icon
التغطية الحية

الصراع على القمح بين أربع "حكومات" في سوريا

2020.06.22 | 14:33 دمشق

fc30ed7b90c642975c0b77cfd9c09380_xl.jpg
تلفزيون سوريا - خالد الخطيب
+A
حجم الخط
-A

النظام يلاحق الفلاحين وتجار القمح.. تسليم كامل المحصول أو مصادرته

تتواصل عمليات تسويق وتخزين القمح في مختلف مناطق السيطرة في سوريا (النظام والمعارضة وقوات سوريا الديموقراطية)، ومع استمرار تدفقه نحو مراكز التخزين التي حددتها جهات السيطرة الثلاث تبدو الكميات التي جرى تسويقها وتسليمها حتى الآن أقل من المتوقع على الرغم من أن موسم الأمطار كان وفيراً، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل، أهمها، احتراق مساحات كبيرة من حقول القمح في المناطق السهلية الأكثر شهرة بزراعة هذا النوع من الحبوب، وتوجه الأهالي في بعض المناطق إلى تخزين الجزء الأكبر من محصولهم بانتظار ارتفاع أسعاره، وفي بعض المناطق يقوم الفلاحون بتخزين قمحهم للبذار والطحن لصناعة الخبز باعتباره أهم مادة تحتاجها الأسرة السورية والتي شهدت ارتفاعاً غير مسبوق في أسعارها وباتت في بعض المناطق نادرة جداً.

احتكر النظام منذ العام 2012 تسويق وتخزين الحبوب بمختلف أنواعها، والقمح خاصة باعتباره المادة الأساسية في صناعة الخبز، وبرغم وقوع مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية خارج نطاق سيطرته خلال السنوات التسع الماضية إلا أنه تمكن من استجرار المحاصيل المختلفة، والتي كانت تتدفق إلى مراكزه بسهولة بواسطة تجار وسطاء، وبأسعار قليلة، حينها لم تكن المعارضة السورية على سبيل المثال تولي اهتماماً لهذا القطاع الحيوي في مناطق سيطرتها، في الشمال السوري على الأقل، وذلك بسبب ضعف إمكاناتها (التسويق والتخزين والطحن والمخابز) فكانت تعتمد بشكل أكبر على الطحين المقدم كهبات من المنظمات الدولية والجمعيات الخيرية، وعند الحاجة يتم استيراد الطحين من تركيا.

أما "قسد" شمال وشرقي الفرات، فكانت تعتمد على الطحين الذي يصنعه النظام والطحين المستورد من مناطق المعارضة وشمالي العراق، وكان الجزء الأكبر من محصول الحبوب والقمح بشكل خاص يشتريه النظام، ويتولى التجار الوسطاء مسؤولية نقله، وهذا ما كان يحصل أثناء سيطرة "تنظيم الدولة" الذي كان يبيع النظام القمح ويشتري منه الطحين ومختلف المواد الزراعية المصنعة.

يبدو موسم  العام 2020 مختلفاً بالنسبة لنظام الأسد الذي كان يتوقع أن تمتلئ مخازنه بأكثر من 3 ملايين طن من القمح، لكن انهيار الليرة السورية وهبوطها المتسارع أفشل مخططاته المفترضة، ولم يستطع النظام فعلياً مجاراة المعارضة و"قسد" من ناحية الأسعار التي تم تحديدها، برغم رفعه للسعر مرتين في أقل من شهر، آخرها في 14 من الشهر الحالي ورفعه 25 ليرة كتعويض أجور نقل في المناطق البعيدة. وفي 11 من حزيران/يونيو، اتهم وزير الزراعة في حكومة النظام، أحمد القادري، "قسد" بمنع الفلاحين من نقل القمح إلى المراكز التي تتبع لحكومته، وقدرت وزارته المساحات المزروعة بالقمح للعام 2020 بنحو 1.3 مليون هكتار، منها 582 ألف هكتار مروي و771 ألف هكتار بعلي.

وتأتي المعارضة في المقدمة من حيث سعر طن القمح والذي تراوح سعره بين 220/240 دولاراً أميركياً للطن الواحد، أما "قسد" فقد حددت سعر الكيلو الواحد من القمح 17 سنتاً من الدولار، ويأتي النظام في المؤخرة بسعر 400 ليرة سورية للكيلو الواحد من القمح، ومن الدرجة الأولى، ويقل السعر كلما انخفضت درجة جودة القمح المباع.

