السعودية وقلب الموازين

2022.06.02 | 04:36 دمشق

السعودية
+A
حجم الخط
-A

تعود المملكة العربية السعودية بثقلها إلى الميدان. تكفي العودة المعنوية إلى التغيير في المزاج السياسي وموازينه، ثمة يقين لدى القوى الإقليمية والدولية ألا حلول في منطقة الشرق الأوسط من دون السعودية والتي اختارت قبل فترة الانكفاء للاهتمام بشؤون وأولويات داخلية وأخرى تطول الأمن القومي مثل التعاطي مع الوضع المصري، في العام 2011، والتعاطي مع حرب اليمن والانعكاسات التي نتجت من ذلك على سوريا ولبنان والعراق.

طوال السنوات الماضية عملت السعودية على تثبيت مواقعها في الداخل أولاً، وبعدها في مصر والبحرين، وصولاً إلى اليمن. حالياً تعود السعودية إلى آفاقها الرحبة في دول مختلفة من باكستان إلى تركيا ولبنان والعراق وسوريا.

لا حاجة للحديث عن استراتيجية السعودية وأساسيتها في سوق النفط العالمي وتأثيراته، فهذا أمر أيقنته الولايات المتحدة الأميركية قبل غيرها، لا سيما بعد فشل واشنطن بالبحث عن بدائل على إثر الحرب الروسية الأوكرانية. تلك الحاجة والضرورة تدفع بواشنطن إلى البحث عن إعادة ترتيب العلاقات مع السعودية.

الرياض تغيّرت ولم تعد تطبق سياسة سابقة تتعلق بالدفع السلف، أصبح كل ما يتوجب دفعه أن يكون مقابله حاضراً وجاهزاً في السياسة أو في الأمن أو المال والاقتصاد والاستثمارات

فالرياض تغيّرت ولم تعد تطبق سياسة سابقة تتعلق بالدفع السلف، أصبح كل ما يتوجب دفعه أن يكون مقابله حاضراً وجاهزاً في السياسة أو في الأمن أو المال والاقتصاد والاستثمارات، وهذا جزء من استراتيجية رؤية 2030 التي لا تتعلق فقط بتحولات اجتماعية داخلية أو استثمارية واقتصادية، ولا تقتصر على التركيز على مبدأ السياحة.، إنما هو مشروع استراتيجي متكامل يبدأ من العلاقة مع الولايات المتحدة، والموازنة مع روسيا والصين، كنفس المسار الذي سلكته واشنطن في محطات عديدة لإمساكها العصا من الوسط بين دول الخليج من جهة وإيران من جهة أخرى، وهي سياسة فتحت طريق الدول العربية أمام طهران الطامحة لبسط سيطرتها ونشر مشروعها.

ما تريده واشنطن استراتيجياً هو تخفيض سعر النفط العالمي، وهو أمر تقدر السعودية وحدها على تحقيقه، ولكن لن يمرّ دون مقابل سياسي يبدأ في التفاوض على الملف النووي مع إيران وعدم رفع العقوبات عن الحرس الثوري الإيراني، ويرتبط بتحقيق أهداف ومكاسب في اليمن، والعراق، وسوريا ولبنان.

ذلك كله ممكن دون قطع العلاقة مع روسيا أو الخروج عن الالتزام بالاتفاق بين دول أوبك، فيمكن تخفيض سعر النفط مقابل الاحتفاظ بالعلاقة مع روسيا والصين، وهنا يمكن تعزيز الموقف أكثر في البحث عن علاقة أكثر استراتيجية مع الولايات المتحدة. وهو ما يفترض أن يتحقق من خلال ترتيب زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى المملكة.

في مسار آخر عملت السعودية على تحقيق مكسب سياسي في العراق من خلال انتزاع الأكثرية من حلفاء طهران، وهو أمر تحقّق في لبنان أيضاً، ولكنه يحتاج إلى استكمال المسار للبناء عليه ومراكمته لتحقيق النتائج السياسية المطلوبة.

لا يمكن إغفال تحسين العلاقات مع تركيا، والتنسيق السياسي والأمني والعسكري، وهو أمر ينطوي على توقيع اتفاقيات صفقات تسلح، ولا بد من استثماره في سوريا أيضاً

لا يمكن إغفال تحسين العلاقات مع تركيا، والتنسيق السياسي والأمني والعسكري، وهو أمر ينطوي على توقيع اتفاقيات صفقات تسلح، ولا بد من استثماره في سوريا أيضاً، لا سيما أن السعودية الرافضة لإعادة تعويم النظام السوري نظراً إلى يقين قائم باستحالة إخراجه من الحضن الإيراني، فإن العلاقة مع تركيا ستفتح آفاقاً استراتيجية بعيدة المدى تتعلق بإعادة إنتاج المجلس الاستراتيجي الذي جرى الاتفاق على تأسيسه في 2015 بين البلدين، وهذا ما سيعود بنتائج سياسية ذات منافع على البعد الاستراتيجي والحضور في المنطقة وتعزيزه.

تمسك السعودية بأوراق كثيرة قادرة على استخدامها لإعادة تعزيز حضورها على الساحة العالمية والإقليمية بالأخص، وهذا يرتكز على الانتقال من فكرة الرهان على الآخرين إلى تحجيم النفوذ الإيراني من دون طرح البديل، أو كشرط لإعادة تعزيز النفوذ الخليجي أو السعودي في أي دولة معينة.

تلك الأوراق ستكون قادرة على فرض الحضور والتأثير من دون الارتكاز على أي قوة أخرى لتحجيم النفوذ الإيراني، إنما من خلال بناء نفوذ آخر مواجه له، وهذا عندما يتوفّر سيكون كفيلاً بالمواجهة السياسية مع امتلاكه لمقومات أكبر على صعيد الخدمات والإنماء وفي المجالات الاجتماعية والاقتصادية، بالنظر إلى ضرورة التكامل بين المسار السياسي المرتبط بالموقف العام والواضح، والمسار الخدماتي المرتبط بالإنماء والمشاريع الاستثمارية في ظل انعدام القدرة الإيرانية على توفير الجانبين معاً.