icon
التغطية الحية

السخرية السياسية في حكايات الحيوان (1 من 2)

2024.04.06 | 19:05 دمشق

846dfggh
+A
حجم الخط
-A

لو دقق الإنسان جيدًا لوجد أن أقرب مخلوق إليه وأشبهه به هو الحيوان، ولا سيما من ذوات الأربع، من حيث هيئته الجسمـانية ووظائفه الفيزيولوجية وسلوكه وطعامه وشرابه وتزاوجه وتكاثره وعلاقاته الاجتماعية. ولذلك قال أرسطو إن الإنسان حيوان اجتماعي بطبعه.

وكما ينقـسم البشـر إلى شعوب وقبائل، كذلك ينقـسم الحيوان إلى أنواع ومراتب. ومنذ القدم، كان الحيوان رفيق الإنسان في حِلِّه وترحاله، أو حليفَه في السلم والحرب، ومصدرَ غذائه وشرابه ولباسه وأثاثه وسكنه، وأحيانًا يكون مُعينَه على كسب الرزق أو حارسَ أمنه أو وليفَه. ولذلك يمكن القول إن الحيوان، بهذه الصفة، هو توأم الإنسان وعَشيرُه. ولكن كانت الكواسر من الحيوانات إلى وقت قريب من جملة الأخطار التي تهدد حياة الإنسان، كما كان الإنسان عدوًا لكثير من الحيوانات، الكاسرِ منها والمتوحشِ والأليفِ. ولذلك اتسمت علاقة الإنسان مع الحيوان بالصـراع والتصادم أحيانًا. وسواء أكانت العلاقة بين هذين المخلوقين علاقة تَوادٍّ أم تنافر، فهي في الحقيقة لا تختلف كثيرًا عن علاقة الإنسان بأخيه الإنسان. وأخيرًا لا بد من الإشارة إلى أن الإنسان عالة على الحيوان: فبينما يستطيع الحيوان أن يستغني عن الإنسان بالمطلق، لا يستطيع الإنسان أن يستغني عن كل الحيوانات.

ومن مظاهر اعتماد الإنسان على الحيوان توظيفه له في الخطاب الأدبي والفني، كما تدل على ذلك المدونات التاريخية والجداريات البدائية والمنقوشات. ولذلك لا نستغرب إن احتل الحيوان المرتبة الثانية بعد الإنسان في الخطاب اليومي والأدبي، سلبًا أو إيجابًا. فالحيوان في هذا الخطاب، سواءٌ أكان عدوًا أم صديقًا، يمثل نمطًا سلوكيًا بشـريًا محمودًا أو مذمومًا، فيصبح جديرًا بالثناء أو بالهجاء، إما قمينًا بالتحبب أو بالاحتقار. وأيًّا كانت الصفة التي تُعطى له في الخطاب الأدبي، فهو يؤدي وظيفةً يُسندها إليه الأديب ليوجه من خلالها إما النقد الاجتماعي وإما السياسي لمجتمعه. ولهذا يكون رسم الشخصيات الحيوانية عمومًا رسمًا نمطيًا يستند على الموروث الثقافي المحلي، بحيث يمثل الثعلب صفة المكر، والأسد صفة الشجاعة وشدة البأس والبطش، والحصان صفة النبل والشهامة، والحمار صفة الغباء أو الصبر، والكلب صفة الوفاء أو الغدر، إلخ.(1)

***

كان إيسوب (560-620 ق. م.) عبدًا مملوكًا لمواطن إغريقي من جزيرة سامُس يدعى إيادمُن. سافر إيسوب إلى أثينا بعد أن أعتقه سيدُه، لما فيه من نباهةٍ وحكمةٍ ساعدته على حل خصوماته مع أعدائه. وهناك راح يدافع عن عامة الناس، مستخدمًا حكاياته التي وضعها على ألسنة الحيوان، لفضح الطغاة وظلمهم. فما لبث أن ذاع صيته، فأثار هذا ذُعرَ بايستراتوس، حاكمِ أثينا المستبد والعدو اللدود لحرية التعبير. وفي عام 560 قبل الميلاد، حُكِم على إيسوب بالموت بتهمة التجديف، فأُلقي به من فوق جُرف في هيبانيا.

