الشمال السوري عقدة خلاف الدول المتداخلة فيه

2024.03.18 | 04:17 دمشق

الشمال السوري عقدة خلاف الدول المتداخلة فيه
+A
حجم الخط
-A

ما يزال الملف السوري رغم الكثير من التفاهمات التي حصلت ملفاً خلافياً بين الدول المتداخلة فيه، سواء الدول الضامنة في أستانا فيما بينها أو بين إحدى تلك الدول والولايات المتحدة الأميركية، ورغم تنوع نقاط الخلاف على أرض الميدان السورية ورغم أن كثيرا من المناطق وضحت فيها السيطرة لصالح من، سواء عبر القوة أو عبر التفاهمات بين تلك الدول، إلا أن الشمال السوري بشقيه شرقي الفرات وغربه يبقى نقطة الصراع المستمرة بين كل هذه الدول المتداخلة فيه.

تختلف قراءة الحسابات بين كل هذه الدول حول ما تريده من الشمال السوري لما يتمتع به من أهمية  اقتصادية وجيوسياسية وأمنية، وهذا الأمر ينعكس على العلاقات بين الدول الأربع إيران وتركيا وروسيا والولايات المتحدة الأميركية المتداخلة بشكل حقيقي في تلك المنطقة، ورغم الجمود النسبي خلال السنين القليلة الماضية والتفاهم فيما بينها على أرض الميدان، إلا أن عكس ذلك ما يحصل على الصعيد السياسي، ولعل التصريحات السياسية التي تختلف من حين إلى حين هي مؤشر على أن الشمال السوري سيبقى نقطة خلاف لن تصل إلى أي حل بين الفرقاء، وعلى وجه الخصوص بين تركيا وأميركا وروسيا، وهذه الأخيرة التي سعت بشكل كبير لفتح باب عودة العلاقات بين النظام في دمشق وأنقرة نجحت بداية في إقامة لقاءات بين وزراء من الحكومة التركية ونظيرهم من النظام السوري، وكان التفاؤل يسود موسكو لكن اليوم هي نفسها تقول على لسان وزير خارجيتها بأن التطبيع في الوقت الراهن مستحيل.

الخلاف ما زال سائداً بين كلا البلدين رغم زيارة مدير الاستخبارات العامة إبراهيم كالن لواشنطن لطرح عدة قضايا تخص الشرق الأوسط والحرب الإسرائيلية على غزة، وبالطبع الملف السوري كان حاضراً بين تلك الملفات

حتى تركيا التي كانت في سياسة التقارب مع موسكو، تؤكد هذا الأمر عبر المتحدث باسم الخارجية التركية بأنها لم تعقد أي لقاء مع النظام السوري في إطار مسؤولية وزارة الخارجية، وكان مرد ذلك إلى أن التقارب بين أنقرة وواشنطن هو سبب ذلك التباعد عن موسكو، لكن ذلك لا يبدو صحيحاً أيضاً، فالتصريحات القادمة من نفس الناطق باسم وزارة الخارجية (أونجو كتشالي) والذي قال فيها إنه من غير المقبول أبداً أن تتعاون دولة حليفة مع تنظيمات إرهابية تستهدف أمن بلادنا، ما هي إلا دلالة على أن الخلاف مازال سائداً بين كلا البلدين رغم زيارة مدير الاستخبارات العامة إبراهيم كالن لواشنطن لطرح عدة قضايا تخص الشرق الأوسط والحرب الإسرائيلية على غزة، وبالطبع الملف السوري كان حاضراً بين تلك الملفات.   

من غير المرجح أن تتفق هذه الدول أو بعضها فيما بينها على المصالح في الشمال السوري ذي الأهمية الكبيرة، فروسيا التي أنشأت قواعدها العسكرية في الشمال لا يمكنها أن تستغني عن الشواطئ السورية التي جعلت منها موطئ قدم في البحر المتوسط بعد إغلاق موانئ قبرص في وجهها، وأيضاً تعتبر هذه القواعد العسكرية على جنوب حدود الناتو الشرقية وهي تركيا، إضافة لمنع التمدد الأميركي مع قسد في المنطقة وفي نفس الوقت لن تسمح للمعارضة السورية أن تتمدد أكثر من المناطق التي هي فيها.

الولايات المتحدة الأميركية التي تعتمد على قسد في منع التمدد الإيراني من العراق نحو سوريا، ومنع الوصول نحو آبار النفط التي تسيطر هي عليها، وفي نفس الوقت تمنع تركيا من الانقضاض على قسد والتوسع في الشمال السوري، لا يمكن لها أن تتخلى عن قسد الذراع العسكرية لها في أرض الميدان السورية لتحجيم الدور الروسي الإيراني والدور التركي وإبقائه على ما هو عليه.

لا تريد تركيا أن تجعل الشمال السوري تحت سيطرة الميليشيات الموالية لإيران (النفوذ الإيراني) وذلك لأهداف أمنية واستراتيجية

تركيا والتي بكل تأكيد لن تقبل بمعادلة قسد التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية، لذا لا يمكن التصور بأن تقارباً تركياً أميركاً يمكن أن يحصل على حساب إيران وروسيا، ففي المفهوم الأمني التركي إيران وروسيا وحتى النظام حكومات سياسية يمكن التفاهم معها بينما قسد هي امتداد لتنظيم إرهابي لا يمكن الحوار معه أصلاً ولا بد من اجتثاثه، وأيضاً لا تريد تركيا أن تجعل الشمال السوري تحت سيطرة الميليشيات الموالية لإيران (النفوذ الإيراني) وذلك لأهداف أمنية واستراتيجية (كما فعلت في الشمال العراقي ودعمها للبرزاني)، ورغم محاولات روسيا جذب تركيا نحوها ونحو النظام السوري مقابل تسليم المناطق التي يسيطر عليها الجيش التركي للنظام إلا أن ذلك لم يتحقق.

يبقى الشمال السوري عقدة خلاف كبيرة تتناسب مع مساحته الكبيرة وأهميته بنفس الوقت، لما يتمتع به من خصائص تفيد هذه الدول، والتوافق بين هذه الدول أشبه بالمثل القائل صحيح لا تقسم ومقسوم لا تأكل وكل حتى تشبع.