السوريون في تركيا وأحاديث العودة

2022.05.21 | 06:40 دمشق

ysbsybsy.jpg
+A
حجم الخط
-A

توصف سوريا اليوم في أدبيات اللجوء بأنها تمثل أكبر أزمة نزوح قسري في أنحاء العالم، حيث سجلت أرقام الأمم المتحدة 6،7 مليون مهجّر قسري داخلي ما زالوا يقيمون في الأراضي السورية، و6،8 مليون لاجئ خارجي انتشروا في بلدان مختلفة منها إقليمية ومنها بعيدة امتدت إلى الأميركيتين وأستراليا ودول الاتحاد الأوروبي، ويقيم بعض السوريين في عدد من الدول العربية تحت مسميات وصيغ قانونية مختلفة. وهذه الأعداد الكبيرة غادرت سوريا لأسباب عدة ما زال معظمها قائماً، أما أحاديث عودة المهجرين والترويج لها فليس جديداً بل بدأ تقريباً مع بداية عام 2017 متزامناً مع انحسار المواجهات العسكرية واتفاقيات خفض التصعيد واستعادة النظام الحاكم سيطرته على العديد من المدن والقرى بعد أن دمرها وهجّر سكانها ونهب ممتلكاتها مستعيناً بشذاذ الآفاق من ميليشيات طائفية ومرتزقة روسيا وإيران.

أما تقديرات الأمم المتحدة لأعداد العائدين طوعياً إلى سوريا بين عامي 2016 – 2021 فتبلغ 279684 لاجئاً، وعرَّفت العودة الطوعية بأنها تعني: "عندما يتخذ اللاجئ قرار العودة يكون قراراً حراً ومستنيراً بالعودة إلى بلده الأصلي بأمان وكرامة" وبالإشارة إلى العديد من الدراسات والجهود المبذولة لدراسة واقتراح الحلول والسناريوهات لعودة النازحين فقد برزت ثلاثة سيناريوهات للعودة وهي:

الأول – العودة المستدامة للمكان الأصلي للشخص النازح أو المُهجّر.

الثاني – الاندماج المحلي المستدام في المنطقة التي نزح إليها الشخص النازح أو المُهجّر.  

الثالث - إعادة توطين في بلد ثالث آمن عبر مكاتب وبيروقراطية الأمم المتحدة.

وأما بعد مرور عقد من الزمن على قضية السوريين واستعصاء الحل الجذري والشامل فالسياق السياسي والصراع يقيّدان المتابعة في أي مسار من المسارات السابقة باستثناء إعادة التوطين وعلى نطاق محدود وفي سياق زمني بطيء.

الوصف القانوني للسوريين في تركيا: عندما تدفق السوريون عبر الحدود المفتوحة إلى تركيا فارين من الموت والدمار في النصف الثاني من عام 2011، لم يخطر ببال أحد أنهم سيقيمون عشر سنين أو سيبلغ عددهم قرابة 3،6 مليون شخص في مختلف الولايات التركية، ووصف مؤشر الضغط للسوريين لسنة 2019، الذي يصدر بالتعاون مع مفوضية شؤون اللاجئين في تركيا، اللاجئَ السوري بأنه “لاجئ مدن”، حيث يعيش 61.781 سوريًّا فقط في المخيمات ومراكز الإيواء، أي ما نسبته 1،7% فقط من أصل 3625520، وقد توزعوا في المدن التركية باحثين عن فرصة لكسب العيش، ولذلك ثمة ارتباط شديد بالوضع القانوني للسوريين ونوع الإقامة التي يحصلون عليها.

إن الوضع القانوني لوجود السوريين في تركيا يُعدّ من أكثر المواضيع التي أثارت مفاهيم مغلوطة، وصوّرت مواقف غير موضوعية لدى الرأي العام للمجتمع المضيف