وسأكتفي بإيراد حكايتين دالتين على طغيان الأسد، ملك الغاب. تقول الحكاية الأولى:

في يوم من الأيام ذهب الأسد والحمار والثعلب للصيد معًا، واتفقوا على تقاسم أي شيء يصطادونه. وبعد أن اصطادوا ظبيًا هائلًا، قرروا أن يتنعموا بغنيمتهم. فطلب الأسد من الحمار أن يُقَـسِّم الغنيمة. وبعد أن قسمها الحمار إلى ثلاث حصص متساوية، طلب من صديقيه أن يختارا. فغضب الأسد غضبًا شديدًا ومزّق الحمار إربًا إربًا. ثم طلب من الثعلب أن يقـسم الغنيمة، فجمع الثعلب كل شيء في كومة هائلة، وأبقى لنفسه حصةً ضئيلةً جدًّا.

فسأله الأسد، "قل لي يا صديقي، مَن علَّمك أن تقـسم الأشياء بهذا التساوي؟"

أجابه الثعلب، "لم أعد بحاجة إلى معلِّمٍ بعدما رأيت مصير الحمار!"

أما الحكاية الثانية فمغزاها مألوفٌ لكل من ذاق ويلات الاستبداد واحتكار السلطة وثروات البلاد:

خرج أسدٌ مع مجموعة من الوحوش في رحلة صيد، وبعدما اصطادوا أيلًا سمينًا رشَّح الأسد نفسه لتقسيم الأيْلِ. قـسَّم الأسدُ الأيلَ إلى ثلاث حصص، واحتفظ بالحصة الكبرى لنفسه قائلًا، "أحتفظ بهذه لنفـسي لأنني ملكُ الغاب، وبالثانية لأنني شاركت بنفسـي في الصيد، أما هذه فليأخُذها من يجرؤ!".

وبعد أن ترجم عبد الله بن المقفع كتاب «كليلة ودمنة» من البهلوية الفارسية إلى العربية نحو سنة 750 ميلادية، صار لدينا رصيدٌ رمزي من حكايات الحيوان يوازي حكايات إيسوب. والكتاب أصلًا من تأليف الحكيم الهندي بيدبا يضمنه موضوعات عن العلاقة بين الحاكم والمحكوم. ومن أبرز شخصيات الكتاب الأسد وخادمه الثور شَتْرَبة. تقول مقدمة الكتاب إنه بعد اجتياح الإسكندر المقدوني لبلاد المشـرق الأقصـى، عيَّن الإسكندر أحد أتباعه ملكًا على الهند. لكن الهنود خلعوه وعينوا بدلًا منه دَبْشَليم. لكنَّ هذا ما لبث أن صار طاغيةً مستبدًا بعد أن كان حاكمًا رحيمًا. ذهب إليه الحكيم بَيْدَبا وقدّم له النصح، فغضب الملك وقرر قتله. لكنه اكتفى بحبسه. وبعد مدة، أخرجه من السجن، وطلب منه أن يعيد عليه ما قد قاله من قبل، فوضع الحكيم نصائحه للملك دَبْشَليم على هيئة قصص على لسان الحيوان.

وهناك من يرى أن «كليلة ودمنة» من تأليف ابن المقفع نفسه، وإنما ادَّعى ترجمتها ليُبعد التهمة عن نفسه مخافةً عليها من بطش الخليفة المنصور، حيث يوجد شبهٌ كبيرٌ بينه وبين طاغية الهند دَبْشَليم، وكأن ابن المقفع أراد أن يتلطف لتقديم النصح للمنصور بصورة غير مباشرة من خلال الحكاية المَثَلية. وأيًّا كان الأمر، لم ينجُ ابن المقفع في نهاية المطاف من البطـش. وكما قُتِل سلفُه إيسوب بتهمة التجديف الباطلة، لُفِّقت لابن المقفع تهمة الزندقة، للتغطية على السبب الحقيقي لقتله، فقُتِل على يد والي البصـرة سفيان بن معاوية بن يزيد بن المهلب بن أبي صُفرة بإيعاز من المنصور.

