icon
التغطية الحية

"الزند: ذئب العاصي".. المؤثرات البصرية والموسيقا الملحمية لا تصنعان مسلسلا ناجحا

2023.04.19 | 14:39 دمشق

مشهد فوز عاصي على نورس بعد دفعه 15 ألف ذهبية مقابل أراضي الضيعة (مسلسل عاصي الزند)
+A
حجم الخط
-A

يصف جوزيف كامبل شخصية البطل الشعبي بأنه "ذلك الإنسان، سواء أكان رجلًا أم إمرأة، الذي لديه المقدرة على أن يكافح من خلال حدوده الشخصية والتاريخية المكانية في سبيل الأشكال الإنسانية التي تتمتع بالصلاحية المطلقة"، ويضيف عليها الباحث فراس السواح من صفات يقدم فيها للمجتمع "نظريات في السلوك والأخلاق والتوجيه الاجتماعي". ولا أعتقد أن ما سبق ينطبق على شخصية عاصي الزند (تيم حسن) في الموسم الأول لـ"الزند: ذئب العاصي" للمخرج سامر برقاوي، والكاتب عمر أبو سعدة.

فكرة أخرى متعارف عليها بين نقاد هذه الصناعة، هي أن المؤثرات البصرية من طراز هوليوود والمحتوى الموسيقي الملحمي لا يصنعان عملًا تلفزيونياً أو سينمائياً ناجحاً إذا كانت الحبكة الدرامية والحوار "مشوشين ومربكين"، وهذا الأمر ينطبق أيضاً على الموسم الأول لـ"الزند". ومع ذلك، مثلما فاجأ الموسم الثاني لمسلسل "صالون زهرة" الجمهور في حفل توزيع جوائز صناع الترفيه (Joy Awards) مطلع العام الجاري، فإن "الزند" سيفاجئ النقاد في حفل توزيع الجوائز القادم، نظراً لتحوله إلى ظاهرة شعبية في العالم العربي، بما في ذلك لسيل الشتائم المتبادلة الذي تحوّل إلى مقاطع متداولة على منصة تيك توك.

ينطلق "الزند" من فكرة بأحداث واقعية تدور في منطقة حوض العاصي في سبعينيات القرن الـ19، وهي الفترة المصاحبة لإصدار الباب العالي قانون تنظيم الأراضي. بعدها يتداخل صوت عاصي الزند الذي يروي قصة أسطورية عن نشوء نهر العاصي، مع صوت والده أبو عاصي (مرشد ضرغام) الذي يحثه على حماية أرضه بعينه اليمنى، جهة العين ذاتها التي فقأها للشيخ إدريس (فايز قزق) ثأراً لمقتل والده. ويطلب كذلك حماية شقيقته عفراء (نانسي الخوري) كأنها عينه اليسرى. فكرة أزلية تقوم على ربط (العرض/الشرف، المرأة) بالأرض، والعكس أيضاً.

ومثل جميع القصص الدرامية التي تدور في حقبة السلطنة العثمانية، وفترة الخروج على الإقطاعية، فإن الإكسسوارات الدرامية جاهزة لرواية قصة عاصي الزند، مع إضفاء لمحة أسطورية على الشخصية، مثل شخصية جبل شيخ الجبل لكنها تدور في حقبة زمنية مختلفة عن سلسلة "الهيبة". لدينا على الجهة الأولى عاصي الزند، هو ليس بطلاً شعبياً، بل هو يتحول في شخصيته من صاحب حق إلى قاطع طريق وسارق بنك، ثم إلى إقطاعي جيد، وأخيرًا يحاول السيد روث (محمد محيني) تحويله إلى قاتل مأجور للبريطانيين، وعندما تصطدم مصالحه مع مصالح أصدقائه لا يتوانى عن قتلهم. وعلى الطرف الآخر نورس باشا (أنس طيارة) الإقطاعي الشرير، الذي يُسخر جميع ما يملك من رجال وعتاد ومال لهزيمة عاصي الزند، وفي كل مرة يفشل في يذلك، كما لو أنه محكوم بصخرة "سيزيف"!

