icon
التغطية الحية

الطفلة السورية المعجزة التي نجت من الموت عدة مرات

2021.04.23 | 15:16 دمشق

skynews-dalal-syria-turkey_5263197.jpg
الطفلة دلال بعد إدخالها إلى مستشفى بتركيا لتلقي العلاج من الحروق (سكاي نيوز)
سكاي نيوز- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

لقد حيرت نجاة طفلة سورية لاجئة من مخاطر مهولة كل المسعفين في مختلف بقاع العالم.

يتحدث الطبيب جاغاتاي ديميرجي عن تلك الطفلة فيقول: "لقد نجت من الموت ثلاث مرات على الأقل، وفي كل مرة من تلك المرات كانت تنجو بأعجوبة"

فدلال التي لم يتجاوز عمرها السنة ونصف، حملت بسرعة عبر الحدود من محافظة إدلب السورية لتصل إلى تركيا وذلك عندما شارفت على الموت، فقد كانت نائمة في الخيمة برفقة والديها وأشقائها الخمسة عندما تسببت المدفأة التي يستخدمونها في حريق كبير، فأصيبت دلال بحروق بالغة جراء هذا الحريق، لدرجة أن المسعفين الذين رأوها في بداية الأمر خلصوا إلى نتيجة مفادها بأنهم لن يستطيعوا أن يقدموا أي شيء لينقذوا حياتها، وعن ذلك يقول الدكتور جاغاتاي: "كان جلدها أسود كالفحم وذلك في مناطق كثيرة من جسدها، لذلك اعتبرناها ميتة".

إلا أن دلال أثبتت للأطباء والمسعفين أنهم كانوا على خطأ، ولم تكن تلك المرة الأولى التي تفعل فيها ذلك.

يتابع الدكتور الذي عالجها الحديث عنها بالقول: "توجه فريقنا لمعالجتها فقدمنا لها ما قدرنا عليه، إلا أننا غادرنا في تلك الليلة ونحن نظن بأنها ستفارق الحياة خلال الليل. وعندما عدنا في الصباح، وجدناها ماتزال حية، فأدركنا بأن تلك الطفلة تريد أن تعيش".

 

skynews-dalal-turkey-syria_5349440.jpg
قال الأطباء: كان لابد من بتر يدي الطفلة

 

هذا وتظهر الصور التي التقطت بالهاتف المحمول للحادثة التي وقعت في العاشر من كانون الثاني، ذلك الحريق الهائل وكيف حاول بعض الأشخاص أن ينقلوا الأطفال إلى بر الأمان.

كانت شقيقة دلال، واسمها ياسمين وعمرها عشرة أعوام، أكثر من تضرر بفعل ذلك الحريق، ولذلك توفيت على الفور، أما دلال التي كان عمرها وقتها سنة ونصفاً، فقد بقي قلبها ينبض بالرغم من الحروق البالغة التي تعرضت لها.

فقد تعرض جزء كبير من جسدها لحروق (بما تقدر نسبته بـ90%)، كما أنها استنشقت الكثير من الهواء الساخن الذي أضر برئتيها وقصبتها الهوائية.

إلا أنها نظراً لسنها ولإقامة أهلها في مخيم قريب من الحدود التركية، تم اعتبارها على أنها حالة طوارئ ولهذا مرت عبر الحدود بسرعة، حيث وصلت إلى تركيا بمفردها بعيد ساعات من الحريق، ثم خضعت لجراحة بحلول الساعة السادسة فجراً بعدما بدأ فريق من الأطباء في مشفى مرسين بذلك القتال الضاري والمرير لإنقاذ حياة تلك الطفلة.

وبعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر على تلك الواقعة، أبدت دلال علائم تمسكها بالحياة، بشكل حير الأطباء الذين اهتموا بحالتها وأخذوا يتابعونها في شتى بقاع العالم.

عندما وصلت إلى تركيا في بداية الأمر، لم تكن فرصتها بالنجاة تتجاوز 10% حسب رأي من عاينها من الأطباء.

 

skynews-dalal-syria-turkey_5263197.jpg
في البداية كانت دلال ملفوفة بالكامل تقريبًا بالضمادات

 

ومن الناحية العملية، كان الضماد يغطي كامل جسدها، فبدت كمومياء صغيرة ولهذا كان الأطباء يعدون حياتها بالساعات والدقائق. وفي بعض الأحيان لم يكن الفريق الطبي الذي يعالجها واثقاً من أنها ماتزال على قيد الحياة، بعد ذلك قامت سكاي نيوز ببث تقرير عنها بعد ساعات من تصوير ما حدث لها.

غير أنها تشبثت بالحياة بعناد.

 

 

فقد تعرضت لحالة تسمم الدم ثلاث مرات، وفي كل مرة كان الأطباء يعتقدون أنها لن تنجو هذه المرة، لكنها كانت تتغلب على المرض في كل مرة.