ومن بين الأسباب التي منعت تهريب القمح من مناطق المعارضة و"قسد" نحو مناطق النظام، هو أنه بدأ بالفعل الاستثمار في القطاع الزراعي، ففي مناطق المعارضة توقف دعم الطحين الذي كانت تقدمه المنظمات للأفران، وباتت المعارضة بمؤسساتها التنفيذية المختلفة شمال غربي سوريا (المجالس المحلية وحكومتي الإنقاذ والمؤقتة) أمام تحدي تأمين الخبز، و في الوقت نفسه كان أمامها فرصة للاستثمار في هذا القطاع، فبدل أن تشتري الطحين المستورد يمكنها تشغيل شراء القمح المحلي وتشغيل المطاحن والأفران، وتحقيق أرباح جيدة كما أنها تشغل يداً عاملة. أما "قسد" وبدعم أميركي بدأت تولي أهمية للاستثمار في القطاع الزراعي والدورة الاقتصادية اللاحقة (تسويق وتخزين وتصنيع المحاصيل).

عملياً، لولا انهيار الليرة والسعر المنخفض الذي حدده النظام لكانت المحاصيل بأنواعها قد تدفقت نحو مراكزه عبر ممرات التهريب المنتشرة بكثرة في خطوط التماس، المعارضة لم تتمكن من منع تهرب القمح إلا عندما رفعت أسعاره أكثر من النظام ولو لم تفعل لخسرت المحصول.

النظام يلاحق الفلاحين وتجار القمح

أولى النظام أهمية كبيرة لعمليات تسويق القمح بنوعيه القاسي والطري لموسم العام 2020، وبدأت مراكز التخزين عملها بداية شهر حزيران/يونيو، ففي مناطق سيطرته جنوبي الرقة تسلم النظام نحو 14 ألف طن حتى الـ 20 من حزيران/يونيو، وتوزعت الكمية على ثلاثة مراكز، هي السبخة ومعدان ودبس عفنان، وزار مركز السبخة بداية الشهر نفسه وفد وزاري من حكومة النظام، واطلع الوفد على الإجراءات الأمنية التي اتبعها مجلس المحافظة فيما لاستجرار كامل كميات القمح من الفلاحين واحتكار تداوله بين التجار.

 

 

وفي حلب قرر مجلس المحافظة التابع للنظام في 20 من حزيران/يونيو، إعطاء مهلة أسبوع واحد للفلاحين، اعتباراً من 21 من حزيران/يونيو لتسليم محصول القمح ومن يتخلّف عن البيع لمراكز النظام ستتم ملاحقته أمنياً، وتصادر كامل الكميات المخزنة لديه. وتضمن قرار المحافظة إجراء عمليات تفتيش وجرد لمستودعات القطاع الخاص والمطاحن الخاصة غير المتعاقدة ومنشآت البرغل، والتأكد من عدم وجود أي كميات من القمح في مستودعاتها، وتضمن القرار أيضاَ مصادرة أي كمية يجري ضبطها لدى التجار وشركات تصنيع القمح الخاصة.

وفي حلب تسلمت مؤسسة الحبوب التابعة للنظام نحو 60 ألف طن من القمح حتى الآن، وجرى تخزينها في سبعة مراكز، هي، هنانو وتل بلاط وبردة وجبرين وتل السوس وجب ماضي ومسكنة. الكميات المستلمة حتى الآن أقل من المتوقع بكثير، كان النظام قد توقع إنتاج 250 ألف طن من القمح في حلب لوحدها. مصادر خاصة في ريف حلب الشرقي أكدت لموقع "تلفزيون سوريا"، بأن "غلة القمح في حلب في معظمها تتركز في الريفين الجنوبي والشرقي، ومنذ بداية موسم الحصاد استنفرت أجهزت النظام الأمنية والحزبية في مناطق مسكنة ودير حافر والسفيرة، المطلوب كما يبدو هو تسليم كل الكميات التي لدى الفلاحين ولا يسمح ببيع القمح للتجار، ومن يخالف التعليمات يتم اعتقاله، وما أكثر كاتبي التقارير الأمنية في الوقت الحالي" وبحسب المصادر، "أسعار القمح في السوق السوداء بدأت بالارتفاع بسبب سياسات الاحتكار التي بدأ النظام بتطبيقها، من حق الفلاحين البيع بأسعار أعلى ليغطوا تكلفة الإنتاج المرتفعة".