وبالتوازي مع نشأة الوظيفة الرمزية والسياسية الجديدة للحيوان، تزايد المُلْكُ العَضوضُ واستبدادُ الحُكّام وبطشُهم بالمعارضين لهم، ولو بقولٍ أو قصيدةِ هجاء. فنشأت ظاهرة التكسب بالشعر من خلال تزلف الشعراء لدى أهل الحكم والسطوة والمال، فصار الشاعر أقرب ما يكون إلى المتسول أو المهرج،(2) ولم ينجُ من السقوط في هذا الحضيض إلا قليلٌ من الشعراء. وهذه الوظيفة الطارفة استوجبت ابتكار النكتة والطرفة والتهريج للترويح عن الحاكم إلى أن يقع على قفاه أو يفحص الأرض بقدميه من شدة الضحك، كما تقول كتب تراثنا العربي بعباراتٍ مُعَلَّبةٍ مَمْجوجةٍ. وليس أدل على هذا مما فعله بشار بن بُرد مع الخليفة العباسي المتوكل على الله وهو يلفق له حكايةً عن حماره الذي مات. يقول ابن بُرد إن حماره هذا، "كان أعقل من القضاة، ولم تكن له جريمة ولا زلة، فاعتل على غفلةٍ، فمات. فرأيته فيما يرى النائم، فقلت له يا حماري، ويلك، ما لك مُتَّ؟ ألم أبرِّد لك الماء، وأنقي لك الشعير، وأُحْسِن إليك جَهدي؟ فَلِمَ مُتَّ غفلةً وما خبرك؟" ومن خلال الحوار بين الحمار وصاحبه يتضح لنا أن الحمار لم يمت من قلةٍ في الطعام أو في الشـراب، بل من شدة الهيام بأتانٍ – أنثى الحمار – كان قد رآها مصادفةً عند باب العَطار يومًا. وحين يسأل ابن بُرد حماره إن كان قد قال شعرًا في عشقه هذا المميت، يُنْشِده الحمارُ هذه الأبيات:

هام قلبي بأتانِ
 

عند باب الصيدلاني
  

تَيَّمَتْني يومَ رُحْنا
 

بثناياها الحِسانِ
  

ذاتُ غُنْجٍ ودَلالٍ
 

سَلَّ جِسمي وبَرَاني
  

ولها خَدٌّ أسيلٌ
 

مثل خَدِّ الشيْفَران
  

يسأل المتوكل، أو بعضُ الحاضرين، المُهَرِّجَ ابن بُرد، "ما الشيفران، يا أبا معاذ؟" فيقول، "هذا من غريب لغة الحمير، فإذا رأيتم حمارًا فاسألوه."(3) فكانت النتيجة المأمولة: ضحك الخليفة حتى وقع على قفاه، ثم أمر للمهرِّج بعطاءٍ مُجزٍ من بيت مال المسلمين! ومع ذلك لم تخلُ مُلْحة ابن بُرْد من توجيه النقد للقضاة، على سبيل المثال. فالحمار أعقل منهم، وهو بلا جريمة أو زلَّة، فيموت من شدة العِشق، بلا ذنب أو جريرة، بينما القضاة المذنبون، فيما يبدو، يسـرحون ويمرحون بلا حسيب أو رقيب. ومبلغ الدلالة في زعم ابن بُرْد أن حماره كان أعقل من القضاة، وهم من رجالِ الدولة وحُماةُ شريعتها ومطبقو عدالتها، هو أنه لم يستطع أن يُمرر ذلك النقد إلا في إطارٍ من التهريج والتزلف لرأس تلك الدولة.

بينما نجد أن المعرّي، الذي خالف كل من سبقوه في كل شيء تقريبًا حتى في رفضه الرثاءَ، يمتدح شجاعةَ الديك وإقدامَه في زمن تكاثرت فيه الهزائم وأصبحت مستساغةً لدى المتخاذلين:

يُزانُ لَدَيْكَ الطَعْنُ في حَومَةِ الوَغى
 

إِذا زُيِّنَت لِلعاجِزينَ الهَزائِمُ
  

ولذلك يتمنى المعري، الذي كان نباتيًّا، ألا يُذبَح مثل هذا البطل المِغوار حتى ولو كان من أجل إفطار صائم:

