المجلس التركماني السوري وتحديات التنظيم في دورته القادمة

2021.04.12 | 06:47 دمشق

1_248.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد نحو عام من حالة الثبات التي يعيشها المجلس التركماني السوري، بعد استقالة رئيسه السابق وجيه جمعة، وعدم انتخاب رئيس جديد حتى الآن، عادت الحركة مجددا في الفترة الأخيرة، مع استعداد الأحزاب والمكونات المشكلة للمجلس، بإعداد قوائم مندوبيها من أجل الاجتماع خلال الشهر الجاري، والاتفاق على موعد عقد المؤتمر العام المقبل، والمنتظر أن يكون بعد انتهاء شهر رمضان المبارك، حيث سيعد كل طرف مكون للمجلس مجموعة من الأسماء والقوائم تشكل مندوبيها في الاجتماع، من أجل اختيار رئيس جديد، ومناقشة المواضيع الوطنية السورية والقضايا التركمانية، كما ستكون هناك مشاركة واسعة من قبل المستقلين من مختلف مناطق التركمان في سوريا، من أجل مشاركة شعبية واسعة، حيث شهدت الفترة الأخيرة أيضا حراكا سياسيا جديدا للتأكيد وتجديد المطالب، إذا إن المجلس التركماني يعتبر الجهة المشروعة المعترف بها من قبل مؤسسات المعارضة، ومن قبل أطراف دولية عديدة.

وضمن إطار الحراك السياسي التركماني تأسست جبهتان سياسيتان جديدتان قبل نحو أكثر من شهرين، ضمن الجهود التي انطلقت منذ العام 2011، الأولى باسم جبهة تركمان اللاذقية (باير بوجاق بالاسم المحلي)، كما تم تشكيل جبهة تركمان حمص كأطراف سياسية جديدة، وهذا التأسيس وإن كان يطرح التجديد لدماء الحركات السياسية للتركمان، يجدد بنفس الوقت أيضا المطالب الشعبية لهذه الأطراف السياسية، وأهمها المطالبة بعودة النازحين من التركمان لمناطقهم في مختلف المحافظات التي هجروا منها، وأهمها محافظات اللاذقية وحلب وحمص وحماة وأحياء في دمشق وجنوبها، حيث إن أغلب هذه المناطق نزح منها سكانها الأصليون، وخاصة سكان جبل التركمان في ريف اللاذقية الشمالي، حيث إنهم كانوا من أبرز ضحايا الحملة الروسية على المنطقة في العام 2015 مع إسقاط الطائرة الروسية في هذه المنطقة، وقصفها بشكل عنيف لم يبقِ على حجر فوق بعضه البعض، ونتيجة الانتقام الروسي بإحكام النظام السيطرة عليها، حيث تعتبر هذه المنطقة هامة واستراتيجية، لأنها مشرفة على معقل النظام بشكل مباشر من جهة، وتعد خاصرة أمنية لتركيا من جهة ثانية، وتكتسب أهمية ورمزية للثورة السورية، حيث إنها من أوائل المناطق الثائرة بوجه النظام من جهة ثالثة، كما أن سكان أرياف حمص وحماة أيضا كانوا ضحايا هجمات النظام وإخلاله بالاتفاقات الموقعة في المنطقة وخاصة ضمن مسار أستانا، وتخيير السكان هناك ما بين المصالحة أو التهجير، كما حصل في عديد من المناطق السورية.

ورغم الانتقادات التي وجهت للمجلس التركماني بسبب معاناته من الترهل وعدم قدرته على التمثيل المناسب العادل للتركمان، إلا أنه يبقى المظلة الجامعة المعترف بها، وعليه يأمل كثير من التركمان أن يكون الاجتماع المقبل خطوة من أجل تفعيل دور المجلس بشكل أكبر ليكون فاعلا وجسرا رابطا بين الشعبين السوري والتركي، خاصة أن المجلس ملتزم أيضا بالمطالب الشعبية بتأسيس وطن سوري يضم كل السوريين المتساوين بالحقوق والواجبات يتمتع الجميع بمعاملة متساوية أمام القانون.

بيان التأسيس لجبهة تركمان بايربوجاق تضمن تعريفا بأنها هيكل سياسي وثقافي لتمثيل التركمان لتوحيدهم والتمهيد لعودتهم والدفاع عن حقوقهم السياسية وحماية ثقافتهم وضمان مستقبل أبنائهم واستعادة روح القضية من جديد بوسائل مشروعة وقانونية، وختم البيان الذي حمل توقيع رئيس الجبهة الدكتور محمد جرن بالقول إن الجبهة مصممة على النضال من أجل تلبية المطالب المشروعة للشعب السوري بالتعاون مع المجلس التركماني السوري الذي هو الممثل الشرعي لتركمان سوريا وبالتعاون مع المنظمات الشرعية للمعارضة حيث يدافع أبناء المنطقة عن الوحدة الوطنية في سوريا وسلامة أراضيها وتطالب بأن يكون التركمان مكونا أصيلا في الدولة السورية الجديدة وضمان حقوقهم الثقافية.

