icon
التغطية الحية

المآلات الميدانية في إدلب على ضوء الموقف التركي في طهران

2018.09.09 | 18:09 دمشق

رؤساء تركيا وروسيا وإيران في قمة طهران (رويترز)
تلفزيون سوريا - عبدالله الموسى
+A
حجم الخط
-A

طغى على قمة طهران الثلاثية تصعيد تركي شمل جوانب الملف السوري كاملاً بلهجة حادة وغير مسبوقة ضمن اجتماعات ثلاثي أستانا، ورسم تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان المُحدِد الرئيسي لأي تفاهم نهائي حول ملف إدلب وذلك تحديداً بربط الاستقرار فيها بأمن بلاده القومي، ومطالبته بوقف إطلاق للنار كاعتراف ضمني بعدم نجاح اتفاق خفض التصعيد الذي يخترقه حلف النظام دون توقف، الأمر الذي رد عليه نظيره الروسي بنفس حدة اللهجة بأنه يجب على النظام السيطرة على كامل الأراضي السورية.

إدلب تحدد استمرار العلاقات

وذهب أردوغان إلى أبعد من ربط إدلب بالأمن القومي التركي، حيث اعتبر أن التفاهم حول إدلب "سيحدد معالم تعاوننا في سوريا"، في إشارة منه إلى أن عدم التوصل لاتفاق سينهي التقارب والتعاون القائمين بين تركيا وروسيا منذ إسقاط الطائرة الروسية في أواخر 2015، الحادثة التي خلقت استدارة تركية تجاه روسيا بعيداً عن الولايات المتحدة التي بدأت تُظهر لتركيا مؤشرات عن رغبة أمريكية بالتعاون معها في سوريا، وذلك تحديداً عبر تعيين جيمس جيفري كمبعوث عن الخارجية الأمريكية إلى سوريا، والذي يرى أن الخلافات بين تركيا وبلده قابلة للمساومة، فضلاً عن مواقفه الإيجابية بالنسبة لتركيا فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية ومنبج ووحدات حماية الشعب، وبالعودة إلى المؤشرات الأمريكية نحو علاقات أفضل مع تركيا، لا يُمكن إغفال تصريحات المسؤولين الأمريكان بأن العلاقات المتوترة بين البلدين عقب قضية القس برانسون وتبعاتها لن تؤثر على التنسيق القائم حول سوريا وتحديداً منبج التي باتت تمثل حقلاً للتجارب الدبلوماسية بين البلدين، أكثر من كونها منطقة استراتيجية.

عدم التوصل لاتفاق سينهي التعاون القائم بين البلدان الثلاثة منذ إسقاط الطائرة الروسية في أواخر 2015، الحادثة التي خلقت استدارة تركية تجاه روسيا بعيداً عن الولايات المتحدة

التلويح بعصاة الفصائل العسكرية

وركز أردوغان على ضرورة إيقاف أي تصعيد في المنطقة الأخيرة المتبقية من مناطق خفض التصعيد، متابعاً في حديثه بأن "المعارضة تشعر بتعرضها للخداع عقب التطورات التي حدثت بعد تأسيس تلك المناطق، ونحن في تركيا التي أخلصت في هذا المسار نرى أن الأمور تنزلق نحو نقطة خطيرة للغاية"، الأمر الذي ستفهمه روسيا وإيران بمثابة تهديد بأن المعارضة التي لم يبق لها موطئ قدم لم تعد تتحمل المزيد من "الخداع"، وأن عليكم تحمل التبعات الميدانية لـ "الانزلاق إلى نقطة خطيرة للغاية"، خاصة أن "الضامنَين" الآخرين جرّبا قبل ذلك ما فعله الدعم التركي للفصائل التي خرقت أعتى تحصينات النظام وحلفائه في جنوب غرب حلب في معركة فك الحصار عن مدينة حلب أواخر 2016، والتي يعتبرها البعض أنها كانت بمثابة فرض أمر واقع من قبل تركيا على الروس بأن الأولى تمتلك الأوراق الكافية لتفرض نفسها في تحديد مصير سوريا، وفعلاً بعد المعركة بأشهر بدأ مسار أستانة الذي كان الأكثر تأثيراً على مجريات الأحداث في سوريا كاملة.

