icon
التغطية الحية

العنف الاقتصادي ضد المرأة.. سوريات مستنكرات له وأخريات يتعايشن معه

2022.12.06 | 17:02 دمشق

ئءؤر
نساء سوريات من نشاط حملة مناهضة للعنف ضد المرأة في منظمة إكليل الجبل- غازي عنتاب-2022
إسطنبول - مزنة عكيدي
+A
حجم الخط
-A

"اتحدوا لإنهاء العنف ضد المرأة" حملة أطلقتها هيئة الأمم المتحدة تبدأ في 25 تشرين الثاني / نوفمبر من كل عام تزامناً مع اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة وتستمر حتى  10 كانون الأول / ديسمبر، ولعل حملة من 16 يوماً لا تكفي للقضاء على أحد أشيع الانتهاكات الحقوقية وأعلاها وتيرة، فوفقاً لتقارير الأمم المتحدة يعد العنف ضد النساء والفتيات أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارًا، ويحدث على نحو يومي، مرارًا وتكراراً، في كافة أرجاء العالم.

 وعلى الرغم أن الحملة تهدف إلى منع العنف ضد النساء والفتيات والقضاء عليه بجميع أشكاله ، وتدعو إلى اتخاذ إجراءات عالمية لإذكاء الوعي تجاهه، فإنه غالباً ما يغيب عن حملات منظمات المجتمع المدني المناصرة جانب التوعية بالعنف الاقتصادي ومحاربته على الرغم من وجوده وممارسته من قبل الشريك كنوع من أنواع العنف المنزلي أو كورقة ضغط ووسيلة لضمان ولائها وفرض السيطرة عليها.

ومع غياب مؤشر يمكن تطبيقه عالمياً لقياس هذا الانتهاك يتحول العنف الاقتصادي إلى عنف غير مرئي يصعب تحديد نسبته وفقاً للاستطلاعات أو الاستبيانات خاصة في مجتمعات تقر أعرافها بالوصاية الاقتصادية للرجل كالمجتمع السوري ما سيطعن بموثوقية البيانات وحياديتها.

لم يختلف حال السوريات بلجوئهن إلى تركيا التي تحتضن ما يقارب 1.7 مليون من النساء والفتيات تحت الحماية المؤقتة اللاتي ما زلن عرضة للعنف الاقتصادي وما زال البعض منهن يواجهن هذا النوع من العنف حتى في المجتمع الجديد كما حدث مع أمينة الأرملة الأربعينية من مدينة حلب حين تزوجت رجلاً تركياً بعد لجوئها إلى إسطنبول، كما روت لموقع تلفزيون سوريا.

زوجان لا يتقاسمان رغيف الخبز

تقول أمينة إنها كانت تبحث عن الاستقرار الأسري والسند في بلاد الغربة بعد وفاة زوجها وتفرق أولادها في بلاد مختلفة فبقيت وحيدة دون معيل أو داعم يعينها على مشقات الحياة. تزوجت أمينة من رجل تركي لتبدأ رحلتها معه التي ترافقت بأشد أنواع التضييق المادي الذي وصل حد الحرمان من الطعام.

فزوج أمينة الذي كان يعمل كسائق شحن كان يغيب كثيراً عن المنزل بحكم طبيعة عمله، وفي تلك الفترات كان يترك أمينة بدون نقود أو طعام وأحياناً يتجاهل دفع فواتير الكهرباء والماء والتدفئة حتى انقطاعهم عنها، رغم منعه لها من العمل وعلمه بعدم توفر مورد مادي لها وبذلك كانت تضطر أمينة لطلب النقود من معارفها لسداد الفواتير بحسب روايتها. وتضيف أمينة:  "حتى في فترات قدومه إلى المنزل كان يحضر رغيف خبز واحدا لنفسه ويتركني دون خبز".

ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، يعد العنف الاقتصادي نوعاً من أنواع العنف المنزلي الممارس من قبل الشريك، ويعرف العنف الاقتصادي على أنه جعل أو محاولة جعل شخص ما معتمداً مالياً عن طريق الحفاظ على السيطرة الكاملة على الموارد المالية، وحجب الوصول إلى المال، و / أو منع الانخراط في المدرسة أو العمل.

 

ءئؤر

متصالحة مع الحرمان من التعليم والعمل

تؤثر العواقب السلبية المترتبة على العنف ضد المرأة والفتاة عليهن في جميع مراحل حياتهن. فلا تمثل سلبيات انعدام التعليم المبكر العائق الرئيسي لحق الفتيات في التعليم وتعميمه فقط، بل في النهاية تقيّد الوصول إلى التعليم العالي وتؤدي إلى محدودية خلق فرص العمل للمرأة، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

مع ذلك يختلف تقييم السيدات لهذه الممارسات وتجد بعضهن أن الشريك يحق له التدخل في قرارات الزوجة. فولاء ذات الـ 24 عاماً التي تعاني من رفض زوجها لإتمام تعليمها الجامعي والعمل بعد استقرارهم في مدينة أضنة لا تجد أن رفضه يستحق تسمية "عنف"، وتتعامل معه على أنه أمر واقع يمكن تغييره في الإقناع مع الوقت، وتجد أن زوجها له أسبابه في الرفض.

وتقول الدكتور في علم النفس الاجتماعي دعوة الأحدب والباحثة في شؤون المرأة ومديرة مركز المستشارة للصحة النفسية إن كلاً من الثقافة والدين والموقع الجغرافي يتحكمون في ممارسة العنف الاقتصادي وتقييمه، فعلى الرغم من وجود مقياس عام للعنف الاقتصادي وضع من قبل اليونيسكو فإنه لا ينطبق على جميع المجتمعات، فبعد تطبيق تلك المقاييس في بعض البلدان تم إجراء دراسات اجتماعية محايدة لم تؤيد نتاجها لتلك المقاييس.

الاستيلاء على راتب الزوجة "خوفاً من الاستقلالية والتمرد"

لا تقتصر الضغوط الاقتصادية على النساء غير المنتجات والمحرومات من العمل أو التعليم فحسب، فحتى النساء العاملات يتعرضن لاستبداد الشريك المادي وإطباق الحصار الاقتصادي عليهن لضمان الخضوع والطاعة، كحال فاتنة السورية من ريف إدلب التي كانت تعمل جنباً إلى جنب مع زوجها لتأمين الاحتياجات الأسرية كما وضحت في حديثها إلى موقع تلفزيون سوريا.

ويفترض كامرأة منتجة أن تكون فاتنة مستقلة مادياً، لكنها لم تمتلك رفاهية التمتع ولو بجزء بسيط من راتبها بعد استحواذ زوجها عليه بالكامل كل شهر، كما روت لموقع تلفزيون سوريا.

وتقول فاتنة إنها بعد أن تعطيه راتبها بالكامل كانت تطلب منه مبالغ محددة على مدار الشهر تشرح له كيف ستصرفها فإما يوافق أو لا يوافق بعد تقييمه لاحتياجها.

وترجع فاتنة سلوك زوجها إلى خوفه من تمردها في حال استقلت مادياً وتبرر خضوعها لإجحافه بأن التمرد على قرارته سيكون على حساب استقرارها الأسري وقد ينتهي بانتهاء زواجها الذي سيكسر أهلها ويجعلها عالة عليهم في سوريا التي تفتقر لفرص العمل خاصة في ظروف تشردهم ونزوحهم الصعبة.

لماذا يمارس الرجل العنف الاقتصادي على زوجته؟

اتفقت كل من آلاء وفاتنة وأمينة على سببين رئيسين للرضوخ إلى التحكم المالي الممارس من قبل أزواجهن، وهما الخوف من تزعزع الاستقرار الأسري وغياب مورد مالي يمكنهن من الاعتماد على أنفسهن في مراحل ما بعد الانفصال في حال التفكير به.