ثم خضعت لعشرات العمليات الجراحية وذلك لزرع جلد لها فوق ساقها وذراعها وجمجمتها، أما يداها اللتان تفحمتا فكان لابد من بترهما.

ويعلق الدكتور جاغاتاي على وضعها بالقول: "لم يكن أحد من الأطباء يرغب بذلك، خاصة لكونها طفلة، غير أن أولويتنا ركزت على إبقائها على قيد الحياة".

فقد فقدت تلك الطفلة جفنيها وأذنيها وشفتيها وشعرها والجلد الذي يغطي جمجمتها بسبب الحروق، ولهذا أمضى الفريق الطبي الذي يعالجها ساعات وساعات في زرع جلد لها، وهكذا نجت من ذلك الحريق إلى حد ما.

إلا أنها ماتزال بلا أذنين، كما أن وجهها بحاجة لترميم مكثف، ويقدر الأطباء بأنها بحاجة لعشر سنوات أخرى حتى تجرى لها عملية جراحية تجميلية، وهنالك الكثير من التحديات الجسدية والعاطفية التي ماتزال أمامها، إلا أن الأطباء الذين يراقبون وضعها أصبحوا اليوم أكثر تفاؤلاً.

الطفلة المعجزة

ويتحدث الدكتور جاغاتاي مخاطباً دلال فيقول: "علينا أن نغير اسمك ونسميك الطفلة المعجزة"، إذ إن دلال ترد عندما تسمع صوت طبيبها بمجرد أن يدخل إلى غرفتها في المشفى، فهي تصغي له باهتمام، وتبدو مطمئنة لهذا الرجل الذي أنقذها هو وفريقه من الموت مرات عديدة.

وخلال تصوير سكاي نيوز لبعض العمليات الجراحية الذي أجراها هذا الطبيب لدلال وكذلك أثناء رعايته لها بعد العملية، كان هذا الطبيب يخاطب دلال ويتحدث إليها على الدوام.

وبالرغم من ضعف بصرها، يبدو أن دلال بوسعها أن تتعرف إليه، إذ ثمة رابط واضح صار يربط بينهما.

ومع بداية شهر آذار، تمكن والد دلال من الحصول على إذن لدخول تركيا ليبقى إلى جانب ابنته التي تعرضت لإصابة بالغة، ومنذ ذلك الحين لم يبارح مكانه بجانب سريرها في المشفى.

 

skynews-dalal-syria-turkey_5349438.jpg
يُسمح لدلال ووالدها بالبقاء في تركيا أثناء إجراءاتها الطبية

 

عائلة مشتتة بين تركيا ومخيم في إدلب

يذكر أن دلال خضعت لعملية شق للقصبة الهوائية حتى يساعدها ذلك على التنفس، ما يعني أنها لا تستطيع أن تتكلم، ولهذا يتواصل الأب مع ابنته اليوم التي ترد عليه بأصوات غير مفهومة، إذ رأينا كيف ردت دلال على طلب والدها لها بالحصول على قبلة عبر إصدار صوت رداً على ذلك، ثم رفعت ما تبقى من يديها حتى يتمكن والدها من طبع قبلاته عليها، بعد ذلك رفعت قدمها حتى يقبلها هي أيضاً.

ثم قام والدها بتشغيل أغنية للأطفال عبر جهازه النقال، فاستمعت دلال لها، وبدت وكأنها تحاول أن تلمس الجهاز وأن تحرك يدها فوقه عندما رأت والدها يفعل ذلك.

 

skynews-dalal-turkey-syria_5349441.jpg
تمكنت دلال من رؤية بقية أفراد عائلتها في مكالمة فيديو

 

ثم اتصل بوالدة دلال وأشقائها الذين مايزالون يعيشون في مخيم للنازحين بمحافظة إدلب، فما كان من دلال إلا أن هزت رأسها عندما رأت أمها تظهر على الشاشة، ثم مالت نحو الأمام، ومدت ذراعيها في محاولة منها للإمساك بأمها عبر الهاتف، فكانت تلك لحظة مؤثرة جداً.

 

skynews-dalal-syria-turkey_5263195.jpg
لا يزال باقي أفراد عائلتها في سوريا أثناء تلقيها العلاج في تركيا

 

يذكر أن السلطات التركية منحت دلال وأبيها حماية مؤقتة وبموجبها يمكن لهما البقاء ضمن تركيا فقط خلال فترة العمليات الجراحية التي تخضع لها تلك الصغيرة، إلا أن بقية أفراد أسرتها لم تمنح سمة الحماية المؤقتة.

ولهذا ماتزال أمها وما تبقى من إخوتها يعيشون في خيمة بتل الكرامة، شمالي مدينة إدلب، غير أن هذه الأسرة تسعى جاهدة للحصول على إذن يخولها اللحاق بالبنت والأب في تركيا. وحتى الآن، قدمت السلطات التركية المعالجة الطبية التي أنقذت حياة تلك الطفلة بالمجان، غير أن ذلك لن يشمل تكاليف العمليات الجراحية الترميمية.

