icon
التغطية الحية

الطلاق المبكر شمالي سوريا.. عن الأسباب ودور "وزارة العدل"

2023.08.30 | 06:24 دمشق

آخر تحديث: 30.08.2023 | 11:01 دمشق

ساحة الساعة في مدينة إدلب - رويترز
ساحة الساعة في مدينة إدلب - رويترز
+A
حجم الخط
-A

"درست حتى الصف الثامن، وفي عمر 14 سنةً تزوجت، ومن هنا بدأت حياتي المرّة"، بهذه الكلمات تعبّر المطلقة "ياسمين. أ" المهجرة من بلدة العيس بريف حلب الجنوبي، والتي تسكن حالياً في مخيم "السلام" قرب بلدة كللي شمالي إدلب، عن قصة زواجها، التي استمرت سنتين فقط من زوجها سابقاً أحمد الذي يزيد عن عمرها بثلاث سنوات.

تقول ياسمين لموقع "تلفزيون سوريا": "لم أكمل شهرين فقط من الوفاق مع زوجي، لتبدأ المشكلات أولها وأكثرها أهمية هي تدخلات أهل زوجي بالتعنيف اللفظي والجسدي، إذ كانت لا تغيب عبارة (جايبتك لتخدمي علينا) على لسان أم زوجي (حماتي)، وثانيها المزاج المتقلب لزوجي بين ساعة وأخرى بسبب تعثره في الحصول على فرصة عمل وقيامه بضربي أمام أهله".

وتتعدد حالات الطلاق وأشكالها بين العوائل السورية التي تسكن المخيمات وتحديداً في شمال غربي سوريا، وتنحصر في معظمها إلى غياب التكافؤ بين الطرفين، وقلة الوعي والصبر وعدم التأهيل الكافي للزواج والسن المبكر وغياب الاستقرار وكثرة البطالة وانتشار الفقر.

ومن أبرز قصص الطلاق خلال السنة الأولى من الزواج، تروي سهيلة ذات الـ16 ربيعاً أنها انفصلت عن زوجها بعد ستة أشهر فقط من زوجهما، لسببين أولها "ضيق المسكن"، والثاني ما وصفته بـ"مراهقة" زوجها البالغ من العمر 18 عاماً والذي بات يتحدث يومياً بعد الزواج مع فتيات كثيرات من عمره في المخيم، لينتهي به الحال متزوجاً بإحدى الفتيات، وذلك بعد أربعة أشهر فقط من زواجها له، مؤكدةً أنه جلب زوجته الثانية إلى ذات الخيمة، الأمر الذي خلق مشكلات عديدة أدّت للطلاق.

ويؤكد والد سهيلة وهو مهجر من بلدة كفرناها غربي حلب، لموقع "تلفزيون سوريا" أنه حاول مراراً أن يعيد ابنته إلى زوجها، إلا أن ابنته كانت تعارض بسبب تصرفات زوجه التي لم تكن تتوقعها.

ويُقدر فريق منسقو استجابة سوريا أعداد الأرامل في مخيمات شمال سوريا بأكثر من 22 ألف امرأة، يضاف إلى هذا الرقم أعداد كبيرة من المطلقات.

وتتحفظ مديرية الشؤون المدنية في حكومة الإنقاذ والتي تعتبر الواجهة المدنية لـ"هيئة تحرير الشام" عن ذكر أعداد المطلقات شهرياً في منطقة إدلب وريفها، إذ سجلت 279 حالة طلاق عن طريق المحاكم فقط، في آخر إحصائية نشرتها في شهر أيار من العام الماضي 2022، ما يعني أن المذكور هو أقل بكثير من الرقم الحقيقي، لوجود كثير من حالات الطلاق لزيجات لم تسجل لدى الدوائر الحكومية أساساً.

اتفاق شكلي

وعن أسباب انتشار هذه الظاهرة في شمال سوريا، تقول المحامية مريم الأسود لموقع "تلفزيون سوريا"، إن أسباب الطلاق تتعدد في المنطقة ولكن أبرزها وأكثرها انتشاراً هو "الزواج المبكر" عند الإناث والذكور على حدٍ سواء، وعدم قدرة الطرفين على تحميل المسؤوليات الزوجية، إذ يعتمد الزوج في هذا السن  على ذويه في غالبية المصاريف اليومية، بالإضافة إلى أن معظمهم لا يملكون مسكناً مستقلاً، حيث يسكنون في ذات المنزل أو الخيمة مع عائلته، الأمر الذي يخلق عدة مشكلات قد تؤدي إلى الطلاق.

وذكرت الأسود في حديثها قصصاً لامستها في أثناء تأديتها المهنة، إذ تركزت معظمها على تدخل الحموات في شؤون أولادهم المتزوجين من كلا الطرفين وخاصة أنهم يعيشيون في خيمة واحدة، مشيرةً إلى أن هذه الظاهرة أثرت بشكل سلبي على علاقة الزوجين، إذ لا يتركن مجالاً للاستقلال الشخصي في حياة أبنائهنّ، الأمر الذي يؤدي إلى منغصات وفرقة تنتهي بالطلاق.