ليلة انتهاء قمة طهران رفعت الفصائل العسكرية الجاهزية العسكرية القصوى على خطوط الجبهات، وعزز الجيش التركي نقاط مراقبته الـ 12 وحدود البلاد مع إدلب، تحسباً لردة الفعل الروسية التي اقتصرت على غارات جوية قرب خطوط الجبهة في ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، ليبدو أن اللهجة الحادة لتركيا في طهران والتي قرأها المحللون أنها جاءت كنوع من الدبلوماسية في رفع السقف للحد الأقصى؛ كانت ناجحة حتى الآن في تجنيب المنطقة المعركة التي تُلوّح بها روسيا عبر تعزيزات النظام والسفن الروسية في المتوسط.

 اعتمدت تركيا في تصعيدها على حاجة كل من إيران وروسيا لها، خاصة في هذا الوقت الذي تشهد فيه الأولى انهياراً اقتصاديا بسبب العقوبات الأمريكية والضربات الإسرائيلية في سوريا، والعزلة التي تعاني منها الثانية بعد الموقف الغربي المُوحّد إلى جانب الرؤية التركية لتجنيب إدلب معركة عملت روسيا على إظهارها على أنها في سياق "مكافحة الإرهاب".

وباتت معادلة التوازن السورية بين الولايات المتحدة روسيا وتركيا واضحة أكثر، وأن أي تقارب تركي مع الولايات المتحدة سيؤدي إلى حشر الروس في الزاوية

وباتت معادلة التوازن السورية بين الولايات المتحدة وروسيا وتركيا أكثر وضوحاً، بأن أي تقارب تركي مع الولايات المتحدة (باعتباره مُرجّحاً أكثر من أي تقارب روسي - أمريكي بأضعاف) سيؤدي إلى حشر الروس في الزاوية، وعزز من هذه الفكرة تصريح مستشار الأمن القومي الأمريكي جون بولتون بأن روسيا "عالقة" في سوريا.

اللعب على هامش الوقت

وحول مستقبل إدلب القريب قال الدكتور باسل جنيدي رئيس "مركز الشرق للدراسات" لموقع تلفزيون سوريا بأن تركيا طرحت نفسها في القمة بأنها قادرة على إدارة ملف إدلب بالوقت الحالي وحفظ الأمن والاستقرار فيها عبر تفكيك التنظيمات المصنفة إرهابياً، ومنع أن تتحول المنطقة نقطة انطلاق لمهاجمة مصالح روسيا في حميميم، وأنه من الممكن أن تتوصل لتوافق أشمل يتعلق بطريقة حوكمة هذه المنطقة والإدارة المحلية فيها وإدارة الحدود وغير ذلك.

وأشار جنيدي إلى أن تركيا تريد اللعب على هامش الوقت بشكل كبير وتثبيت الوضع على ما هو عليه لأطول فترة ممكنة حتى لو لم يكن لديها استراتيجية بعيدة المدى حول شمال سوريا، بينما روسيا من مصلحتها أن تحسم ملف إدلب بأسرع وأن تستغل الأزمات التي تتعرض لها تركيا على الصعيدين السياسي والاقتصادي وتستغل اللحظة الراهنة بالمشهد الدولي والإقليمي وهي لحظة خطيرة جداً لتحقق أكبر مكاسب ممكنة"

المشهد ما زال غامضاً ولا يُمكن التنبؤ به لأن قمة طهران لم تحسم ملف إدلب، ولوجود صراع إرادات فالملف لن يكون من السهل حله ولن يُحل بطرق هوجاء لها علاقة بمعركة كبرى

ويوضح جنيدي وجود اختلال كبير جداً في المشهد الدولي والإقليمي، فالولايات المتحدة تواجه أزمات داخلية وانتخابات نصفية، وتتحول بسبب سياسيات ترمب من دولة ضامنة للنظام العالمي إلى دولة تشكل عبئاً على توازنه، "لكن ما يهمنا كسوريين أن الإدارة الأمريكية اتخذت خطوات تجاه الملف السوري بعد تعيين المبعوث الأمريكي لسوريا وإعلان بقائها في شرق الفرات وبالتالي هي تصوغ استراتيجية بعيدة المدى لتحقيق مصالحها في سوريا، الأمر الذي يجعل تركيا تفاوض على ملف إدلب وعينها على الولايات المتحدة".