ويعتقد الأطباء بأن لم شملها مع أسرتها سيكون من صالحها ولابد وأن يفيد دلال ويعينها على استعادة عافيتها، خاصة بعدما شارفت على الشفاء التام.

حملات جمع تبرعات للتكاليف غير المدعومة من الحكومة

وبفضل من تابعوا التقارير التي بثت عن هذه الطفلة، تم جمع بعض الأموال وتنظيم عملية التبرع على يد امرأة تدعى ليزا كافي، التي تحدثنا عن تلك التجربة فتقول: "بكيت عندما رأيت التقرير للمرة الأولى، إذ لدي طفلة في الثانية من عمرها أنا أيضاً، أي أن عمرها قريب من عمر دلال، وبما أني أم، فكرت بأن ابنتي يمكن أن تعيش الحالة ذاتها بظروف مختلفة بكل بساطة. وهنا شعرت أنه من الظلم الشديد أن تتعرض تلك الأسرة لهذا الوضع بسبب خطأ لم يرتكبوه، ولم يكن أمامي إلا أن أفعل شيئاً حيال ذلك، فقد أحرقت أزمة اللاجئين فؤادي، وأؤمن بشدة بأنه لا ينبغي لأي شخص أن يعيش في خيمة بعدما صرنا في عام 2021".

وهكذا ساعدت ليزا في دفع إيجار شقة قريبة من المشفى، إذ من المرجح لدلال أن تغادر المشفى في غضون أسبوعين، وعندها ستتعرض لتحد جديد عليها أن تتغلب عليه، ألا وهو تجنب العدوى أثناء شفاء جروحها وذلك قبل خضوعها لعملية ترميم باتت بحاجة لها وذلك بعد مرور بضع سنوات.

دلال بحاجة إلى مكان نظيف والخيمة مضرة بصحتها

وهنا يحدثنا الدكتور آيدن يوجيل، وهو أحد الأطباء الذين عالجوا دلال، فيقول: "من المضر بالنسبة لدلال أن تتم إعادتها إلى خيمة في سوريا، وذلك لأنها تحتاج إلى مكان نظيف تتوافر فيه سائر الشروط الصحية منعاً لإصابتها بأي عدوى".

هذا ولقد لفتت الأخبار التي نشرت عن تلك الطفلة نظر الكثير من الكوادر الطبية في أميركا وبريطانيا ولهذا عرضوا المساعدة عبر تقديم معدات متخصصة، وذلك بعدما أبدوا رغبة صريحة بتعلم ما يقوم به المتخصصون بالحروق في تركيا وخاصة في مرسين، حيث نجد العنابر في ذلك المشفى مليئة بضحايا الانفجارات والقصف والحرائق التي تحدث في سوريا.

وعن ذلك يخبرنا الدكتور جاغاتاي فيقول: "نقوم بثماني عمليات في اليوم تقريباً، ومن بين تلك العمليات هنالك خمس عمليات تجرى لسوريين يومياً بعد تعرضهم لإصابات بسبب الحرب".

أطباء حول العامل تجمعهم الإنسانية ومجموعة واتساب

ولعل ذلك هو ما جعل الفريق الجراحي التركي المختص بالحروق أكثر الأطباء المتخصصين خبرة في هذا المجال على مستوى العالم.

ولهذا سرعان ما انضم المزيد من الأطباء بعد تواصل أطباء من أميركا وبريطانيا مع الفريق الطبي التركي.

واليوم أصبح هنالك أكثر من مئة فريق طبي من مختلف بقاع العالم عضواً في مجموعة تواصل عبر الواتساب يديرها الدكتور جاغاتاي ومشفى مرسين، حيث يتبادلون من خلالها فيديوهات لدلال، ورسائل تشتمل على نصائح وتوجيهات وطرق لأداء العمليات الجراحية، وهذا ما جعل الأطباء المشاركين في تلك المجموعة يندهشون لنجاة دلال بعد كل ما قاسته.

ويعلق الدكتور جاغاتاي على ذلك بالقول: "أصبح الجميع يشعر وكأنه يعرف دلال".

وتضم هذه المجموعة أطباء من نيجيريا وغانا وإثيوبيا وكينيا وتنزانيا، والمغرب وباكستان وأفغانستان وفلسطين وإسرائيل وبوتان ونيبال والهند وإندونيسيا وأستراليا وسنغافورة والصين وبنغلاديش وجورجيا والمكسيك وبلجيكا وإيطاليا ورومانيا وموزامبيق.

وبذلك تحولت هذه المجموعة إلى حالة تعاون وتعاضد مذهلة، إلا أن من جمع بين هؤلاء كلهم هو تلك الطفلة الصغيرة والمحنة التي تعرضت لها والتي ضربت على الوتر الموجع لدى الجميع.

 المصدر: سكاي نيوز