icon
التغطية الحية

الطعام وتداخلاته الأدبية والدينية والسياسية

2021.01.17 | 08:51 دمشق

4f9c055016ba2138efd82ad1243a8f4a650x300.jpg
ياسر الأطرش
+A
حجم الخط
-A

في استطلاع رأي أجراه برنامج ضمائر متصلة؛ وشمل أشخاصاً من جنسيات مختلفة، بدا واضحاً تمسك كل شخص بطعام بلده، وذهب جميع المستطلعة آراؤهم إلى القول: إن الطعام جزء من الهوية والثقافة الوطنية.

ولا يبدو فهم نتيجة الاستطلاع عسيراً أو عصياً، فالواقع يصدّقه ويؤكده، حتى إن المنفيين والمغربين يتركون كل شيء وراءهم عنوة، ولكنهم يأخذون ثقافة طعامهم معهم أنّى ولّوا وجوههم.

وبنظرة على تاريخ الطعام في الأدب العربي، سنراجع أنفسنا في استنكار رواج استعراض الطعام على وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام، وإن أصرَرْنا على استنكاره واتهامه، فإننا لن نستطيع القول بأنه من محدثات الأمور وبدع "السوشال ميديا"، فالطعام كان موضوعاً رئيساً للشعر العربي زمن الدولتين المملوكية والعثمانية، حتى إن النظم في هذا الباب كاد يتفوق على غيره من أبواب الأدب في ما يسمى "عصر الانحطاط".

ولكن قبل ذلك، كتب الشعراء في الطبخ وطرائقه ووصفاته، ولعل من شرّع الباب أمام هؤلاء، إبراهيم بن المهدي، الأخ غير الشقيق للخليفة هارون الرشيد، الذي ألف كتاباً شعرياً في وصفات الطعام، جمع بعضها الباحث ديفيد وينز من جامعة لانكستر في كتاب "في مطبخ الخليفة" وطبعته دار رياض الريس.

واشتهرت في أواخر العصر العباسي كتب الطبيخ وراجت،  فكتب محمد بن حسن البغدادي (ت 1239م) "كتاب الطبيخ"، شارحاً فنون الطعام العباسية وأنواعها بلغة شعرية، (وقد حقق هذا الكتاب الأديب السوري فخري البارودي وذيله بكتاب من تأليفه سماه: معجم المآكل الدمشقية عام 1964)، واشتهر أيضاً "كتاب الطبيخ" لابن سيار الوراق، وابن ماسويه، وابن داية، وابن مندويه، والحارث بن بسخنر وغيرهم... إضافة إلى كتاب الأشربة لمسكويه الفيلسوف الذي كتب أيضاً كتاباً في الطبيخ، و"أطعمة المرضى" للرازي.

وقبل ذلك كله، حضر الطعام في الشعر الجاهلي طريقةَ رفاهية، ووسيلة حياة، وسبيلأً إلى الكرم الذي ارتبط في الذهنية العربية بالطعام، فالذي يقري الضيف هو الكريم، والذي يمنع الطعام هو البخيل الذي يستحق أقذع الهجاء، ومن ذلك البيت المشهور:

قومٌ إذا استنبح الأضياف كلبهمُ

قالوا لأمهمُ بولي على النارِ

كما كان للطعام حضور في ألواح الطين التي خط عليها الإنسان أولى معارفه، فوُجدت ألواح في بابل تحتوي طرق إعداد الخبر والكعك، ولم يغب الطعام عن الأساطير، فهو مرتبط بالعقيدة والحضارة.

أما الارتباط العقدي للطعام فيأتي من التحليل والتحريم، فلم يخلُ دين سماوي أو وضعي من تحريم أطعمة وأشربة، ولم يخلُ أيضاً من الترغيب بلذائذ الأطعمة والأشربة للمؤمنين في الجنة.. وليس الطعام في الدين بموضوع ثانوي أو مطوي، فما زلنا حتى اليوم نسمع بحالات قتل بسبب اختلاف عقيدة الطعام بين دين وآخر، وبالتأكيد سيكون صعباً جداً المجاهرة بأكل لحم البقر في بعض أقاليم الهند، أو لحم الخنزير في بعض المناطق الإسلامية، وغير ذلك كثير.

وربما كان كارل ماركس معبراً أكثر حين قال: "إن تاريخ البشرية هو تاريخ البحث عن الطعام".