icon
التغطية الحية

العميل رقم1 "الملاك".. الموساد يكشف صوراً ووثائق عن أشرف مروان ودوره في حرب 1973

2023.09.08 | 15:35 دمشق

العميل رقم 1 "الملاك".. الموساد يكشف صوراً ووثائق جديدة عن أشرف مروان
صورة كشف عنها الموساد الإسرائيلي في 7 أيلول/سبتمبر 2023، يقول إنها للجاسوس المصري أشرف مروان مع مشغله الإسرائيلي المعروف بلقب "دوفي"، وجزء من محضر اجتماع مروان برئيس الموساد قبل يوم من حرب 1973 حذر فيه إسرائيل من أن مصر وسوريا تستعدان لشن حرب (الموساد)
 تلفزيون سوريا ـ خالد خليل
+A
حجم الخط
-A

كشف جهاز المخابرات الخارجية الإسرائيلي "الموساد"، لأول مرة، صوراً ووثائق تتعلق بالجاسوس المصري أشرف مروان الذي حذر إسرائيل من حرب تشرين/أكتوبر 1973، وذلك بمناسبة مرور 50 عاماً على اندلاعها.

وكشفت الوثائق الجديدة معلومات مفصلة تفصيلاً دقيقاً عن "المعلومة الذهبية" التي حذر من خلالها أشرف مروان إسرائيل من الاستعداد المشترك من قبل مصر وسوريا لشن حرب مفاجئة قبل يوم من اندلاعها.

جاء ذلك في كتاب أصدره الموساد، أمس الخميس، بمناسبة مرور 50 عاماً على ذكرى الحرب، يروي كيف أنقذ تحذير الجاسوس المصري إسرائيل من هزيمة ساحقة.

يحمل الكتاب عنوان "ذات مرة عندما يكون من الممكن أن نروي الحكاية"، تم إطلاقه في فعالية نظمها الموساد بحضور رئيس الجهاز دافيد بارنيع وقادة أمنيين كبار، تحت عنوان "الآن يستطيع الموساد أن يروي الحكاية".

عرض الكتاب صورة يظهر فيها وقوف أشرف مروان، الجاسوس المصري المثير للجدل، والمعروف في إسرائيل بالعميل رقم واحد والملقب بـ "الملاك"، إلى جانب مشغله الإسرائيلي دوفي.

ويتضمن الكتاب محضر اجتماع كامل، للقاء الذي دار بين زامير ومروان، الذي نقل معلومات بالتفصيل عن الاستعدادات والتوقيت والجاهزية والخطط ومواقع الانتشار.

كما جدد الموساد في هذه المناسبة نفي أن يكون أشرف مروان "عميلاً مزدوجاً" بعدما كانت تقارير إسرائيلية رسمية تشكك بموقفه.

هذه هي المرة الأولى التي ينشر فيها "الموساد" بشكل استباقي ورسمي أبحاثا ووثائق تاريخية ظلت محفوظة في أرشيف الموساد حتى الآن، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت".

ووفقاً لـ"أرشيف الدولة" الإسرائيلي فإن سبب الإفراج عن هذه الوثائق هو انتهاء فترة التقادم (50 عاماً)، وهي الفترة التي يحددها القانون بشأن كشف هذه الملفات أمام الجمهور.

أشرف مروان مع مشغله الإسرائيلي المعروف بلقب "دوفي"
أشرف مروان مع مشغله الإسرائيلي المعروف بلقب "دوفي" (الموساد)
أشرف مروان (AFP)
أشرف مروان (AFP)

أشرف مروان هو الذي نقل لرئيس الموساد، آنذاك، تسفي زامير التحذير من الهجوم المشترك لجيشي مصر وسوريا في الليلة التي سبقت اندلاع الحرب في صبيحة يوم السبت 6 تشرين الأول/اكتوبر 1973.

يذكر أن مروان هو صهر الرئيس المصري السابق جمال عبد الناصر ومستشار خلفه أنور السادات، الأمر الذي جعله قريباً من الرئاسة في مصر وتقلد مناصب سياسية ودبلوماسية حساسة حول العالم.

وجاء في إحدى الوثائق أن مروان يؤكد لمشغله دوفي بأن "99% ستبدأ الحرب غداً في يوم العطلة"، والذي يصادف "عيد الغفران" أهم الأعياد وفق الشريعة اليهودية.