وأشارت إلى أن معظم حالات الزواج في مخيمات الشمال السوري مبنية على الاتفاق الشكلي، ومحكومة بقيود مجتمعية، يعني أن الفتاة تُجبر على العيش مع زوجها خوفاً على سمعتها، وخوفا من أهلها.

وأكّدت على ضرورة تأهيل الطرفين للزواج وتوعية الأهل على ضرورة تأهيل الشباب والفتيات قبل الزواج، إذ يجب أن تُبنى العلاقة بين الطرفين على التوافق قبل الحب، وفق قولها.

وشدّدت على ضرورة أن يُلزم القانون في شمال سوريا، جميع القضاة بعدم تسجيل أي واقعة زواج لأشخاص تكون أعمارهم ما دون الـ18 عاماً والذي يُعرف بـ"السن القانوني".

اختلاف الثقافات

ولكن المحامي عبد الناصر حوشان يرى أن اختلاف الثقافات في شمالي سوريا والتي سببها التهجير والنزوح هو أحد أهم الأسباب الجوهرية وراء كثرة حالات الطلاق، مشيراً إلى أن المجتمع السوري يتميز بتعدد بيئاته فمنها العشائرية والحضرية والبدوية والمدنية.

وأوضح أن أهل المدن عادةً تختلف ثقافتهم وتقاليدهم وأعرافهم عن باقي الفئات والعكس ذلك، وبالتالي يغيب الانسجام بين الزوجين وتُشكل نوعا من أنواع التصادم وتسفر في نهايتها إلى التفرقة والطلاق.

ولفت إلى أن مفهوم العيب والحرام يختلف بالأصل من منطقة إلى منطقة، فأصغر مثال على ذلك هو موضوع الحجاب والنقاب وفرض ارتدائه وكشف أجزاء من الشعر وارتداء اللباس، مضيفاً أن مفهوم هذا الشيء يختلف من منطقة إلى أخرى في المجتمع السوري.

وتطرق حوشان خلال حديثه مع موقع "تلفزيون سوريا" إلى موضوع تشتت العائلات السورية في تركيا وأوروبا أو تشتتهم في الداخل السوري، الأمر الذي أدى إلى ضعف العلاقات الأسرية، وغياب أهل الفتاة بما فيهم أشقاؤها أو والدها، الأمر الذي يمنح زوج الفتاة بعدم التزامه بحقوق زوجته أو الاستهتار بها بالمطلق، ما يسفر عن عدة مشكلات تؤدي في نهايتها إلى الطلاق.

الفقر أحد المسببات

بدورها، ترى المحامية غالية هلال أن أسباب انتشار الطلاق المبكر لا تنحصر في سبب واحد فقط، وأن معظمها تكمن في تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لدى العوائل السورية وخاصّة النازحين في مخيمات الشمال السوري.

وأشارت إلى أن متطلبات العائلة اليوم كثيرة والأسعار مرتفعة ومعظم الرجال بالكاد يستطيعون تأمين مستلزمات منازلهم، ويضاف إلى ذلك أن العديد من الزوجات التي لامست قضاياهن وانتهت علاقتهن بالطلاق يردن العيش في حياة مرفهة لا تخلو من أي نقص أو حرمان.

وبينت هلال في أثناء حديثها مع موقع "تلفزيون سوريا" سبباً آخر وهو رغبة معظم النازحين في المخيمات في الزواج من امرأة أخرى، وحصر الزوجتين في مسكن واحد (خيمة واحدة)، الأمر الذي يُسبب مشكلات بين الزوجتين وخلق خلافات مع زوجهم وانتهاء علاقة إحداهما بالطلاق.

وأوضحت أن المشكلة الأكبر تكمن ما بعد الطلاق وخاصّة إن كان الزوجان يملكان طفلا، ما يزيد من مشكلات الطرفين وينعكس سلباً على حياة طفلهما، إذ تكمن أبرزها في أثناء طلب الزوج رؤية طفله وعلى العكس والتي تخلف في كل لقاء بتراشق اتهامات بين الطرفين بالتقصير تجاه طفلهما، إضافة إلى وقوع الطفل مستقبلاً في حيرة من أمره بين أمه وأبيه.

نسب الطلاق

القاضي الشرعي في محكمة الاستئناف في إدلب أيمن محصي قال لموقع "تلفزيون سوريا" إننا في المحكمة أجرينا دراسة حول معدلات الطلاق في الشمال السوري، وتبين معنا أنه خلال الستة أشهر الأولى من سنة 2022 فقط كانت عدد عقود الزواج التي أنشأتها محاكم الشمال السوري المحرر هو 1291، وعدد العقود التي قامت بتثبيتها هو 17 ألفاً و670، وبالتالي يصبح عدد العقود هو 18 ألفاً و961 عقد زواج.

