icon
التغطية الحية

الغارديان: الحرس اليوناني يلقي باللاجئين في البحر ويمنعهم من العبور

2022.08.31 | 16:45 دمشق

مخيم للاجئين في جزيرة ساموس اليونانية
مخيم للاجئين في جزيرة ساموس اليونانية
الغارديان - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

تاه علاء حمودي في بحر إيجة وخال بأنه سيموت، وذلك لأن القارب المطاطي البرتقالي الذي كان الأمل الوحيد المتبقي له ولـ21 شخصا آخر بدأ يغرق، في حين أخذ المسافرون الذين اعتراهم اليأس بإلقاء أمتعتهم عن ظهر القارب، ولهذا يقول السوري علاء ابن الاثنين والعشرين عاما: "ظننت بأني لن أنجو فقد شارفت على الموت".

قبل يوم على تلك الحادثة، بدا علاء كمن يبدأ حياته من جديد، إذ بعدما هبط إلى جزيرة ساموس اليونانية عقب الفجر بقليل في الثامن والعشرين من نيسان 2020، أخذ هو ورفاقه من المسافرين يمشون بتثاقل فوق الطريق الساحلي المنحدر، بحثاً عن الشرطة اليونانية، حتى يتقدموا بطلبات لجوء، وعن ذلك يقول حمودي: "كنت بغاية السعادة بعدما تركت كل شيء خلفي" وذلك لأنه فر من مدينته دمشق وهو بعمر الثانية عشرة، حيث انتقل إلى لبنان، ومنها إلى تركيا، ولهذا كان يأمل أن يصل إلى ألمانيا حتى يلتم شمله مع أبيه.

العودة لعرض البحر

إلا أن الخطة لم تسر كما خُطط لها، وذلك لأن السلطات اليونانية أعادت اللاجئين إلى الساحل، حيث وضعتهم في قارب مطاطي بلا محرك أو جهاز ملاحة، ورمته بالبحر، وعن ذلك يحدثنا حمودي فيقول: "تركونا في ذلك القارب الصغير في عرض البحر.. وعندها توقف دماغي عن العمل، إذ لم نكن ندري ماذا يجب علينا أن نفعل، لأننا أصبحنا في عرض البحر، والماء يحيط بنا من كل الجوانب، وعندها شرع من كان معي على المركب بالبكاء". كان من بين المسافرين طفلة عمرها 12 عاماً، ورجلان، ويصف لنا حمودي الوضع فيقول: "كان محزناً ولا يبعث على أي أمل".

أمضى اللاجئون هؤلاء 17 ساعة من الرعب في عرض البحر، دون أن يكون بحوزتهم أي طعام أو ماء أو حتى أي أمل بإنقاذهم. وخلال الساعات الأخيرة، دفعهم التيار نحو اليونان، إلا أن حمودي ذكر بأنه راقب السلطات اليونانية حينذاك فأحس بأن لديهم مخططات أخرى، وذلك عندما اقتربت دراجة يونانية للتزلج على الماء من القارب، وأخذت تحوم حوله بطريقة متعرجة لتكون أمواجاً بوسعها إعادة القارب من حيث أتى. إلا أن الماء غمر القارب وقتها، وعن ذلك يخبرنا حمودي: "استحكم الخوف من الناس وقتئذ، حيث بدأ بعضهم يبكي، في حين أخذ آخرون يصرخون ويصيحون".

فرونتيكس متورطة!

غير أن خفر الحدود التركي أنقذهم في نهاية الأمر، والآن، وبعد مرور أكثر من عامين على ذلك، ومع بقاء هذا الشاب في حالة تيه داخل تركيا، قام برفع دعوى على وكالة خفر الحدود الأوروبية المعروفة باسم فرونتيكس، لتورطها برأيه في تلك العملية، إذ يتذكر حمودي بأنه شاهد ضوءاً أحمر في السماء، وسمع هدير طائرة بعيدة، وبحسب تحقيق أجرته بيلينغكات، مرت طائرة استطلاع خاصة تعمل لدى فرونتيكس مرتين فوق طالبي اللجوء الذين تركوا في عرض البحر.

