السائق الشبح في السياسة السورية ورقم الطوارئ العالمي

2023.05.15 | 06:21 دمشق

السائق الشبح في السياسة السورية ورقم الطوارئ العالمي
+A
حجم الخط
-A

هل سمعتم بالسائق الشبح؟ حسناً، هو سائق سيارة أو شاحنة كبيرة، يدخل من شارع فرعي إلى الطرق الدولية السريعة ويتابع سيره في عكس اتجاه السير العام، ويفاجئ كل المركبات في تلك اللحظات بوجوده وجها لوجه أمامها، ثم يصطدم بأول مركبة ويستمر التصادم والتحطم حتى يتوقف السير تماماً. وبعدها تبدأ عمليات الإسعاف وإحصاء الجرحى والقتلى والخسائر.

في الحالة السورية الكارثية يحدث الأمر نفسه تماماً، لكن السائق الشبح هنا هو فرد أو جهات سياسية أو دينية تدخل بكامل استبدادها وطواقمها، لتحطم كامل المسار من أجل إرضاء أهدافها وغاياتها غير النظيفة بالتأكيد، فإن كان السائق الشبح فرداً يمضي يومه كاملاً في حساباته التواصلية، فنراه يرسل اليأس ويحظر ويفتك عبر تنمره بكل رأي منطقي أو أي رأي عميق يصادفه.

هؤلاء وحتى تاريخه يتكئون في وعيهم السياسي على كتب حمراء تقيأها العالم الأول منذ مئة عام، أي منذ بدأ ستالين بقتل معارضيه ورفاق دربه في روسيا

هؤلاء الأشباح، أفرداً أو منظمات أو أحزاباً أو مجموعات غاياتهم أن يبقى الضوء مسلطاً عليهم فلا تهمهم أرواح الناس ولا أن هناك ربما أملاً ما قادماً في نهاية هذا النفق السوري المظلم، فحسب إيديولوجياتهم المختلفة شكلاً لكنها متفقة في الغاية التخريبية، كل السياسة الدولية هي عبارة عن عمل مافيوي منظم، وأن دولة إسرائيل وحدها من أبقت بشار الأسد على رأس السلطة حتى الآن، ويرشّون توصيفاتهم الحمقاء ويعممونها على كل شيء: سياسة دولية، عملية سياسية، عمل منظمات حقوقية، الخ، وما زالوا يرون في داعش مثلاً وغيرها من تنظيمات إرهابية أنها كلها عبارة عن عمل استخباراتي دولي. وكأن هؤلاء الدواعش السوريين والعرب والأجانب قد أتوا من المريخ، لا من رحم مجتمعات مرعبة تم تربيتهم فيها على التطرف والإرهاب.

ومازال هؤلاء الأشباح يسيرون في عكس الاتجاه، فكل ما حدث للحراك السوري عبارة عن تآمر عربي ودولي وأن كل الأشخاص العاملين في الملف السوري عبارة عن مافيا. هؤلاء وحتى تاريخه يتكئون في وعيهم السياسي على كتب حمراء تقيأها العالم الأول منذ مئة عام، أي منذ بدأ ستالين بقتل معارضيه ورفاق دربه في روسيا. وبعضهم يتكئ على إيديولوجيات رمادية وقناعات سياسية انتقائية مرضية، قاعدتها العامة هي العداء للغرب، الغرب الذي يعيش معظم هؤلاء فيه، عداء وكراهية تشبه في كينونتها عداء الطفل المدلل الوحيد لأي طفل آخر في الحديقة يريد اللعب في نفس الألعاب.

كل واحد من هؤلاء الأشباح يعتقد أنّ الشمس تشرق يومياً لأنه موجود، ويعتقد أنه بقراءته كتابين لماركس منذ عام 1970 أو لطه حسين منذ أربعين عاماً كفيل بأن يجعله يفهم العملية السياسية التي تحدث في العالم الراهن حالياً. والمضحك المبكي أنّ بعضهم ربما قرؤوا يوما مذكرات هنري كيسنجر، ولايعرفون أن السياسات الدولية تتغير تبعاً لنتائج آخر عملية انتخابية هناك، فما حدث في سبعينيات القرن الماضي لايصح تعميم دروسه وخلاصاته على اللحظة الكارثية السورية المرعبة.

