icon
التغطية الحية

القصة الكاملة لغرق مركب يحمل مهاجرين بينهم سوريون قبالة سواحل إيطاليا

2023.03.06 | 17:41 دمشق

صورة للمركب الغارق
صورة للمركب الغارق
Associated Press- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

ابتهج الشبان فصاحوا بلغة الأردو والباشتو: "ها قد وصلنا إلى إيطاليا"، وهم يصورون أنفسهم أثناء وقوفهم على سطح مركب أخذ يمخر عباب الماء.

كان هؤلاء من بين 180 مهاجراً من جنسيات أفغانية وباكستانية وسورية وإيرانية وفلسطينية وصومالية وغيرها، ممن غادروا تركيا على أمل البحث عن فرصة حياة أفضل وأكثر أماناً في أوروبا.

بعد مرور أيام على ذلك، عُثر على العشرات منهم غرقى، حيث تم انتشال 70 جثة حتى الآن منذ أن تحطم القارب يوم 26 من شباط الماضي بالقرب من مدينة ساحلية إيطالية صغيرة تعرف باسم ستياكاتو دي كوترو، إذ يومها لم يُعثر إلا على 80 ناجياً، ما يعني بأن حصيلة القتلى مرتفعة. وفي يوم الأحد الماضي، حدد غواصون تابعون للإطفاء موقع جثة أخرى في البحر الأيوني وأخذوا يعملون على سحبها للشاطئ بحسب ما ذكره التلفزيون الإيطالي الرسمي.

أبرزت تلك المأساة وجود طريق آخر غير معروف لكثير من الناس، يتخذه المهاجرون للسفر من تركيا إلى إيطاليا، كما أظهرت كم أصبحت السياسات المتعلقة بالهجرة سواء في إيطاليا أو في أوروبا مشددة، كونها ابتعدت منذ عام 2015 عن عمليات البحث والإنقاذ وجعلت من مسألة مراقبة الحدود وضبطها أولوية. ماتزال هنالك أسئلة تدور حول الحكومة الإيطالية وعدم نشرها لخفر الحدود إلا بعد فوات الأوان.

بناء على ما ورد في الوثائق التي قدمت للمحكمة، وشهادات الناجين وأقربائهم، والتصريحات الصادرة عن السلطات، تمكنت وكالة أسوشيتد برس من إعادة رسم ما هو معلوم من الأحداث التي أدت إلى تحطم القارب، وظهور تلك الأسئلة التي بقيت بلا إجابات.

 

الرحلة القاتلة

في ساعة مبكرة من صباح يوم الأربعاء، 22 من شباط، صعد المهاجرون، وبينهم عشرات العائلات والأطفال الصغار، على متن قارب للرحلات وذلك بالقرب من شاطئ إزمير عقبما قامت شاحنة بنقلهم من اسطنبول إلى هناك ثم عبروا الغابات سيراً على الأقدام.

انطلق هؤلاء من الشاطئ، ولكن بعد مرور ثلاث ساعات فقط على رحلتهم، تعطل محرك المركب، وبما أنهم كانوا في عرض البحر، فقد تم الاستعاضة عن هذا المركب بيخت خشبي قديم من الطراز التقليدي التركي.

ثم طلب المهربون ومساعدوهم من المهاجرين الاختباء تحت سطح المركب أثناء مواصلة الرحلة نحو الغرب. وهكذا احتشد الجميع على متن القارب الذي لم تكن فيه أي سترة نجاة أو مقاعد للركاب، وصاروا يتناوبون على الصعود نحو الأعلى لتنفس الهواء أو للتخفيف عن أنفسهم ولو لفترة قصيرة. وقد ذكر الناجون بأن محرك المركب الثاني كان يعاني من مشكلات هو أيضاً، بما أنه توقف عدة مرات في الطريق.

بعد مرور ثلاثة أيام على ذلك، وتحديداً في يوم السبت الموافق لـ25 من شباط، وعند الساعة العاشرة وست وعشرين دقيقة ليلاً، حددت طائرة تابعة للوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل كانت تقوم بدورية في تلك الأثناء موقع قارب وسط البحر الأيوني كان متجاً نحو ساحل إيطاليا، حيث أعلنت تلك الوكالة المعروفة باسم فرونتيكس بأن المركب: "لم يبد أي مؤشر استغاثة"، وكان يبحر بسرعة 6 عقدات بالساعة ويطفو بشكل جيد على سطح الماء.

أرسلت فرونتيكس رسالة إلكترونية إلى السلطات الإيطالية عند الساعة 11:03 ليلاً لتبلغها بأمر اكتشاف شخص على السطح العلوي للمركب مع احتمال وجود أشخاص كثر تحته، عبر الكاميرات الحرارية، مع عدم رؤية ستر نجاة، كما ورد في تلك الرسالة بأنه تم إجراء مكالمة هاتفية عبر قمر صناعي من المركب مع تركيا.