ويطرح التشكيل الجديد التساؤل مجددا عن المكون التركماني في سوريا الجديدة بعد الحراك الشعبي، حيث تعتبر كثير من المناطق التي يقطنها التركمان من أبرز وأشد المناطق التي تعرضت للانتقام الوحشي من قبل النظام، تماما كما حصل في عموم سوريا، وخاصة في أرياف حمص وحماة وأحياء داخل مدينة حمص، ومناطق التركمان في حلب واللاذقية والرقة، ورغم أن تشكيل المناطق الآمنة بدعم تركي في بعض المناطق شمال سوريا أعاد أعدادا كبيرة منهم في أرياف حلب والرقة، إلا أن تركمان اللاذقية وحمص وحماة وتركمان الجولان المهجرين من أحياء الحجر الأسود والقدم وغيرها، لا يزالون يأملون ويطالبون بالعودة إلى مناطقهم التي هجروا فيها ضمن إجراءات النظام وبدعم روسي للتغير الديموغرافي في البلاد.

يدفع التركمان دائما ثمن ارتباطهم العرقي مع تركيا واشتراكهم معها باللغة والتاريخ والثقافة

ورغم أن التركمان ممثلون داخل أغلب التشكيلات المعارضة المعترف بها دوليا، ويتشاركون مع بقية أطياف المعارضة في المطالب ومشاورات الحل السياسي، لكن قضيتهم وخاصة من جهة الحقوق الثقافية والسياسية وحق العودة، لا تلقى بعدا دوليا كما القضية الكردية على سبيل المثال، بل يدفع التركمان دائما ثمن ارتباطهم العرقي مع تركيا واشتراكهم معها باللغة والتاريخ والثقافة، حتى أن هذا التقارب نال منهم في ظل حكم حزب البعث بسوريا، عبر اتهامهم بالتبعية، رغم أنهم يؤكدون بشكل مستمر بارتباطهم بسوريا الوطن وانصهارهم ضمن المجتمع السوري، وهذا أدى إلى تهميشهم من قبل النظام بشكل كبير، سواء من ناحية الخدمات، أو التعليم أو التوظيف، حتى أن مناطقهم كانت مهملة خدميا، وبالتالي هم أيضا كما عموم الشعب السوري ضحية لهذه الممارسات من قبل النظام، وبعد انطلاق الحراك الشعبي ودعم تركيا لمطالب الشعب السوري، كان هناك ضغط مضاعف على التركمان بسبب المواقف السابقة، وحاليا تعتبر القرى والبلدات التي هجر منها التركمان خالية ومدمرة، حتى أن منطقة بايربوجاق لا يمكن العثور فيها على بيت سليم، على العكس تم تهديم معظم تلك البيوت ونهبها وتكسير ما تبقى منها، ومنع ذهاب من بقي في مناطق سيطرته لتلك القرى، وهذه المنطقة التي تضم أهم غابات سوريا وأجملها، باتت مهددة بالاختفاء، بسبب التهديم والحرائق، وتحولها لأحراش، نتيجة منع عودة الأهالي للمنطقة بشكل مقصود، وتحويلها لمنطقة عسكرية.

يمكن الحديث حاليا عن مطالب للتركمان في عدة أطر تأتي من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية

وإن كان الحديث عن ممارسات وتجاوزات النظام على مدار السنوات في هذه المنطقة، ونشر إرهابي "بي كي كي" في تسعينيات القرن الماضي في منطقة جبل التركمان والممارسات التعسفية يطول جدا، إلا أنه يمكن الحديث حاليا عن مطالب للتركمان في عدة أطر تأتي من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وفق الدكتور محمد جرن، حيث إن هناك مطالب بتبني قضية التركمان بشكل حقيقي من قبل تركيا اجتماعيا واقتصاديا، ويجب دعم عودة المهجرين من هذه المناطق إلى قراهم وبلداتهم، حيث إن الأمل يحدو التركمان بشكل دائم أن يكون موضوع عودتهم لمناطقهم ضمن أولويات تركيا في سوريا، وخلال اللقاءات التي تجري مع روسيا والأطراف الدولية المعنية، سواء عبر إعلان المنطقة آمنة بالاتفاقيات المشتركة، أو عبر تشكيل منطقة آمنة عسكريا، أسوة بمناطق درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، وهي مطالب تشمل بقية المناطق أيضا، فضلا عن مطالب بدعمهم من قبل أنقرة للوصول إلى هذه الأهداف، ومن جانب آخر هناك مطالب للتركمان على صعيد جبهة العمل مع كيانات المعارضة السياسية، وهي أن تكون قضيتهم أيضا حاضرة في كل الاجتماعات التي تتناول مستقبل سوريا، والعمل بشكل دائم على إيجاد الحلول للعودة الآمنة لمناطقهم، ومشاركتهم في كل الاجتماعات والمشاورات والمفاوضات التي تجري من أجل مستقبل سوريا، والحفاظ على حقوقهم الثقافية وضمان عدم التمييز في سوريا المستقبل، التي يأمل كل أبناء سوريا بأن ينالوه، لأنها ثورة حرية وكرامة خرج بها السوريون من أجل المساواة في الحقوق، ونيل الحقوق المغتصبة من قبل النظام، وهو ما يأمله التركمان بأن لا ينسى إخوتهم في الوطن، أنهم تشاركوا في تقديم التضحيات أمام ثورة الحرية والكرامة، ونالوا نصيبهم مثل بقية إخوتهم، ظلما شديدا وتفرقة وتميزا وتهجيرا لم يسبق له مثيل.