يحاول عمر شاتز وهو المدير القانوني لمنظمة فرونت-ليكس، والذي يمثل حمودي في تلك الدعوى بالمجان، تحصيل مبلغ 500 ألف يورو كتعويض لموكله عن تلك الانتهاكات والتي تشمل انتهاك حقه بالحياة وبتقديم طلب لجوء.

إذ بعد سنوات تخللتها صراعات من الحكومات في المحاكم، يرى ذلك المحامي بأن أفضل طريقة لتغيير نظام الهجرة في أوروبا يتمثل باستهداف تلك الوكالة الأوروبية، حيث يقول: "إن القاسم المشترك هو فرونتيكس، وذلك لأن السياسات تصدر عن بروكسل وليس عن روما، أو أثينا وغيرها".

تحولت فرونتيكس إلى الحل الذي خرجت به أوروبا لضبط حدودها، بعد وصول 1.26 مليون طالب لجوء في عام 2015، ضمن ما مثل أزمة لجوء في الاتحاد الأوروبي. إذ من خلال ميزانية تلك الوكالة التي خصص لها 754 مليون يورو خلال عام 2022، أصبحت أعلى وكالة أوروبية تمويلاً، كما أنها تمثل وكالة الخدمات الوحيدة والموحدة لصالح الاتحاد الأوروبي، حيث يمكن للضباط فيها أن يحملوا مسدسات، إذ يظهر فيديو ترويجي لتلك الوكالة سترة بحرية رسم عليها علم الاتحاد الأوروبي، إلا أن فرونتيكس تعرضت لاتهامات بالتواطؤ في عمليات صد المهاجرين المخالفة للقانون، ولهذا عاشت فترة اضطرابات صعبة عند استقالة مديرها الذي بقي في منصبه لفترة طويلة، وذلك في شهر نيسان الماضي.

يرى محللون بأن التحديات التي تواجهها تلك الوكالة أكبر من مجرد شخص، وذلك لأن قادة أوروبا باتوا يتنافسون على ضبط الحدود وفرض قيود أقسى عليها. إذ قبل أقل من شهرين على عبور حمودي لبحر إيجة، أثنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دين لين، على اليونان بوصفها "درع" أوروبا الذي يعمل على صد المهاجرين، وذلك بعد محاولة المئات من الناس عبور الحدود الأوروبية بتشجيع من الرئيس التركي.

"تناقض متأصل"

أما هانيه بيرينز، وهي مديرة معهد سياسات الهجرة في أوروبا القائم في بروكسل، فتقول: "يتمثل الحد القانوني والسياسي في الامتناع عن الإعادة القسرية، ولكن إن نظرنا إلى المشهد السياسي خلال الأشهر القليلة الماضية، فسنجد اتفاقاً آخر، حيث نرى عدداً من الدول الأعضاء والقادة السياسيين وهم يتناقشون حول شرعية عمليات الصد والمنع".

اقرأ أيضا: مهاجرون ضد مهاجرين.. اليونان تستخدم عرباً وباكستانيين لصد طالبي اللجوء وضربهم

ولهذا ترى بيرينز بأن هنالك نزعة لدى الحكومات تعبر عن "تناقض متأصل" بحسب رأيها، وذلك بين حماية وحدة أراضي الاتحاد الأوروبي، والحق بتقديم طلب اللجوء المنصوص عليه في اتفاقيات جنيف، "في حين أننا تعاملنا مع ذلك طوال السنين السبعين الماضية". وفي ظل تلك الظروف أصبح الخطر اليوم يتمثل بحسب رأيها "بوجود جهة تنفيذية تخرج بإجراءاتها الخاصة بها".

