icon
التغطية الحية

الفنون والصناعات الإبداعية في مواجهة الذكاء الاصطناعي

2024.05.10 | 16:03 دمشق

768768678
لوحة بالذكاء الاصطناعي للفنانة المصرية "علية عبد الهادي"
+A
حجم الخط
-A

لطالما سمعنا أن الذكاء الاصطناعي قادم إلى ميادين العمل ليلغي مئات بل آلاف المهن التي عرفناها حتى زمن قريب، وكنا نعتقد بأنه لن يقترب من مساحات الإبداع والفن، إلا أنه اقترب ودخلها من أوسع الأبواب، وها هو يحدث ثورة في الصناعات الإبداعية، بدءا من التصميم الجرافيكي وصولاً إلى إنتاج الفيديو.

ماذا عن الفن وأدواته التقليدية التي نعرفها؛ هل هو في خطر؟ وهل يكون الذكاء الاصطناعي مجرد أداة للخبراء أم أنه سيكون حافزا لأي شخص يرغب بالتعمق في عالم الإبداع؟

كان جليا أن دخول الذكاء الاصطناعي إلى مجال الفن التشكيلي قد شكل تطورا ملحوظا ومثيرا للكثيرين، وقد نجم عنه تحولات وتأثيرات متعددة كالإبداع الآلي. فظهور التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي أتاح للبرامج والأدوات الذكية القدرة على إنتاج أعمال فنية بشكلٍ آلي، مثل اللوحات الفنية والرسومات والتصميمات المعمارية أيضا. فيمكن للذكاء الاصطناعي تأليف الموسيقى بأنواع مختلفة حيث يتم تدريب الأنظمة على مجموعات كبيرة من البيانات الموسيقية لتعلم الأنماط والنغمات، ثم إنشاء تركيبات جديدة تحاكي تلك الأنماط أو تمزجها بطرق جديدة.

يمكنك أيضا استخدام الذكاء الاصطناعي في الهندسة المعمارية لإنشاء تصميمات المباني أو التخطيطات الداخلية لها سواء كانت محسنة للجماليات أو الوظائف أو الاستدامة البيئية. أما إذا كنت مهتمًا بالأفلام، فيمكنك إنشاء تسلسلات رسوم متحركة أو المساعدة في إنشاء تأثيرات بصرية أو أفلام قصيرة. فتقنيات الذكاء الاصطناعي يمكنها تحليل وتقليد أنماط الرسوم المتحركة أو التصوير السينمائي، ما يسهل إنتاج المحتوى بشكل أسرع.

يجب أن يتم توجيه التكنولوجيا واستخدامها في مجال الذكاء الاصطناعي والفن التشكيلي بعناية واحترام للتنوع الثقافي والقيم الإنسانية والفنية

 ويعتبر توسيع حدود التعبير الفني من الآفاق التي قدمتها التقنيات الجديدة فرصًا للفنانين لاستكشاف مجالات جديدة للتعبير الفني، مثل الرسومات الثلاثية الأبعاد والتوليف بين الفن التقليدي والرقمي.

ويبدو أن تحديد الهوية الفنية يعدّ تحديا جديدا قد يواجه الفنانين اليوم، فهم مطالبون باختيار ملامح هويتهم الفنية عبر ادوات رقمية تحلل إبداعهم وتحوله إلى بيانات ولوغاريتمات تحمل طابعهم الخاص وتحدد مدى اعتمادهم على التكنولوجيا في إنتاج أعمالهم الفنية.

86565
لوحتان من تنفيذ الذكاء الاصطناعي (أم فلسطينية مع طفلها الأولى بأسلوب بيكاسو والثانية بأسلوب نذير نبعة)

وقد يجد الفنانون أنفسهم محتاجين لتعلم استخدام البرامج والأدوات الذكية لتطوير مهاراتهم الفنية أو لتمكين إبداعهم بشكلٍ جديد. ويمكن أن تواجه التقنيات الجديدة تحديات فنية وإبداعية للفنانين، مثل الحاجة إلى فهم كيفية تفاعل البرامج مع الخطوط الإرشادية الفنية وتقديم القرارات الفنية المناسبة.

تفاوت الآراء إزاء تدخّل الذكاء الاصطناعي في الفن

على مدى السنوات القليلة الماضية، جرى تحوّل في تفاعل الجمهور، حيث أثار استخدام التكنولوجيا في الفن ردود فعل متنوعة من الجمهور، بعضهم اختار الدهشة والإعجاب، وبعضهم الآخر لزم القلق والتحفظ.

وبشكل عام، يمكن القول بأن دخول تأثير الذكاء الاصطناعي إلى مجال الفن التشكيلي كان مثيرًا للاهتمام وليس بالضرورة مفاجأة سيئة للفنانين، إذ إن التكنولوجيا تطورت بشكل سريع وكان من المتوقع أن تؤثر بشكل متزايد على مختلف المجالات الإبداعية.