كما يعرض الكتاب لأول مرة وثائق واقتباسات من العديد من المصادر والعملاء الذين قامت شعبة عملاء الموساد بتجنيدهم وتشغيلهم في الدول العربية، والذين خدموا في مناصب مختلفة في القيادة العسكرية والسياسية في الدول "المعادية".

يترجم موقع "تلفزيون سوريا" أجزاء واسعة مما يذكره الكتاب من معلومات مثيرة قدمها الجاسوس المصري بالاستناد على ما تورده الوثائق الإسرائيلية المفرج عنها حديثاً، إضافة إلى نشر الصور ونسخ عن هذه الوثائق.

ليلة تحذير إسرائيل من الحرب

من التفاصيل التي يعرضها الكتاب، أن دوفي تلقى في ليلة الرابع والخامس من تشرين الأول/أكتوبر رسالة مفادها أن مروان يريد مقابلته في أقرب وقت ممكن، "لتسليمه معلومات مهمة للغاية.. فيما يتعلق بقائمة المواد الكيميائية التي بحوزته".

وكانت المواد الكيميائية، بحسب إعلان الموساد، بمثابة رمز التحذير للحرب المتفق عليه بين "الملاك" ومشغله دوفي. مما استدعى سفر زامير (رئيس الموساد آنذاك) على الفور إلى لندن للقاء مروان والحصول على المعلومات.

يحتوي الكتاب على محضر الاجتماع الكامل وما دار بين الاثنين، وتظهر إحدى الوثائق أن مروان قال أن 99% ستندلع الحرب في يوم الغفران.

بدأ الاجتماع يوم 5 تشرين الأول/أكتوبر في الساعة 11:45 مساءً واستمر حتى الساعة 02:00 بعد منتصف الليل، أي قبل نحو 12 ساعة من بدء الحرب.

في بداية اللقاء، سأل زامير عن الهجوم الذي تم إحباطه قبل شهر بالضبط في روما، عندما كان الفلسطينيون يخططون لاستهداف طائرة تابعة لشركة الطيران الإسرائيلية الرسمية "العال"، وتتهم إسرائيل مروان بأنه هو من زوّد الفلسطينيين بصواريخ "ستيرلا" المضادة للطائرات.

وبحسب الرواية الإسرائيلية أيضاً، فإن مروان هو من أبلغ عن المخطط الفلسطيني في روما.

غلاف الكتاب الذي أصدره الموساد بمناسبة مرور 50 عاماً على حرب تشرين يكشف تفاصيل جديدة
غلاف الكتاب الذي أصدره الموساد بمناسبة مرور 50 عاماً على حرب تشرين يكشف تفاصيل جديدة

 

"دعونا نتحدث عن الحرب"

أجاب أشرف مروان: "كل شيء على ما يرام. أجرينا محادثات طويلة وتوصلنا في النهاية إلى نتيجة مفادها أن أعضاء الفرقة تصرفوا بشكل غير لائق، وأن هناك عدداً كبيراً جداً من الأشخاص في العملية، لكن دعونا نتحدث عن الحرب". ونسارع إلى تقديم المعلومات الحساسة.

سأل زامير "ماذا عن الحرب؟"، فأسرع مروان للإجابة: هناك احتمال بنسبة 99٪ أن تبدأ الحرب غداً، يوم السبت، وتقرر ذلك لأنه يوم عطلة في إسرائيل.

وأضاف مروان أن الحرب ستبدأ في وقت واحد على كلا الجبهتين المصرية والسورية.

وجاء في إحدى الوثائق على لسان مروان: "تم التخطيط للتحرك منذ نحو ستة أشهر. وكان الجيش (المصري) بأكمله في الجبهة باستثناء فرقتين. وتم نقلهما إلى الجبهة الأسبوع الماضي. وقرر السادات يوم 25 أيلول/سبتمبر موعدا للتحرك، ولكنه لم يخبر أحدا وطلب تجهيز مقره في القصر ومن هنا شعرت أنه جاد وفي 29 أيلول/سبتمبر دعا السادات أعضاء مجلس الأمن القومي لاجتماع سري وأبلغهم بالأمر وقراره ببدء الحرب قريباً، ولم يذكر التاريخ الذي حدده، وقبل يومين (3 تشرين الأول/أكتوبر) أبلغ السادات السوفييت بنيته خرق وقف إطلاق النار وأن ذلك قريب، ولكنه لم يحدد لهم موعداً أيضاً".

وتابع مروان، أن المصريين يخططون لعبور قناة السويس: "الخطة هي خرق لاتفاق وقف إطلاق النار من قبل سلاحي المدفعية والطيران ثم عبور القناة".