وتؤكد الدكتورة دعوة الأحدب أن الاكتفاء الاقتصادي للمرأة يؤدي  إلى ارتفاع نسب الطلاق وفقاً لدراسات أكاديمية كما يؤدي إلى الانفصال العاطفي، لكون قوامة الرجل الاقتصادية على المرأة تسقط عنها فتنتهي حالة الطاعة السائدة بعد أن تجد المرأة نفسها نداً للرجل بمساهمتها في المسؤوليات الاقتصادية.

وتشير الأحدب في نهاية حديثها إلى أن العنف الاقتصادي لا يعتبر ظاهرة اجتماعية في أوساط السوريين وفقاً للإحصائيات والدراسات، فعلى الرغم من وجوده إلا أن مؤشرات هذا النوع من العنف ليست مرتفعة في المجتمع السوري، ولكن قد يلجأ بعض الرجال إلى ممارسة العنف الاقتصادي على المرأة لعدة أسباب أولها التنشئة الاجتماعية التي تعزز قوامة الرجل المعرضة للتهديد بمشاركة المرأة في العملية الاقتصادية، بالإضافة للقلق من تمرد المرأة عند اكتفائها الاقتصادي وفي حالات أخرى يتخوف الرجال من نجاح زوجاتهن وتفوقهن عليهم، وأخيراً تدفع الخشية من خسارة حب وولاء الأطفال  وانجذابهم للأم بشكل أكبر بعض الرجال لتقييد حرية المرأة المالية  وذلك عند أولئك الذين يعتقدون أن حب أطفالهم لهم ينبع من سلطتهم الاقتصادية.

وتستنكر شريحة كبيرة من الرجال السوريين هذا النوع من الممارسات فيجد محمد السوري الأربعيني المقيم في إسطنبول أن تضييق الرجل المالي على زوجته ما هو إلا دليل على شخصية متزعزعة وخلل أخلاقي معيب بحق الرجل، ومن واجب الزوج دعم زوجته في حال رغبتها بتحقيق الاستقلال المالي أو توفير حياة كريمة لها في حال اختارت التفرغ لرعاية شؤون الأسرة والمنزل.

دور منظمات المجتمع المدني

وعن دور منظمات المجتمع المدني في التصدي للعنف الاقتصادي، لم يتمكن موقع تلفزيون سوريا من رصد أية نشاطات بهذا المجال، وغالباً ما تتوجه الحملات إلى التعريف بالعنف بشكل عام والتركيز في الدعم والمناصرة على أنواع أخرى من العنف.

تقول بهاء منور مسؤولة العلاقات العامة في منظمة إكليل الجبل في حديثها لموقع تلفزيون سوريا إنه على الرغم من عدم قيامهم بنشاطات متعلقة بمحاربة العنف الاقتصادي، فإن منظمتهم ضمن إطار تدريب التنظيم المجتمعي قامت بتوجيه السيدات المشاركات في التدريب للقيام بحملة مناهضة للعنف ضد المرأة بشكل عام  بالشراكة مع منظمات أخرى تتضمن جلسات توعية وجلسات قانونية ونشاطات أخرى جميعها تصب في مناصرة المرأة ودفعها لرفض العنف بجميع أشكاله.

 

ءؤر
جانب من نشاطات الحملة في منظمة "إكليل الجبل"

 

تؤكد الجمعية العامة أن العنف ضد المرأة يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان والحريات الأساسية ويعوق أو يلغي تمتع المرأة بهذه الحقوق، وتشير المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان إلى حق المرأة بالتمتع بجميع الحقوق والحريات دون تمييز، وبذلك يكون الاستحواذ على الموارد أو تقييد حرية التصرف بالموارد المالية الخاصة أو الحرمان من فرص التعليم والعمل أو النفقات بحدها الأدنى للمرأة هو ممارسة تدينها العهود والمواثيق الدولية وتحتاج المزيد من الجهود لمحاربتها ضماناً لوصول المرأة إلى كافة حقوقها.

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من "JHR" صحفيون من أجل حقوق الإنسان".