وختم جنيدي قوله بأن المشهد ما زال غامضاً ولا يُمكن التنبؤ به لأن قمة طهران لم تحسم ملف إدلب، ولوجود صراع إرادات فالملف لن يكون من السهل حله ولن يُحل بطرق هوجاء لها علاقة بمعركة كبرى.

قمة طهران تعكس جوهر الاختلاف بين روسيا وتركيا

ومن جهته قدم عبد الوهاب عاصي الباحث في "مركز جسور للدراسات" لموقع تلفزيون سوريا قراءته لقمة طهران، بأن تصريحات أردوغان في القمة تعكس جوهر الاختلاف في مقاربة بلاده إزاء مفهوم مناطق خفض التصعيد مقارنة مع المقاربة التي تتبناها روسيا، والإشارة بشكل واضح لأول مرة بأن منطقة خفض التصعيد الرابعة لها تأثير على الأمن القومي لتركيا، هو تعبير صارم من قبل أردوغان بأن الهجوم العسكري على محافظة إدلب ومحيطها دون وجود توافق مع بلاده يعني عدم اكتراث روسيا بالسياسات الأمنية لحليفها الرئيسي في مسار أستانا".

وفي هذا السياق أضاف عاصي أن تركيا تتبع استراتيجية شاملة في الشمال السوري لها بعدان يتمثل الأول بسياسة أمنية والثاني بسياسة خارجية. والمقصود بالسياسة الأمنية ثلاثة محددات وهي حماية العمق الأمني لمناطق عمليتي غصن الزيتون ودرع الفرات – الحفاظ على منطقة جغرافية مستقرة – حماية أمن الحدود. ومن هنا يُمكن فهم مطلب أردوغان بإضافة عبارة الهدنة إلى البند الثالث من البيان الختامي، حيث تريد بلاده الحفاظ على الشمال السوري وفق ضمانتها الأمنية والعسكرية المباشرة لحين تحقيق كامل الاستقرار في سوريا وبما يضمن لها مصالح تركيا الاستراتيجية.

تريد تركيا الحفاظ على الشمال السوري وفق ضمانتها الأمنية والعسكرية المباشرة لحين تحقيق كامل الاستقرار في سوريا

ويُمكن الاعتقاد أن موافقة روحاني على مطلب أردوغان يعكس مساع تركية سبقت القمة الثلاثية لتحييد إيران عن معركة الشمال السوري المحتملة الوقوع، وذلك من خلال استثمار جانب عدم الثقة في الشراكة اليقظة بين هذه الأخيرة وروسيا، وما قد يعزز هذا الاحتمال هو قدرة تركيا على إنهاء ملف الفوعة وكفريا والذي لم يكن ليحصل لولا موافقة إيران، والذي يعني أن هذه الأخيرة لم يعد لديها أولويات أو مصالح استراتيجية في إدلب. وتحييد إيران يعني تعقيد حسابات روسيا السياسية والعسكرية على الأرض خصوصاً وأن التعويل في العمليات البرية لا يمكن أن ينحصر على الفيلق الخامس والفرقة الرابعة. 

وفي الحديث عن ردة الفعل التركية المتوقع في حال شن النظام وروسيا معركة على إدلب، يرى عاصي بأن رد الرئيس التركي كان واضحاً إزاء ذلك، حيث قال إن بلاده لن تقبل بفرض سياسة الأمر الواقع، وبالتالي فإنها ستدعم العمليات الدفاعية لفصائل المعارضة وكذلك قد تتوسع العمليات الدفاعية لتشمل عمليات وقائية تساهم في كسر خطوط الدفاع الأولى لدى مناطق سيطرة النظام.

ويرى المحللون أن فشل قمة طهران في التوصل لاتفاق نهائي حول إدلب، ترك الخيارات مفتوحة حول مصير المنطقة بين عدم حدوث معركة أبداً لحين التوصل لاتفاق أكثر وضوحاً في القمة الثلاثية القادمة، واحتمالية بدء هجوم عسكري حقيقي للنظام بدعم روسي جوي، ما سيضع تركيا أمام اختبار حقيقي وصعب لمدى جدية ما صرح به رئيسها رجب طيب أردوغان.