وأمّا عدد حالات الطلاق بأنواعها المختلفة من تفريق لأجل الشقاق أو الغيبة أو المخالعة أو الفسخ أو تثبيت طلاق أو تفريق لأجل العلل، ويؤكد القاضي محصي أنه جرى توثيق 2628 حالة طلاق في جميع المحاكم، أي أن نسبتها لا تتعدى 14 في المئة فقط، وأنه لو نظرنا إلى النسب الموجودة في بلاد لا تعاني ما نعانيه من حرب وتهجير ومشكلات مادية وفقر ومخيمات لرأينا ماذا تعني هذه النسبة.

وتابع: "لو نظرنا فعلياً إلى هذه النسب مقارنة بنسبة الطلاق في مناطق النظام السوري فهي لا تعد شيئا أمام مناطقهم، والتي وصلت 37 في المئة وفقاً لآخر الإحصائيات، إذ سجلت محاكم النظام 29 ألف حالة زواج يقابلها 11 حالة طلاق، ما يعني أن حال الشمال السوري أفضل في هذه الناحية من معظم الدول العربية المستقرة وأفضل بآلاف المرات من مناطق النظام السوري".

ما دور وزارة العدل؟

أكد قاضي محكمة الاستئناف في حديثه لموقع "تلفزيون سوريا" على وجود ظاهرة الطلاق المبكر في الشمال السوري، والتي زاد من وضوحها وفق قوله إلى ظروف الحرب والنزوح، مشيراً إلى أنها لم تشكل ظاهرة حقيقة إلى اليوم كما يروج لها الإعلام، وذلك وفقاً للإحصائية التي أجريناها للمناطق المحررة مقارنة بمناطق أخرى.

ولفت إلى أن ظاهرة الزواج المبكر بحسب المقاييس العالمية والتي تشمل الزواج ما دون 18 عاماً موجودة في المجتمعات الريفية وأماكن النزوح شمال سوريا، مشيراً إلى أنه على الرغم من ذلك فإن الطلاق ليس كثيراً في هذه الحالات.

وبالنسبة لدور وزارة العدل في أمور الزواج والطلاق، يقول القاضي "محصي"، إن الوزارة غالباً لا تتدخل في مرحلة ما قبل الزواج والخلاف والوصول إلى الطلاق، وأن هذه الأمور هي من مهام مراكز التوجيه والإرشاد.

وكشف القاضي أنهم يعملون في "وزارة العدل" بالتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على ترتيب برنامج توعوي للمقبلين على الزواج والذي يشترط على الأخير حضور الدورة قبل تثبيت الزواج.

وأمّا مسألة اشتراط السن للزواج، ردّ محصي أن هذه القضية ليست ذات جدوى إذ يمكن أن يتم الزواج ثم يصار إلى تثبيته وهنا يتعين تثبيته، وقد سبقنا قانون الأحوال الشخصية السوري الصادر بتاريخ 1953 بعمل ذلك والمنع من الزواج قبل سن 18 عاماً، إلا أنه لم يكن مجدياً كثيراً، إذ كان يتم الزواج بعقد عرفي، وتضطر المحاكم الشرعية لتثبيته لخطورته.

وبالنسبة لما يمكن أن تفعله "وزارة العدل" بوصفها جهة قضائية، اعتبر أن الوزارة عملها محدود في هذا الشأن، إذ يقتصر عملها على التوجيه التوعوي لولي المرأة، والتثبت من عدم إجبارها، ومن عدم وجود فرق كبير بالعمر بين الزوجين، وأن تدخل القاضي يكون وعظياً فقط، وأن دور وزارة العدل يكمن في الإصلاح وإعطاء الفرص في ذلك، وتفعيل التحكيم الشرعي من قبل حكمين مختصّين بالإصلاح، والسعي ليكون الطلاق آخر الحلول.

ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة فإن الزواج المبكر والقسري للفتاة القاصر هو أحد أنواع العنف ضد المرأة، إذ تمثل قضية تزويج القاصرات أحد أبرز أشكال التمييز ضدها، وظاهرة لها نتائج خطيرة على الفتيات، منها ارتفاع حالات الطلاق بسبب نقص الوعي العقلي والنضج الجسدي لتحمل الفتاة مسؤولية الزواج ومتطلبات الزوج، إذ يعتبر الزواج مبكراً إذا كان في عمر أقل من 18 عام لكل من الزوجين أو أحدهم، غير أن الشائع في مجتمعنا هو تزويج الفتاة في سن مبكرة بعد حرمانها من التعليم.

ويؤكد تقرير صادر عن فريق منسقو استجابة سوريا، في حزيران الماضي، أن المدنيين شمالي سوريا يعيشون في عجز واضح بالقدرة الشرائية وهم في حالة فشل وعجز عن مسايرة التغيرات الدائمة في الأسعار، ما يتجاوز قدرتهم على تحمل تأمين احتياجاتهم اليومية.

ومنذ مطلع شهر آب الجاري، شهد حد الفقر زيادة إلى مستويات جديدة في شمالي سوريا، إذ بلغت نسبته 1.12 في المئة، مِمّا رفع نسبة العائلات الواقعة تحت حد الفقر شمالي سوريا إلى 90.93 في المئة.