ورداً على مشاهدات فرونتيكس، تم تصنيف الحالة على أنها من اختصاص: "نشاط الشرطة البحرية"، أو الشرطة المالية التي تمارس دورها على الحدود والجمارك، وتم إرسال دوريتين لاعتراض المركب.

مع اقتراب المركب التركي من ساحل كالابريا الإيطالي مساء يوم السبت، سُمح لبعض المهاجرين بإرسال رسائل لأهلهم حتى يبلغوهم من خلالها بأنهم سيصلون قريباً إلى وجهتهم، وحتى يقوم الأهل بدفع مبلغ 8 آلاف يورو تم الاتفاق مع المهربين على دفعها عند الوصول.

ثم ذكر من يقومون بقيادة المركب للمسافرين القلقين بأنهم بحاجة إلى بضع ساعات أخرى حتى يرسو المركب في مكان محدد، وذلك لئلا يتم القبض عليهم، بحسب شهادة الناجين أمام المحققين.

وعند الساعة 3:48 من صباح يوم الأحد، 26 من شباط، عادت مراكب الشرطة المالية إلى القاعدة دون أن تصل إلى المركب المذكور بسبب سوء الأحوال الجوية، فتواصلت الشرطة مع خفر السواحل لتسألهم هل شاهدوا أي مركب في الجوار بحالة خطرة بحسب ما ورد في اتصال حصلت عليه وكالة أنسا الإيطالية للأنباء وتحققت منه أسوشيتد برس، فرد خفر السواحل بالنفي، فما كان من ضابط الشرطة إلا أن رد عليهم بالقول: "حسناً، كان ذلك لنبلغكم فحسب" قبل أن يغلق الخط.

بعد مرور دقائق على ذلك، أي عند نحو الساعة الرابعة صباحاً، شاهد صيادون محليون أنواراً وسط الظلام عند الساحل الجنوبي لإيطاليا، حيث أخذ الناس يلوحون بمصابيح هواتفهم النقالة بعدما فقدوا الأمل وهم على سطح المركب الذي ارتطم برصيف رملي.

عندها انتزع المهربون أنابيب سوداء، يعتقد أنها ستر نجاة، وقفزوا نحو الماء لينقذوا أرواحهم، بحسب ما ذكره الناجون، بيد أن الأمواج واصلت ضربها للقارب إلى أن مزقته فجأة، فكان الصوت أشبه بصوت انفجار بحسب ما ذكره الناجون. عندئذ أخذ الناس يسقطون في المياه المتجمدة وهم يحاولون التمسك بأي شيء تطوله أيديهم، إلا أن أغلبهم لم يكن يعرف كيف يعوم.

وصلت الشرطة الإيطالية إلى مسرح الحدث عند الساعة الرابعة والنصف صباحاً، أي في الوقت نفسه الذي ذكر فيه خفر السواحل بأنهم تلقوا أولى مكالمات الطوارئ التي تخص المركب، ما جعل خفر السواحل يتأخر لساعة أخرى قبل أن يصل إلى هناك، وعند وصوله، كانت الجثث قد انتشلت من الماء وأخذ الناس يصرخون طلباً للمساعدة، في حين بدأ البعض يحاول إنعاش الضحايا.

مسار الرحلة

الضحايا الصغار

كان هنالك العشرات من الأطفال الصغار على متن المركب، بيد أن أحداً لم ينج منهم، إذ تم انتشال جثة طفل عمره ثلاثة أعوام يوم السبت الماضي.

كان من بين من نجوا أب سوري مع ابنه الأكبر، بيد أن زوجته وأولاده الثلاثة فارقوا الحياة، في حين بقيت جثة الصغير بينهم الذي لم يتجاوز الخامسة من عمره مفقودة طوال أربعة أيام.

توفيت في تلك المأساة الرياضية الباكستانية شاهدة رازا التي كانت تطمح للوصول إلى أوروبا حيث يمكنها أن تعالج ابنها العاجز بسبب عدم توفر العلاج المناسب له في بلدها.

وصل أفغاني من ألمانيا في سيارة ليبحث عن ابن أخيه البالغ من العمر 15 عاماً، والذي تواصل مع أهله ليخبرهم بأنه وصل إلى إيطاليا، بيد أنه فارق الحياة قبل أن تطأها قدماه، وقد طلب العم عدم نشر اسمه واسم ابن أخيه كونه لم يخبر والد الضحية بما حل بابنه بعد.