وأضاف، أن "عبور القناة يتم عبر خمسة أو ستة جسور، وأن الخطة كانت للسيطرة على منطقة لا يتجاوز عمقها أكثر من 10 كيلومتر في أراضي سيناء".

وثائق سرية كشفها الموساد الإسرائيلي حول المعلومات التي قدمها أشرف مروان لإسرائيل قبل أقل يوم من اندلاع حرب تشرين (الموساد)

 

وبحسب ما نقله مروان، لم تكن هناك نية لسيطرة مصرية على البؤر الاستيطانية في سيناء، بينما سيسترد السوريون الجولان بقدر ما يستطيعون.

ولكن مروان قال إن الحرب ستبدأ في المساء (مساء السبت)، لكنها اندلعت عملياً نحو الساعة الثانية بعد الظهر.

وفي اللقاء، سئل مروان أيضاً عن القوة العسكرية على الجبهة المصرية، فأجاب "سيعبر الجيش المصري القناة ويتمركز الجيش بالكامل تقريباً الآن أمام القناة باستثناء لواء مدرع واحد موجود في مكان آخر ولواء الحرس الجمهوري الموجود في القاهرة ونحو أربعة ألوية أخرى في منطقة القاهرة، وأن الجيش المصري أقام سبعة جسور في حين ستعبر القوات من أربعة أو خمسة أو ستة منها فقط، والعبور سيكون من ثلاثة أماكن مقابل ثلاثة معاقل، المعبر الشمالي أمام معبري ميثيلا والسويس، في حين سيكون هناك معبران للتمويه والتغطية.

كما قدم الجاسوس المصري تفاصيل عن الضربات الجوية المتوقعة من قبل جيوش مصر وسوريا: "سوف تهاجم القوات الجوية المصرية أهدافاً في سيناء، ولن تهاجم في عمق إسرائيل، وستهاجم القوات الجوية السورية ثلاث قواعد عسكرية، إحداها "رمات ديفيد"، وفي الماضي أخبرتكم عن القاعدتين الأخريين، كما ستشارك مقاتلات سوخوي من طراز 20 وميغ 21، وسيحاولون ضرب مدرجات الطيران".

أشرف مروان يؤكد

عند تلك النقطة، يبدو أن أحد الحاضرين ضحك، فقال مروان بلغة الواثق "أنا وهيكل (الصحفي المصري محمد حسنين رئيس تحرير جريدة "الأهرام" وأحد المقربين من الرئيس السابق جمال عبد الناصر) تساءلنا كيف في مصر يعرفون كل شيء، وأن الجيش كله في الجبهة وأن هناك وضع جاهزية بنسبة 100%، وتساءلنا ربما أنتم (الإسرائيليون) أيضاً تعلمون بذلك، ولكن لم يكن هناك أي رد فعل من جانبكم، هنا كان لدينا أنا وهيكل افتراضان حول سبب تجاهل إسرائيل هذه الاستعدادات: إما أنكم تعرفون كل شيء وواثقون من أنفسكم و تنوون تدمير الجيش المصري أو أنكم أغبياء جداً ولا تعرفون ما الذي يُخطط لكم ومدى خطورته".

وقال مروان خلال الاجتماع، إن السادات كان يخطط لحرب طويلة.

وسئل لماذا قال إن هناك احتمالا بنسبة 99٪ لاندلاع حرب؟ فأجاب الجاسوس المصري، "بحكم تجربتي ومعرفتي بشخصية الرئيس (السادات) فهو قادر على تغيير رأيه في اللحظات الأخيرة، إنه غبي جداً، يعتقد أنه سيفاجئكم، لكنني شخصياً لست متأكداً من ذلك".

وأضاف: "الرئيس متأكد من أن حافظ الأسد سيذهب معه لأن هذه في رأيه الفرصة الوحيدة للحرب".

وسئل مروان عن أهداف السوريين في الحرب فأجاب: كما قلت الهدف استعادة الجولان، ولديهم 200 ألف جندي على الجبهة، وأكد أن الأردن لن يشارك في الحرب.

وفي وقت لاحق من اللقاء، أثيرت تساؤلات حول المعلومات الموجودة في أيدي السوفييت، كشف مروان أن بلاده تتلقى مساعدات من دولة أخرى: "لدينا 30 طيارا مقاتلاً من كوريا الشمالية، سيشاركون فقط في الدفاع". كما قدم مروان تفاصيل حول مكان الطائرات وعددها وأهداف قصفها.