ولو كنتَ لي ما أُرْهِفَتْ لكَ مُدْيَةٌ
 

ولا رامَ إفطارًا بك صائمُ
  

ولعل الشاعر التونـسي أبا القاسم الشابي كان أول من دشَّن في القرن العشـرين توظيف حكاية الحيوان في الأدب السياسي الساخر. ففي قصيدة "فلسفة الثعبان المقدس" ينتقد الشابي سياسة الإدماج التي كانت تنتهجها فرنسا لهـضم مستعمراتها في آسيا وإفريقيا. يستهل الشابي قصيدته بصورة رومنسية حالمة لمستعمَرة هانئة:

كانَ الربيعُ الحَيُّ روحًا، حالمًا
 

غضَّ الشَّبابِ، مُعَطَّرَ الجلبابِ
  

يمـشي على الدنيا بفكرة شاعرٍ
 

ويطوفها في موكبٍ خلاَّبِ
  

والشّاعرُ الشَّحْرورُ يَرْقُصُ، مُنْشِدًا
 

للشمس، فوقَ الوردِ والأعشابِ
  

شعْرَ السَّعادة والسَّلامِ، ونفسهُ
 

سَكْرَى بسِحْر العالَم الخلاّبِ
  

وفجأة يتغير المشهد:

ورآه ثعبانُ الجبالِ، فَغَمَّه
 

ما فيه من مَرَحٍ وفيْضِ شبابِ
  

وانقضّ، مضْطَغِنًا عليه، كأنَّه
 

سَوْطُ القضاءِ ولعنةُ الأربابِ
  

يصحو الشحرور من غفلته ويدرك الحقيقة:

ولتشهدِ الدنيا التي غَنَّيْتَها
 

حُلْمَ الشَّبابِ وَرَوعةِ الإعجابِ
  

أنَّ السَّلاَمَ حَقِيقةٌ مكذوبةٌ
 

والعَدْلَ فَلْسَفَةُ اللّهيبِ الخابي
  

لا عَدْلَ إلا إنْ تعَادَلَتِ القوَى
 

وتَصَادَمَ الإرهابُ بالإرهاب
  

يوبخه الثعبان على ثورته، ثم يتهمه بأنه غِرٌّ ثرثار ولا يعرف أنه، أي الثعبان، إلهٌ طالما عبد الورى ظله، ولذلك يُذكِّره:

وَسَعَادةُ النَّفسِ التَّقيَّة أنّها
 

يومًا تكونُ ضحيَّةَ الأَربابِ
  

ثم يتابع الثعبان تعداد مزايا حلول الشحرور في بطنه بدعوى أنه سيكسب الخلود من جراء ذلك.(4) ولكن الشحرور لم يعد حالمًا رومنسيًا يمكن أن يُخدع بمعسول الكلمات، فيرد على الثعبان وهو في غُصَص الردى:

لا رأي للحقِّ الضعيفِ ولا صدىً:
 

الرَّأيُ رأيُ القاهرِ الغلاّبِ
  

فافعلْ مشيئَتكَ التي قد شِئتَها
 

وارحم جلالَكَ من سماع خطابي
  

وكذاك تتَّخَذُ المَظَالمُ منطقًا
 

عذبًا لتخفي سَوءَةِ الآرابِ
  

بين شهر تـشرين الثاني 1943 وشباط 1944 عكف الروائي البريطاني جورج أورْوِل على كتابة رواية قصيرة بعنوان «مزرعة الحيوان». كان الاتحاد السوڤييتي حليفًا لبريطانيا في الحرب العالمية الثانية، وكان جوزيف ستالين موضع إعجاب وتقدير لدى عموم البريطانيين ومثقفيهم. وهذا ما أغضب جورج أورْوِل الذي عرف الشيوعيين من كثب خلال الحرب الأهلية الإسبانية. ولذلك قرر أن يكتب، بطريقة رمزية، عن الثورة البلشفية منذ ما قبل ثورة أكتوبر 1917 حتى العهد الستاليني. رفض عدد من الناشرين البريطانيين والأمريكيين نشـر الرواية، ما أخر صدورها حتى ظهور بوادر الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوڤييتي مع نهاية الحرب العالمية الثانية.