في حماة خصص النظام 8 مراكز لاستلام القمح، وتوقع أن يكون إنتاجها في الموسم الحالي أكثر من 160 ألف طن، وما تم تسليمه حتى الآن لا يتجاوز 67 ألف طن، جرى تخزينها في مراكز شطحة والسقيلبية والسلمية ومحردة وحماة وكفر بهم وجب رملة وسلحب. وبحسب مصادر محلية في ريف حماة، قالت لموقع "تلفزيون سوريا"، إن "غالبية المحاصيل الزراعية في ريف حماة تضررت في الموسم الحالي، وإنتاج القمح قليل جداً مقارنة بالإنتاجية في السنوات السابقة، ويرجع ذلك إلى ارتفاع تكاليف الزراعة (بذار وأسمدة)، وامتناع النظام عن تسليم المحروقات اللازمة للزراعة المروية". وفي حمص يبلغ إجمالي المساحات المزروعة بالقمح لهذا العام نحو 37 ألف هكتار، وفي دير الزور تسيطر "قسد" على المساحات الأكبر من الأراضي المزروعة بالقمح في المحافظة.

 

دير الزور - قمح.jpg

 

المعارضة: حكومتا المؤقتة والإنقاذ

أصبح لدى المؤسسة العامة للحبوب -فرع حلب والتابعة للمؤقتة- عدد من مراكز تخزين الحبوب في مناطق سيطرة المعارضة بريف حلب، ويتبع لها ثلاثة مطاحن على الأقل، في إعزاز وعين البيضا وبزاعة، ومن المفترض أن تفتتح المزيد من مراكز الحبوب أبوابها لاستلام القمح خلال الفترة القادمة بعد أن جرى ترميمها بمساعدة منظمات وجمعيات إنسانية. وحددت "المؤقتة" سعر الطن الواحد من مادة القمح 220 دولاراً أميركياً.

 

مركز عين البيضا - الحكومة المؤقتة.jpg
مركز عين البيضا - الحكومة المؤقتة

 

أما "حكومة الإنقاذ" المقربة من "هيئة تحرير الشام في إدلب فقد حددت مركزين لاستلام القمح، مركز إدلب ومركز راعا، ومن المفترض أن تشتري "الإنقاذ" الطن الواحد من محصول القمح بسعر 240 دولاراً بحسب الإعلان الصادر عنها أواخر شهر أيار/مايو الماضي، لكن الشراء يتم فعلياً بسعر 220 دولاراً أميركياً، أي بنفس السعر المحدد من قبل "المؤقتة" في ريف حلب. وباتت "الإنقاذ" تمتلك مجموعة من المطاحن في إدلب وتسعى جاهدة إلى تخزين أكبر كميات ممكنة في محاولة منها للاستغناء عن القمح والطحين المستورد والتي يأتي بأسعار أعلى عبر تركيا.

وأعلنت وزارة الاقتصاد التابعة للإنقاذ في 21 من حزيران/يونيو عن استلام 4916 طناً، مقسمة بين 2441 طناً مستلمة في صوامع راعا 2475 طناً في صوامع مدينة إدلب، وبلغت نسبة مجموع القمح القاسي المستلم 73%.

وخسرت المعارضة في إدلب مساحات واسعة من الأراضي الزراعية خلال الربع الأول من العام 2020 والتي سيطرت عليها قوات النظام والمليشيات الموالية وأهمها مناطق ريف حلب الجنوبي والغربي ومناطق إدلب الواقعة شرقي الطريق M5 أهمها ريفا معرة النعمان وسراقب، وغالبية الأراضي كانت مزروعة بمادتي القمح والشعير، وقامت ميليشيات النظام بسرقة المحاصيل في موسم حصادها لأن المنطقة فعلياً خالية من سكانها الذين هجروا عنها خلال العمليات العسكرية.

وفي الغالب لن تفتح المعارضة السورية الباب لتصدير القمح والشعير إلى تركيا هذا العام، وستسمح فقط بتصدير العدس كما أعلن المجلس المحلي لمدينة الراعي، أما في منطقة "نبع السلام" شرقي الفرات، فقد أعلن عن فتح باب تصدير القمح والشعير إلى تركيا، وحدد المجلس المحلي لمدينة تل أبيض سعر الطن الواحد من القمح بـ 1300 ليرة تركي للطن الواحد وسعر الشعير بـ  1000 ليرة تركي للطن الواحد، وللمعارضة في "نبع السلام" مبرراتها في عدم قدرتها على شراء وتصنيع الحبوب المحلية لعدم جاهزية المرافق (المراكز والمطاحن) والتمويل المالي اللازم.