بالمقابل، هناك بعض الجوانب السلبية التي يمكن أن تنتج عن تأثير التكنولوجيا على عملية الإنتاج الفني، نذكر بعضها على سبيل المثال لا الحصر:

  1. فقدان الوظائف التقليدية: قد يؤدي التحول التكنولوجي إلى انخفاض الحاجة إلى بعض الوظائف التقليدية في صناعات الإنتاج الفني، مما يترتب عليه فقدان فرص العمل لبعض العاملين.
  2. تجاهل الجودة لصالح الكمية: قد تدفع الضغوط الناتجة عن التكنولوجيا إلى التركيز على إنتاج كميات كبيرة من الأعمال الفنية على حساب الجودة والأصالة.
  3. زيادة التشابه الفني: بما أن التكنولوجيا توفر أدوات قوية للإنتاج، قد يؤدي هذا إلى زيادة التشابه في الأعمال الفنية وفقدان الفرادة والتميز.
  4. تهديدات الأمان والخصوصية: قد تشكل التكنولوجيا تهديدًا لأمان الأعمال الفنية وخصوصيتها، خاصة مع انتشار القرصنة الرقمية وانتهاك حقوق الملكية الفكرية.
  5. تغيرات اجتماعية وثقافية: قد تؤدي التكنولوجيا إلى تغيرات في الديناميات الاجتماعية والثقافية، مما يمكن أن يؤدي إلى فقدان بعض القيم الثقافية التقليدية أو تحويلها.
  6. توهم الواقعية وفقدان الأصالة: في بعض الحالات، قد تجعل التكنولوجيا الأعمال الفنية تبدو أكثر واقعية، ولكن في الوقت نفسه قد تؤدي إلى فقدان الأصالة والتميز الذي كانت تتميز به الأعمال التقليدية.

هذه بعض الجوانب السلبية التي قد تنجم عن تأثير التكنولوجيا على عملية الإنتاج الفني، ومن المهم موازنة هذه الجوانب مع الفوائد المحتملة والعمل على تحديدها ومواجهتها بشكل فعّال.

معايير أخلاقية وثقافية

في موضوع الذكاء الاصطناعي والفن التشكيلي، تتعدد القضايا الأخلاقية والثقافية التي يجب مراعاتها. إن توجيه التكنولوجيا واستخدامها بطرق تحافظ على التنوع الثقافي وتحترم القيم الإنسانية والفنية يتطلب عدة أمور، من أهمها:

  • التعاون الثقافي: ينبغي أن تشجع التقنية الذكية على التعاون والتفاعل بين الثقافات المختلفة. يمكن تطوير التطبيقات والأدوات التكنولوجية التي تعزز التفاعل الثقافي والفني عبر الحدود وأن يتم وضع تدابير لاحترام التعبير الثقافي حيث يجب أن تتضمن التقنيات الذكية تعدد الثقافات وتحترم التنوع الثقافي في التصميم والتطوير وقيم الفنون والتقاليد الفنية لمجتمع معين دون التشويه أو التقليل من قيمتها.
  • المشاركة المجتمعية: يجب أن يشارك أفراد المجتمعات المتأثرة بالتكنولوجيا في عملية تطوير تلك التكنولوجيا وتوجيهها ويمكن أن تسهم هذه المشاركة في ضمان أن تلبي التكنولوجيا الاحتياجات الثقافية والفنية للمجتمعات المستهدفة.
  • الحفاظ على الهوية الثقافية: وهذا من أهم الجوانب التي يجب الاهتمام به ينبغي أن تكون التقنيات الذكية قادرة على العمل بشكل يحافظ على الهوية الثقافية للمجتمعات، دون تهديدها أو تغييرها بشكل غير مرغوب فيه.
  • الشفافية والمساءلة: يجب أن تكون العمليات والقرارات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي شفافة وقابلة للتفتيش، مع وجود آليات للمساءلة عند حدوث أي تأثيرات سلبية على الثقافة أو القيم الإنسانية.

باختصار، يجب أن يتم توجيه التكنولوجيا واستخدامها في مجال الذكاء الاصطناعي والفن التشكيلي بعناية واحترام للتنوع الثقافي والقيم الإنسانية والفنية. يمكن تحقيق ذلك من خلال التعاون الثقافي، واحترام التعبير الثقافي، والمشاركة المجتمعية، والحفاظ على الهوية الثقافية، وتوفير الشفافية والمساءلة.

وربما كان التعاون والشراكات الثقافية أحد أهم الوسائل لتطوير أدوات الذكاء الصناعي في اتجاه تعزيز التعاون بين الثقافات المختلفة وتشجيع الشراكات الثقافية في مجالات التكنولوجيا والفن، وذلك بتنظيم ورش عمل وفعاليات تفاعلية تجمع بين مختلف الثقافات لتبادل المعرفة والخبرات.

وتعتمد بعض الشركات أسلوب الاستشارة المجتمعية، من خلال استشارة أفراد المجتمعات المتأثرة بالتكنولوجيا في مراحل التطوير والتصميم، عبر تنظيم جلسات حوارية واستطلاعات لجمع آراء واحتياجات المجتمعات المعنية. كل ذلك من أجل الإسهام في توجيه دفة الذكاء الاصطناعي نحو الاهتمام بتنوع الثقافات والمحافظة على الهوية الفنية والثقافية التي تحافظ على تميز الشعوب وتمايزهم.

ولا ننسى أهمية التوعية والتثقيف للشرائح المختلفة بتوفير برامج توعية وتثقيف حول أهمية الاحتفاظ بالتنوع الثقافي واحترام القيم الإنسانية والفنية. يمكن تنظيم حملات توعية عامة وورش عمل تثقيفية للمجتمع.

ختاما، لا بد من وضع تشريعات وسياسات عامة على مستوى العالم، تحفز على احترام التنوع الثقافي وتحد من أي تطورات تكنولوجية قد تؤثر سلبا على القيم الإنسانية والفنية. ويمكن تشجيع المشرعين على تبني سياسات تعزز الشفافية والمساءلة في مجال الذكاء الاصطناعي والفن التشكيلي.

من خلال هذه الخطوات والممارسات، يمكن تحقيق توجيه التكنولوجيا واستخدامها بطرق تحافظ على التنوع الثقافي وتحترم القيم الإنسانية والفنية.