية، وبلغت القيمة السوقية لبعض الشحنات أكثر مليار دولار، وبهذا تجاوزت المضبوطات قيمة صادرات سورية القانونية التي تشكل المنتوجات الزراعية غالبيتها". تباع حبة الكبتاغون الواحدة في سورية بأقل من دولار أميركي واحد، في حين تصل في السعودية إلى حوالي 14 دولارًا. وبحسب تحقيق لصحيفة نيويورك تايمز، بلغت قيمة مضبوطات الكبتاغون العالمية في عام 2019 نحو 2.9 مليار دولار أي ما يزيد على ثلاثة أضعاف قيمة الصادرات السورية القانونية البالغة 860 مليون دولار.

يستخدم النظام السوري والقوى المسيطرة على الأرض هذه الأموال لدفع رواتب المقاتلين وتمويل العمليات العسكرية وتأمين المواد اللوجستية. وقد وجد قادة العصابات المسلحة ضالتهم في تجارة الكبتاغون والمواد المخدرة الأخرى، حيث إنها من أنواع التجارة السريعة النمو والسهلة التصريف. ونتيجة لتنامي تجارتها، فقد زادت قيمة المضبوطات في عام 2020 إلى نحو 3.46 مليارات دولار، وفي عام 2021 قدرت قيمة التجارة بنحو 5.7 مليارات دولار.

يشارك عدد كبير من الجهات الفاعلة في العمليات التجارية من تصنيع وتهريب، وأبرز المنتفعين منها النظام السوري وقادة الميليشيات المرتبطة به. وقد ورد اسم سامر كمال الأسد ووسيم بديع الأسد، من أبناء عمومة الرئيس السوري وقادة آخرين، ضمن قوائم العقوبات الأميركية لتجارتهم بالمخدرات لتغذية آلة الحرب، وجمع الأموال بكميات ضخمة.

ونتيجة لتبعات النزاع في سوريا، تعود السيطرة الفعلية على الحدود السورية - اللبنانية إلى "حزب الله" وفي الجهة المقابلة من الحدود، تسيطر الفرقة الرابعة وشعبة المخابرات العسكرية. وعلى الرغم من أن حزب الله متورط في تجارة المخدرات منذ ما قبل اندلاع النزاع في سورية، فإن شراكته الجديدة ساعدته في الوصول إلى ميناء اللاذقية وإنشاء المزيد من المصانع في المناطق السورية القريبة من لبنان.