لقد دارت الكثير من الحوارات والنقاشات في المواضيع المتعلقة بإشكالية، وصف هذا الوجود للسوريين المتأرجح بين الحالة القانونية والحالة الإنسانية والمجتمعية، ويجب أن نقول بموضوعية إن انتقال هذه المجاميع البشرية عبر الحدود، خلال فترة زمنية قصيرة، سيواجه العديد من التحديات من جهة المجتمع المضيف والأوعية القانونية والإدارية والقدرة على التعامل مع هذه الحالة المفاجئة للجميع، ومن جهة الفارّين وتحدياتهم النفسية والمعنوية والاجتماعية والقانونية والاقتصادية، ومحدودية القدرة للوصول إلى تعايش واندماج مع المجتمع المضيف ضمن الظروف الموضوعية لكلا الطرفين، والذي زاد الطين بِلة هو عملية التعاطي مع هذه التحديات، ونقلها وتحليلها عبر منصات إعلامية وبحثية مختلفة بصورة غير موضوعية، فقد وقعت في فخ التجاذبات والآراء السياسية في أوساط المجتمع التركي المضيف، وسهّل ذلك عملية تسويق بعض الأفكار والانطباعات المغلوطة عن السوريين من نواح عديدة. إن الوضع القانوني لوجود السوريين في تركيا يُعدّ من أكثر المواضيع التي أثارت مفاهيم مغلوطة، وصوّرت مواقف غير موضوعية لدى الرأي العام للمجتمع المضيف، وكذلك شوشت أفكار السوريين أنفسهم، فهم لم يعودوا يعرفون أهم لاجئون، أم ضيوف يتمتعون بحماية مؤقتة، أم مقيمون إقامة إنسانية، وماذا يترتب على كل وصف من هذه الوصوفات.

يصنف القانون التركي وجود الأجانب القادمين من خارج تركيا في أربع حالات تصنيف:

لاجئ: وتشمل القادمين من دول مجلس الاتحاد الأوروبي.

لاجئ مشروط: وتشمل القادمين من خارج دول مجلس الاتحاد الأوروبي.

الحماية الثانوية: كل الأجانب الذين يستوفون الشروط ولا يدخلون ضمن تصنيف لاجئين.

الحماية المؤقتة: مواطنو الجمهورية العربية السورية + المجموعات والأفراد الذين يجتازون الحدود على شكل هجرات جماعية ولا يتم تقييم طلباتهم الفردية، إذاً وفق قانون الحماية الدولية لعام 2013 وتنظيم الحماية المؤقتة عام 2014 يقع وجود السوريين في صيغة "الحماية المؤقتة" لا في صيغة اللجوء، وبذلك ترتب على السوري واجبات اللاجئ من ناحية الاندماج وتعلم اللغة والمساهمة المجتمعية دون تمتعه بحقوق اللاجئ وفق معايير القانون الدولي.

أحاديث العودة: مما لا شك فيه أن الطروحات المتصاعدة حول عودة السوريين وشكل هذه العودة وآلياتها، لا يمكن فصلها عن سياقات سياسية دولية وإقليمية من ناحية وكذلك التجاذبات السياسية في الداخل التركي مع اقتراب مواعيد الانتخابات، ولا سيما أن بعض الأحزاب ومنصاتها الإعلامية جعلت من ملف السوريين في تركيا برنامجها الانتخابي الوحيد من خلال ربط وجود السوريين بالمشكلات الاقتصادية وتداعياتها على المجتمع التركي وتصويرهم بالعبء الذي ما إن يزول حتى تزدهر الحياة الاقتصادية من جديد، متجاهلين الجوانب الموضوعية الأخرى لهذه القضية.

وما زاد القلق لدى السوريين هو صدور التصريح عن مشروع العودة عن أعلى المستويات السياسية في الدولة، وإعلان برنامج زمني يترافق مع خارطة طريق وتحديد نقاط ومناطق بعينها، وفي ظل عدم سلامة العلاقة بين مؤسسات المعارضة السورية الرسمية مع السوريين وغياب الشفافية والوضوح والمصداقية، فقد أثارت هذه الأحاديث في خلد السوريين العديد من التساؤلات وأبرزها:

1 – ما هو دور مؤسسات المعارضة السورية الرسمية في مشروع العودة؟

2 – ما هي معايير اختيار العائدين؟

3 – ما مدى واقعية تحقيق هذا المشروع من ناحية الجهد والمال والوقت؟

4 – ما هو دور المجتمع الدولي عبر مؤسساته المختلفة في هذا المشروع؟

5 – هل البيئة في المناطق المحددة أصبحت مهيأة من الناحية الأمنية والاقتصادية والاجتماعية لضمان نجاح العودة؟

وهكذا لا يهدأ للسوري بال ما لم تنتهِ هذه العذابات عبر حل جذري شامل باقتلاع النظام الحاكم، وابتعاد شبح الاعتقال وكابوس "مجزرة التضامن" الذي تكرر في جميع مناطق سوريا المحتلة مما يحقق عودة آمنة لجميع المهجرين السوريين.