ترى تينيكي ستريك، وهي عضو في البرلمان الهولندي عن حزب الخضر، ترأست مجموعة مراقبة فرونتيكس التابعة للبرلمان الأوروبي، بأن تلك الوكالة حسنت من إجراءاتها منذ أن أصدر نواب في البرلمان الأوروبي تقريراً يدينها قبل عام على ذلك، فقد وجهت اتهامات لجوناس غريمهيدين وهو مسؤول الحقوق الأساسية الجديد نسبياً لدى منظمة فرونتيكس، حول تحقيقات يجريها بخصوص انتهاكات لحقوق الإنسان، غير أن الأخير زعم بأنه يخطط لفرض رقابة أشد في اليونان، لكنه رفض التعليق على حالات وقضايا بعينها.

إلا أن النائب في البرلمان تخشى من عدم مواصلة فرونتيكس لتلك التحقيقات والتي باتت تتعرض للتعتيم دون أن تقدم الوكالة عنها أي إجابة شافية، ولذلك تقول: "من الواضح بأن اليونان على وجه الخصوص ليست بمتعاونة فيما يتصل بتلك التقييمات، إذ تكتفي تلك السلطات بعدم الإجابة أو بالإنكار، ولذلك يبدو الوضع إشكالياً في بعض الأحيان، وذلك عندما تلوح فكرة عدم استمرار فرونتيكس في تلك التحقيقات، فقد فتحت بعض القضايا لفترة طويلة من الزمن، وبعضها تم إغلاقه بكل بساطة لعدم القدرة على التوصل إلى حل بشأنه".

"اتهامات باطلة"

يذكر أن وزارة الخارجية اليونانية رفضت الاتهامات المنسوبة إليها حول عدم التزامها بحماية حقوق الإنسان الأساسية، وذكرت بأن الضباط لدى خفر السواحل اليوناني "قد ضاعفوا جهودهم لأقصى مدى على مدار أشهر، وعملوا على مدار الساعة بكفاءة عالية، وبإحساس شديد بالمسؤولية، وباحترافية متميزة، وبوطنية عالية، وباحترام شديد أيضاً لحياة كل شخص ولحقوقه الإنسانية"، كما رفضت تلك الوزارة كل المزاعم التي وردت في قضية حمودي ووصفتها بأنها: "اتهامات باطلة بارتكاب أفعال منافية للقانون"، وأضافت بأن: "ممارسة السلطات اليونانية لتلك العمليات لا تشتمل على هذا النوع من الأفعال على الإطلاق".

فيما أعلنت فرونتيكس بأنها لن تعلق على أي قضية جارية، وأضافت: "أن الحقوق الأساسية التي تشمل احترام مبدأ عدم الإعادة القسرية، تمثل جوهر جميع الأنشطة التي تمارسها الوكالة، ولذلك تتعامل فرونتيكس مع أي تقرير يزعم ارتكابها لانتهاكات تتصل بحقوق الإنسان بكل جدية، حيث يتم نقل كل تلك المعلومات على الفور إلى مكتب الحقوق الأساسية لدى فرونتيكس ليقوم بتقييمها وإصدار تقرير جدي حول ملابسات الحادثة".

في الوقت الذي ماتزال فيه قضية حمودي مفتوحة، مايزال مستقبله مجهولاً، وذلك لأنه ما فتئ يحلم بلم شمله مع أبيه في ألمانيا، كما ما انفك يتمنى "حياة هادئة" لنفسه، إلا أن ذكرياته ما برحت تؤرقه، وعنها يقول: "أحس بحزن شديد عندما أتذكر كيف رُميت في البحر، إذ كلما تذكرت ذلك يداهمني الحزن، ولهذا أحاول أن أنسى، ولكن بما أن الاتحاد الأوروبي قد أعلن عن استقباله للاجئين، فلماذا إذن يغلق الباب دوننا؟!"

المصدر: غارديان