وإن حاورت أحدهم عن السياسة وبالسياسة وحاولت أن تقرّب لهم المفاهيم العامة وأن السياسة حالة متغيرة تكتيكياً واسترتيجياً، فأوروبا التي كانت تعيش في سلام شبه دائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية اسيقظت كلها مع الولايات المتحدة على خبط طبول الحرب التي بدأها بوتين ضد شعب وبلد مستقل وديمقراطي هو أوكرانيا. العالم الغربي كله غيّر كل استراتيجياته وتكتيكاته وقرر مجتمعاً دعم أوكرنيا بكل شيء من أجل هزيمة بوتين.

منذ وقت كتب الكاتب السوري منير شحود على حسابه في الفيس بوك بما معناه، بأن العالم أجمع لن يشعر بالسلام طالما هناك طاغية على هذه الأرض. وكم هناك تلخيص وفائدة في هذه الجملة.

أشباح السياسة والفكر هؤلاء يعممون اليأس بمنهجية ويعملون في الليل والنهار من أجل القول: لا أمل في إيجاد حل سياسي في سوريا.

بعضهم يفعل ذلك بمنهجية لأنه مريض نفسي، والأخطر من ذلك من أنه سوّي وأنه لايحتاج إلى علاج. أما المنظمات والمجموعات المتطرفة الأخرى فتعمل وفق نسق موحد ومقصود وهدفه واحد هو استمرار ضخ التمويل لأعمالها والوصول إلى غاياتها التدميرية للمجتمع السوري.

هؤلاء الأشباح خطرون لأنهم لا يعترفون بأن سوريا الآن بلد ممزق، مقسم، ضعيف منهك، يحتاج إلى العالم أجمع كل يساعده على الخروج من محنته ومن نكبته. سوريا تحتاج إلى محيطها العربي وغير العربي سياسياً. كل عداء لغير السوريين يتمّ ضخه الآن هو سم حقيقي. كل من يشجع على حلول غير سياسية هو طاغية بوجه آخر. السوريون الموزعون في عموم الكوكب يحتاجون إلى الفهم العميق والحقيقي، فالسياسة الدولية تحتاج إلى من يقرؤها ويدرسها لا إلى من يشتمها ليل نهار وهو لايعرف منها سوى محفوظاته الإيديولوجية.

لكي يبدأ السوريون في الوصول إلى فهم ما يجري في بلدهم، يحتاجون إلى العلم السياسي لا إلى محنطات السياسة وتوابيتها، يحتاجون إلى الصدق والمنهجية لا إلى الكذب والتكاذب والخداع والتزييف

سوريا لا يمكن لها أن تستظل بغير مظلة الأمم المتحدة وقراراتها ذات الصلة، مهما حاول الأشباح في الليل والنهار تحطيم هيبة المجتمع الدولي أو العربي.

لكي يبدأ السوريون في الوصول إلى فهم ما يجري في بلدهم، يحتاجون إلى العلم السياسي لا إلى محنطات السياسة وتوابيتها، يحتاجون إلى الصدق والمنهجية لا إلى الكذب والتكاذب والخداع والتزييف. هم بحاجة للجميع مالياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً وحتى أخلاقياً وشتم الواقع السيئ لن يغيّر بالأمر شيئاً. ويحتاجون دائماً إلى تواضع في الأخلاق وسعة إطلاع في مختلف العلوم.

أشباح السياسة، السائقون السياسيون الأشباح كانوا دائماً الوجه الآخر للطاغية، الطاغية الذي جعل سوريا بكل هذا الحزن والضعف والخراب من أجل أن لا يتنازل عن كرسيه.

وحتى لا يبقى هذا التفريخ الشبحي مستمراً في الثقافة وفي غيرها، علينا قبل كل شيء أن نعترف بهزيمتنا أمام العالم أجمع، وبأمراضنا، بخرابنا، بوسخنا، بمنظوماتنا المعطلة، وعلينا أن ندقّ في كل مكان نعيش فيه على رقم الطوارئ العالمية 112 وأن لانشتم فريق المسعفين حين وصوله إلينا.

علينا أن نبدأ من الآن على فهم العالم على قاعدة أن قطار العالم لن يتوقف عن السير إذا بقينا نشتم محطات القطار. ولكي لاتكون سائقاً شبحاً في السياسة لا بدّ أن تتعلم مسالك السياسة ومعارفها وأن تسير مع المجموع في الطريق الصحيح، على أمل أن تساعد في إيجاد حلّ ما، وأن تحصل على شهادة سير في علم السياسة.