كان ذلك الشاب الذي يتمتع بوجه طفولي قد شارك مقطع فيديو مع أسرته أثناء رحلته البحرية، فبدا الطقس وقتها جيداً.

وقبله سبقته أمه التي توفيت قبل عامين، مع عودة طالبان للسيطرة على البلاد، وهذا ما دفع الأسرة للهروب إلى إيران، ليواصل الفتى بعد ذلك طريقه إلى تركيا، ومن هناك حاول مرات عديدة العبور إلى الاتحاد الأوروبي، حيث قال: "أوروبا هي المكان الوحيد الذي يمكنك أن تحظى فيه على الأقل باحترام لكونك إنساناً، والجميع يعرف بأن الرحلة خطيرة 100%، ولكنهم يراهنون بحياتهم لأنهم يعرفون بأنهم إن وصلوا عندها بوسعهم أن يعيشوا".

ماذا حل عقب المصيبة؟

فتحت النيابة العامة تحقيقين: أولهما حول المهربين، والثاني حول احتمال تأخر السلطات الإيطالية في الاستجابة لمركب المهاجرين.

تم احتجاز تركي وباكستانيين من بين الناجين الثمانين، بعدما دارت الشكوك حول احتمال كونهم مهربين أو متواطئين مع المهربين، في حين هرب مشتبه به رابع من التابعية التركية.

بيد أن الكثير من الاهتمام قد أولي للسبب الذي منع خفر السواحل من إرسال عناصره للتحقق من وضع المركب وحالته.

بعد مرور يوم على تحطم القارب، ذكرت فرونتيكس لأسوشيتد برس بأنها حددت موقع قارب مزدحم بشكل كبير ونقلت تلك المعلومة للسلطات الإيطالية. على الرغم من أن فرونتيكس ذكرت في تصريح آخر بأنها لم تشاهد سوى شخص واحد على سطح المركب، وبأن كاميراتها الحرارية ودلالات أخرى أشارت إلى احتمال وجود المزيد من الأشخاص في الأسفل.

وفي مقابلة أجرتها أسوشيتد برس مع الأدميرال المتقاعد فيتوريو أليساندرو من خفر السواحل ذكر هذا الرجل بأن قوارب خفر السواحل مصنوعة من مواد تقاوم أعتى الأمواج ولهذا كان عليهم أن ينطلقوا، إن لم يكن لإنقاذ الناس، فعلى الأقل حتى يتحققوا من وضع المركب وهل هو بحاجة لمساعدة أم لا على حد قوله.

وأضاف أليساندرو بأن الصور التي نشرتها فرونتيكس تظهر بأن مستوى المياه كان عالياً، ما يشير إلى أن المركب كان ثقيلاً.

أعلن خفر السواحل بأن فرونتيكس نبهت السلطات الإيطالية المسؤولة عن حفظ النظام وفرض القانون، مكرراً ما ذكره خفر السواحل الإيطالي بأن ذلك تم من أجل تعريفهم بالأمر فحسب، بيد أن فرونتيكس ذكرت بأن السلطات المحلية يحق لها تصنيف الوضع بأنه يخضع للبحث والإنقاذ حسبما ترتئيه.

 

وفي يوم السبت صرحت رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني، بالآتي: "إن المشكلة بسيطة بطبيعتها المأساوية: إذ لم يصل أي اتصال طارئ من قبل فرونتيكس لسلطاتنا، ولم يتم تحذيرنا حول خطر تعرض هذا المركب للغرق... ولهذا أتساءل هل ثمة أحد من أبناء هذا الشعب يصدق فعلاً بأن الحكومة تركت أكثر من 60 شخصاً، بينهم أطفال، ليموتوا عن عمد".

إلا أن أليساندرو أعرب عن أسفه على أنشطة خفر الحدود التي كانت تمارس على مدار السنين، والتي كانت تتم في السابق حتى على مسافات بعيدة عن المياه الإقليمية، ثم تقلصت بالتدريج عبر الحكومات المتعاقبة، وأضاف: "لا يجوز الاستعاضة عن عمليات الإنقاذ بعمليات تنفذها الشرطة، لأن عمليات الإنقاذ هي التي يجب أن تطغى على كل شيء آخر".

في مقابلة أخرى، شدد يوجينيو آمبروسي مدير المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدة، على ضرورة وضع استراتيجية استباقية لعمليات البحث والإنقاذ على المستوى الأوروبي، وقال: "بوسعنا أن نراقب ونتجادل حول تحديد موقع القارب من عدمه، وحول الاتصال بالسلطات واستجابتها أو عدم استجابتها، إلا أننا لا نطرح هذا السؤال حول وجود آلية للبحث والإنقاذ في البحر المتوسط".

 

المصدر: Associated Press