الشق السوري في لقاء بوتين – فيدان

2024.06.15 | 05:20 دمشق

الشق السوري في لقاء بوتين – فيدان
+A
حجم الخط
-A

لا أحد يعرف تمامًا لماذا تأخرت القمة التركية الروسية التي يجري الحديث عنها منذ شهر شباط المنصرم في أنقرة وموسكو دون أن تتم. أشارت آخر التسريبات إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيتوجه للقاء نظيره التركي رجب طيب أردوغان بعد خروج البلاد من انتخاباتها المحلية التي جرت في أواخر شهر آذار الماضي، لكن الرئيس الروسي لم يحضر أيضًا.

الناطق باسم الرئاسة الروسية دميتري بيسكوف، باقٍ على موقفه "الاتصالات الدبلوماسية مستمرة بين المسؤولين في البلدين لترتيب موعد الزيارة"، حتى ولو بدأ الحديث مجددًا عن قمة روسية تركية في روسيا على هامش اجتماعات منصة أستانة في مطلع تموز المقبل.

استعاض الجانبان عن القمة التركية الروسية حتى الآن بأربعة لقاءات جمعت وزيري خارجية البلدين هاكان فيدان وسيرغي لافروف خلال النصف الأول من العام الحالي. لم يحضر بوتين بعد، لكنه استقبل وزير الخارجية التركي خلال وجوده في روسيا للمشاركة في قمة مجموعة البريكس قبل أيام.

قال مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف قبل أشهر "إن عملية التقارب السوري-التركي توقفت إلى حد ما، ويرجع ذلك بشكل أساسي إلى أن الجانب السوري يرى من الضروري الحصول على تأكيدات من الجانب التركي بأن القوات التركية الموجودة بشكل غير قانوني سيتم سحبها مستقبلاً".

أكثر من ملف ثنائي وإقليمي ساخن يستدعي استقبال بوتين للوزير فيدان. تطورات المشهد السياسي والأمني في الملف السوري على رأس الأولويات حتمًا.

قادت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة إلى تراجع الكثير من الملفات الإقليمية وبينها الملف السوري. كان بشار الأسد يؤكد في آب 2023، إثر لقاء جمعه مع وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، أن موضوع الانسحاب التركي من الأراضي السورية وحتمية حصوله هو شرط لا بد منه لعودة العلاقات الطبيعية بين دمشق وأنقرة. دمشق تستقوي بالدعم الإيراني، لكن مصدر حكومي عراقي كشف في الخامس من حزيران المنصرم عن اجتماع قريب بين مسؤولين أتراك وسوريين يمثلون النظام في العاصمة العراقية بغداد. هنا تبرز أيضًا أهمية وضرورة لقاء تركي روسي عاجل ورفيع، قد يلتقي مع ما أعلنه الكرملين حول أن بوتين اقترح على تركيا مواصلة العمل بصيغة أستانة لمواجهة "الحرب المشتركة ضد الإرهاب" في سوريا، وتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، "حتى يعود الوضع إلى طبيعته في هذا الاتجاه الذي هو الأهم بالنسبة لنا".

الجهود العراقية لا تبتعد كثيرًا عن هدف تفعيل خطة الطاولة الرباعية التي انطلقت قبل 3 أعوام دون نتيجة، لأن بغداد أيضًا توجد أمامها كضيف مراقب، ولأن وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، عدل في موقف دمشق من شرط انسحاب القوات التركية من شمال سوريا كشرط أساسي للحوار، إلى الاكتفاء بإعلان أنقرة استعدادها للانسحاب من الأراضي السورية.

كررت القيادات السياسية والعسكرية التركية رفضها إقامة "كيان إرهابي" على حدودها الجنوبية، وحذرت أنقرة العواصم التي تقدم الدعم لهذه المجموعات بأنها ستكون شريكًا في تحمل مسؤوليات نتائج وارتدادات ما يجري. بعد ذلك بأيام أعلنت قيادات "قوات سوريا الديمقراطية" تأجيل هذه الانتخابات إلى شهر آب المقبل، إثر التهديدات التركية بشن هجوم عسكري جديد على المنطقة، ونتيجة رفض واشنطن الخطوة. تقول "قسد" إن قرار التأجيل للمرة الثالثة، جاء استجابة لمطالب تحالفات سياسية مشاركة في العملية الانتخابية، "وحرصًا على تنفيذ العملية الانتخابية بشكل ديمقراطي"، وليس بسبب المواقف التركية والأميركية!