تحكي الرواية عن ثورة يقودها خنزيران واحد اسمه سنوبول والثاني نابليون. يعلن هذان الزعيمان عن نيتهما تأسيسَ مزرعة مثالية للحيوان، بعد أن نجحا في طرد صاحبها السيد جونز، ويضعان لها دستورًا قائمًا على المذهب الحيواني animalism الذي يتلخص بسبع وصايا، أهمها "جميع الحيوانات متساوية." لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السُّفن. إذ تتعرض المزرعة لكثير من النكسات، ويدب الخلاف بين الخنزيرين، ويتهم نابليون رفيقَ دربه القديم سنوبول بالتآمر على المزرعة، ويطرده منها، تمامًا كما فعل ستالين برفيق دربه ليون تروتسكي. وسبب طرد سنوبول هو صعود نجمه بعد استبساله في معركة "حظيرة البقر" ضد السيد جونز الذي حاول استرداد مزرعته من مغتصبيها الخنازير. وشيئًا فشيئًا يتحول نابليون إلى دكتاتور لا يأمن على حياته من رفاقه لولا حماية بعض الكلاب الشرسة، ولا سيما بعد حملات التطهير والتصفية التي يشنها ضد أي حيوان يشك في ولائه المطلق له. تتضاعف ساعات العمل، وتكد الحيوانات ليلا ونهارًا ولا تكاد تجد ما يسد رمقها، بينما يعيش نابليون وزبانيته حياةً من البذخ والترف. يتخلى نابليون بالتدريج عن مبادئ الحيوانية التي كان قد أرساها هو وسنوبول في بداية الثورة، وبدلًا من نشيد "يا حيوانات إنجلترا، اتَّحدي!" صارت حيوانات المزرعة مرغمةً على ترديد نشيدٍ يُمجد الزعيم نابليون، كما تُلغى جميع الوصايا السبع التي وُضعت في بداية الثورة، وتُختـصر بشعار واحد يقول، "جميع الحيوانات متساوية، ولكن بعض الحيوانات متساوية أكثر من بعضها الآخر".


هوامش:

  1. المشهور أن الكلب يُعرف بالوفاء، ولكن لصاحبه فقط، كما في القصيدة السـردية الغنائية الإنجليزية "بِثْ غِليرت" حيث يدافع غليرت عن طفل سيده لويلين ويمزق الذئب الصائل عليه. ولكن حين يعود سيده من رحلة صيده اليومية يراه ملطخًا بالدماء، فيظن أنه قد قتل ابنه في غيابه، فيقتل الكلب المسكين، ولا يتبين الحقيقة إلا بعد فوات الأوان ويكتشف أن طفله كان يغط في نوم هانئ تحت السـرير. وتعبيرًا عن ندمه، يخاطبه لويلين على النحو التالي (بترجمتي):
أتُراه يُجدي العُويلُ فتيلا؟
"وداعًا، يا خيرَ أبناء جنسك!
سيندمُ ذا القلبُ ما حَييتُ
على طعنةٍ أرْدَتْكَ قتيلا!
وصحيحٌ أن العرب يتوسمون الوفاء في الكلب عمومًا، إلا أنهم أيضًا يُسمونه العَقور، أي الغَدّار لأنه يَعُضُّ ويؤلم بالعضِّ. ففي رواية «7» لغازي القصيبي يحاول سائح عربي أن يتودد إلى سائقة تكـسي فرنسية، فيبدأ بمداعبة كلبها المرافق لها، وحين يهرُّ الكلب في وجهه، يشكو للسائقة متذللًا ومُذَكِّرًا، "مادِموازيل، مادِموازيل، صوني عَقُورَك عنا، فإننا عربٌ نهوى السلام." ولا تخفى الدلالات الساخرة لهذا القول على القارئ الحصيف، حيث نُـشرت الرواية في زمن كان العرب يُهرولون فيه لعقد صفقات سلام مُذلّة مع إسرائيل بأي ثمن.
  1. انظر عبد الله الغذّامي، "تزييف الخطاب/ صناعة الطاغية" في كتابه «النقد الثقافي: قراءة في الأنساق الثقافية العربية«. الطبعة الرابعة (الدار البيضاء وبيروت: المركز الثقافي العربي، 2008)، ص 141-161.
  2. مصطفى صادق الرافعي، «تاريخ آداب العرب«. ج 2 (القاهرة: المكتبة العصـرية للنشـر والتوزيع، 2005)، ص 160.