كما قدم معلومات عن المواقع الاستراتيجية في مصر. ومن بين أمور أخرى، قال إن "سد أسوان محمي بشكل جيد، وقصره محمي أيضاً والإسكندرية "محمية بشكل جيد، لكن هناك مشكلة فيما يتعلق بالطائرات التي ستشن غارات من البحر".

وثيقة للموساد يظهر فيها "ملف أشرف مروان لدى الموساد" مؤرخة بعام 1971 (الموساد)
وثيقة يظهر فيها "ملف أشرف مروان لدى الموساد" مؤرخة بعام 1971 (الموساد)

 

هل أشرف مروان عميل مزدوج؟

إن مسألة ما إذا كان مروان عميلاً مزدوجاً هي مسألة أثارت قلق لدى قادة مجاميع الاستخبارات الإسرائيلية لعقود من الزمن، ويزعم كثيرون منهم، وعلى رأسهم رئيس الاستخبارات العسكرية "أمان"، آنذاك، إيلي زعيرا، أن مروان كان عميلاً مزدوجاً، وأن الأخطاء المستمرة من قبل الموساد أدت في النهاية إلى المفاجأة الكاملة في تشرين الأول/أكتوبر 1973.

ويشير الكتاب إلى أن مروان حذر مرتين من حرب وشيكة، لكنها لم تحدث، في نهاية عام 1972 وفي نيسان/أبريل 1973، وبعد التحذير الثاني، أعلن الجيش الإسرائيلي حالة التأهب "الأزرق والأبيض" وتم تجنيد جنود الاحتياط.

ويشيد الموساد بالمعلومات التي قدمها أشرف مروان وأهميتها في منع هزيمة مطلقة، وينفي أن يكون مروان "عميلاً مزدوجاً"، لأن ما قدمه غيّر وجه الحرب لصالح إسرائيل وقلبت الموازين من هزيمة ساحقة إلى هجوم مضاد.

مروان منع الهزيمة الساحقة

يذكر الكتاب أن الموساد لم ينشر "المعلومات الذهبية" إلا بعد مرور 10 أيام على تلقيها، أي في 12 تشرين الأول/أكتوبر وبعد ستة أيام من اندلاع الحرب.

بحسب الكتاب، في 12 تشرين الأول/أكتوبر 1973 في الساعة الثانية والنصف بعد الظهر، عقدت رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير جلسة تشاور بشأن عبور قناة السويس والتخطيط لهجوم استباقي لتدمير القوات المصرية المتمركزة هناك والاستيلاء على الأراضي.

من اليمين إلى اليسار: رئيس الأركان دافيد أليعازر ووزير الدفاع موشيه ديان ورئيسة الوزراء غولدا مائير ( بعدسة: المصور الإسرائيلي ديفيد روبينغر  "1924 - 2017")
من اليمين إلى اليسار: رئيس الأركان دافيد أليعازر ووزير الدفاع موشيه ديان ورئيسة الوزراء غولدا مائير ( بعدسة: المصور الإسرائيلي ديفيد روبينغر "1924 - 2017")

 

استدعي رئيس الموساد تسفي زامير إلى ذلك الاجتماع وحضره محملاً بأخبار جديدة تلقاها من مصدر "المفرق.أ" ، تفيد بأن المصريين ينوون شن هجوم في 13 أو 14 تشرين الأول/أكتوبر، ويتضمن المخطط المصري الاستيلاء على خط العبور عبر عمليات إنزال جوي تنفذها ثلاثة ألوية مظلية، بالإضافة إلى هجوم بري واستخدام صواريخ من طراز "بروغ".

الهجوم المضاد

بناء على المعطيات الجديدة، اقترح زامير تأجيل عبور القناة لمدة يومين للسماح للقوات المصرية بدخول سيناء ونصب كمين لها عند عبروها إلى الضفة الشرقية.

بالفعل، تم قبول اقتراح رئيس الموساد وتقرر تأجيل الهجوم المضاد ونصب كمين للجيش المصري، وفي 14 تشرين الأول/أكتوبر مني الجيش المصري بهزيمة شرق القناة، وفي اليوم التالي بدأ الجيش الإسرائيلي في عبور القناة.

ويظهر زامير في مقطع تسجيلي مصور، بثه الموساد ضمن فعالية إطلاق الكتاب، وهو يشيد بمعلومات الجاسوس المصري ويقول: خبر واحد ذو أهمية استثنائية جعلنا نعرف أن المصريين كانوا يعتزمون عبور القناة.. لكن السحر انقلب على الساحر وتغير وجه الحرب.