لا تعلن "قسد" عن إلغاء الانتخابات بل تقرر تأجيل موعدها. يراد من أنقرة أن لا تشعل جبهة شرق الفرات وأميركا ذاهبة لانتخابات رئاسية قادمة، لا تريد أن يكون للشق السوري أي تأثير على سيرها ونتائجها. بالمقابل، يتجاهل البيت الأبيض التعليق على قرار إرجاء موعد الانتخابات المحلية في شرق الفرات، وهو لا يسأل شريكه السوري عن أسباب رغبته بإبقاء الموضوع أمام الطاولة بانتظار "الظروف والأجواء المناسبة" التي تتحدث عنها واشنطن. الإجابة هنا قد تكون عند موسكو وربما لهذا السبب توجه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان للقاء بوتين على هامش اجتماعات دول البريكس.

التحضير مجددًا لاجتماعات الطاولة الرباعية المجمدة منذ أيار عام 2023 وحديث القيادات التركية عن "صيف ساخن" على جبهتي شمال العراق وسوريا قد يكونان في صدارة النقاشات التركية الروسية الأخيرة.

الصيف الساخن التركي لن يتوقف عند نسف خطة الانتخابات المحلية هذه المرة، بل عند نسف مشروع "قسد" السياسي والعسكري والاجتماعي بأكمله في شرق الفرات. المنزعج من التحرك التركي هو إسرائيل والنظام في دمشق. موسكو وواشنطن قد تساهمان في المقايضة التي قد ترضي أنقرة والتي قد تخرج قسد وطهران بين الخاسرين فيها.

تتحدث القيادات التركية عن صيف ساخن في مواجهة المجموعات الإرهابية على الحدود السورية والعراقية وعن عملية عسكرية مرتقبة لإنهاء مشروع "قسد" الانفصالي، وعن خارطة طريق معروفة حول الحل في سوريا "يتقدمها تنفيذ بنود قرار مجلس الأمن الدولي 2254، وإقرار دستور شامل وإجراء انتخابات حرة وتوفير بيئة تطبيع شاملة، تضمن أمن حدودنا بشكل كامل وعندها نبحث مسألة الانسحاب". بينما تحاول بغداد وموسكو استغلال أكثر من فرصة سياسية إقليمية وأمنية واقتصادية بينها التوتر الحاصل في شمال سوريا والعراق للتقريب بين أنقرة ودمشق وجمعهما أمام طاولة حوار سياسي وأمني مشترك.

تسعى موسكو أيضًا مثل بقية اللاعبين للاستفادة من انشغال أميركا بانتخاباتها الرئاسية هذا العام لتسجيل اختراق في الملف السوري. "قسد" منحتها هذه الفرصة وهي تعلن عن إرجاء موعد الانتخابات المحلية وليس إبطالها. فما هو المرتقب الآن: إعادة تفعيل الطاولة الرباعية؟ أم الرهان على أستانة معدلة؟ أم صناعة تفاهمات جديدة قد ترضي واشنطن وموسكو وتكون أبعد مما يدور في شرق الفرات؟ أم أن أردوغان سيعيدنا إلى ما قاله حول تمسك بلاده بإقامة "المنطقة الآمنة" على طول الحدود الجنوبية "لدينا استعدادات ستسبب كوابيس جديدة لأولئك الذين يعتقدون أنهم يمكن أن يجعلوا تركيا تستسلم من خلال إقامة إرهابستان على حدودنا السورية"؟

تدرك واشنطن أن موسكو لن تسهل لها أي تقارب مع أنقرة يكون على حساب روسيا في الملف السوري. الأوراق الروسية ما زالت الأقوى في سوريا. لن تسهل موسكو المقايضات التركية الأميركية في شرقي الفرات أيضًا، إلا إذا حصلت على صفقة سياسية مضمونة النتائج. المقايضة الأميركية الروسية قد تكون حول نفوذ طهران في سوريا لإرضاء تل أبيب. عملية عسكرية تركية في شرق الفرات قد تحظى بتجاهل البيت الأبيض عندما تتأكد واشنطن من أن إيران لن تخرج منتصرة في المعادلة التركية الروسية الجديدة. "قسد" قد تكون قربان العيد هنا، خصوصًا بعد الكشف عن تنسيق عسكري ولوجستي بين الميليشيات الإيرانية التابعة للحشد الشعبي وعناصر "حزب العمال الكردستاني" وتزويدها بأسلحة متطورة بمعرفة إيران وموافقتها، ردًا على تجميد الحوار الروسي الإيراني في سوريا.

أعلنت وزارة الدفاع التركية مؤخرًا عن التوقيع رسميًا مع الولايات المتحدة الأميركية على اتفاقية شراء مقاتلات "أف-16" التي تعتبر حلقة في ملفات تهدئة وتبريد الأجواء بين البلدين.

هل هي مجرد معايدة أميركية أم محاولة رد على لقاء بوتين – فيدان وما يمكن أن يسفر عنه من تفاهمات في الملف السوري؟ أم بداية صفقات ومقايضات حان موعدها في سوريا؟ واشنطن لا تريد أن تكرر تجربة أفغانستان في شرق الفرات، تحاول الوصول إلى تفاهمات وصفقات مع موسكو عبر اللاعب التركي أيضًا.