السواحل السورية وجيوبولتيك البحر الأسود

2022.12.24 | 06:49 دمشق

السواحل السورية وجيوبولتيك البحر الأسود
+A
حجم الخط
-A

في عام 1890 قام الأدميرال الأميركي ألفريد ثاير ماهان بنشر كتاب بعنوان "فعالية قوة البحار بين عامي 1660-1783" ذلك الكتاب الذي فتح آفاقاً جديدة في الولايات المتحدة والعديد من البلدان، حيث طرح في الفصل الختامي من كتابه أطروحة مفادها أن "مفتاح الهيمنة على العالم يكمن في التحكم في الممرات البحرية"، وأنه يجب أن يأخذ كل مشروع بحري لكل الدول القوية مساحة كبيرة في الدبلوماسية وفي حدود الموارد الوطنية أيضاً، وأن الدول التي لا تفعل ذلك كأنها تشيد صرحاً على أرض زلقة.

في القرن الحادي والعشرين تكونت مراكز القوة الجديدة في العالم في منطقتي آسيا والمحيط الهادئ، ولكن هذا الوضع تسبب في زيادة الحجم الجيو اقتصادي في المنطقة مما أعطى زخماً جديداً للتجارة البحرية، وهذا بدوره انعكس طرداً على حركة التجارة والأمور العسكرية والسياسة، وقد أدى هذا الانعكاس إلى تطورات أثرت على التوازنات الجيوسياسية في الوقت الراهن مما سيؤدي إلى إعادة تشكيل العلاقات بين مراكز القوى العالمية مستقبلاً، فاليوم أصبحت البحار والطرق البحرية عنصرًا مهمًا في المنافسة الجيوسياسية، وباتت الدول تدرك هذا وراحت الجهات الفاعلة العالمية تعد مبادراتها وتوجهاتها الاقتصادية والسياسية والعسكرية إلى حد كبير من خلال طرق النقل البحري.

البحر الأسود ممر هام للطاقة يتم من خلاله نقل النفط والغاز الطبيعي من الاتحاد الروسي والقوقاز وبحر قزوين إلى الأسواق العالمية

سلط اعتراف روسيا بمنطقتي دونيتسك ولوغانسك في أوكرانيا الضوء مرة أخرى على الأهمية الكبيرة للبحر الأسود. فهو يتمتع بأهمية جيوسياسية وجيوستراتيجية، فموقعه الجغرافي شديد الأهمية جعله يوفر فرصًا للتوسع في البلقان وبحر قزوين والقوقاز والشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط. علاوة على ذلك فإن البحر الأسود ممر هام للطاقة يتم من خلاله نقل النفط والغاز الطبيعي من الاتحاد الروسي والقوقاز وبحر قزوين إلى الأسواق العالمية، ومعظم الاحتمالات بأنه هو نفسه مصدر كبير للطاقة الهيدروكربونية، وبما أنه ممر هام للطاقة فهو بذلك يزيد في العلاقات والترابط بين البلدان الموردة للطاقة والبلدان التي تطلبها، وهذا بحد ذاته توسع لنفوذ الدول المصدرة الذي لا يرغب به الغرب.

لا تكتمل الأهمية الجيوستراتيجية للبحر الأسود ما لم يتم ربطه بالبحار الأخرى وهذا الارتباط يحتاج لقواعد عسكرية وغير عسكرية موجودة في تلك البحار، حتى لا يبقى هذا البحر منغلقاً على نفسه في الأهمية الاستراتيجية، ولذلك تسعى روسيا لإيجاد قواعد عسكرية في البحر المتوسط الذي يُعتبر ربما الأهم من بين باقي البحار من أجل توفير هذا التواصل، وخاصة أن أهم المنافذ البحرية للبحر الأسود تقع في تركيا المنافس الاستراتيجي الأقوى لروسيا، التي احتاجت تلك الأخيرة لقواعدها على السواحل السورية كحجة قوية وقانونية من أجل استخدام تلك المنافذ بعد أن أغلقتها تركيا وفق معاهدة مونيترو، فكانت السواحل السورية ليست فقط نقاطا استراتيجية تستند إليها روسيا من أجل التوسع الاستراتيجي، بل كانت طوق نجاة لها لمرور سفنها ولو باتجاه واحد من الشمال الأسود نحو الجنوب الأبيض، أضف إلى ذلك الموقع الجغرافي الهام للسواحل السورية التي ترصد السواحل الإسرائيلية والتركية والقبرصية التي توجد فيها قواعد بريطانية وطبعاً من خلفهم الوجود الأميركي في الجزر اليونانية وبهذا تكون لروسيا نقطة متقدمة باتجاه منافيسها في البحر المتوسط فإذا استطاعت زيادة وجودها في سواحل أخرى فإنه أكبر رد على الناتو الذي يزيد من حصاره لها عبر البلطيق وأوروبا الشرقية.

مع بدايات القرن الحادي والعشرين بدأت أهمية البحار تزداد بشكل كبير وملحوظ وراحت تحتل مكانة مهمة للدول وعلى وجه الخصوص في الاقتصاد والتجارة العالمية

البحار والمحيطات على مر العصور عنصر مهم في خدمة البشرية سواء عبر مرافق النقل أو الموارد الحية وغير الحية، ولكن مع بدايات القرن الحادي والعشرين بدأت أهمية البحار تزداد بشكل كبير وملحوظ وراحت تحتل مكانة مهمة للدول وعلى وجه الخصوص في الاقتصاد والتجارة العالمية فعبر تلك البحار والموانئ يتم تنفيذ جزء مهم وكبير من حركة التجارة الدولية، لذلك يعد أمن الطرق البحرية مهماً للغاية لما تلعبه تلك الطرق من دور حاسم في السياسات الخارجية للدول في العصر الحالي وفي المستقبل.