ذهب الكثير لتشبيه شخصية عاصي الزند بشخصية أبو علي شاهين التي ابتكرها الروائي حيدر حيدر في رواية "الفهد"، وطورها نبيل المالح إلى فيلم سينمائي بالعنوان ذاته من بطولة أديب قدورة. بينما ذهب آخرون إلى تشبيه الزند بشخصية عكاش (جمال سليمان) في مسلسل "الثريا". وكلا التشبيهين لا ينطبق أيضاً على الزند، على الأقل الأولى أكدها مدير شركة سيدرز آرت برودكشن، صادق الصباح، في مقابلة مع صحيفة النهار البيروتية برفضه مقارنة الزند برواية "الفهد"، وبطلها أبو علي شاهين. فالصباح يقول إن: "عاصي في الجزء الأول من العمل هو الشعب اللبناني، والباشا يُجسّد الطبقة الحاكمة في لبنان"، وحتى الآن لم أفهم أوجه الشبه بين القصتين.

هناك صعوبة في فهم الفكرة التي يريد إيصالها إلينا "الزند" مع توظيف لوقائع وأحداث سياسية بإضفاء المزيد من الإثارة عليها والتخيّل لها. واحدة منها طلب ممثل المملكة المتحدة روث من عاصي الزند اغتيال الإمبراطور الألماني فيلهلم الثاني، أو إقدام عاصي الزند وعصبته على سرقة البنك العثماني، الذي يُصادف أنه بإدارة روث أيضاً، لكنه ساعد الزند على مراكمة ثروة غير شرعية. يضاف إليها الكثير من المشاهد والأحداث غير المنطقية، مثل عدم مراعاة المسافات بين القرى، أو حفلة الشتائم المتبادلة بين عاصي الزند والشيخ إدريس قبل معركة النهر. حفلة شتائم تنكل بنساء العائلتين بسبب ثأر على ذكرين مقتولين.

حتى الأحداث التي حاول فيها "الزند" أن يجعل من نفسه بطلاً شعبياً لم تكن مقنعة في سياقها الدرامي، واحدة من هذه الأحداث لعب نانسي الخوري لشخصية شقيقته عفراء. لم تحصل الخوري على مساحتها المطلوبة لتقديم الشخصية، بل ظهرت الشخصية بشكل ثانوي، إن لم يكن هامشياً، كان السبب منها إضفاء مزيد من التراجيديا المأساوية للسيرة الذاتية لعاصي الزند، ومنحه شرعية ما سيرتكبه من جرائم. أيضاً هناك كثير من المشاهد التي يضع فيها الزند فوهات البنادق على صدره متحدياً قاتله، شجاعاً لا يهاب شيئا.

مشاهد فوهات البنادق تحديداً، ظهرت للمرة الأولى – على ما أعتقد – في  الجزء الثالث أو الرابع لـ"الهيبة"، ويبدو أن حسن أعجب بالفكرة فأعاد تكرارها. أيضاً يعيد حسن استخدام كثير من الحركات وردود الأفعال التي استخدمها سابقًا شيخ الجبل. لدينا مثال اللقطة التي تلي حفلة الشتائم، وتستبق دق نواقيس معركة النهر. فعلياً لم يستطع حسن الخروج من عباءة جبل شيخ الجبل، بل يعيد تكرار الشخصية بالأفعال والقوة والبطش في ظروف وأزمنة مختلفة. وتبدو بشكل واضح أنها قصة سياسية أريد إسقاطها على شخصيات متخيّلة من زمان غير زماننا.

الأسطرة التي يتم إضفاؤها على شخصية عاصي الزند، تذهب إلى أبعد من ذلك، فهو مثقف يملك شارباً شبيهاً بشارب نيتشه، يحفظ أقواله، ويستشهد به في كل زمان ومكان. متزوج من فتاة تمتهن التمريض، وهي ابنة لعائلة أرستقراطية، يشرب النبيذ، ويتعامل مع الإنكليز من أجل تحقيق مصالحه، يدفع الإتاوة بانتظام للضباط الأتراك الذي يعيشون في سلام مع السكان المحليين، ويتحولون بالولاءات مقابل المال.

الملاحظ في الدراما السورية لهذا العام، والإشارة هنا إلى "الزند" مع أعمال البيئة الشامية، أنها ابتعدت عن تكرار الصورة النمطية للأعيان والأبطال الشعبيين في مواجهتهم لبطش اليوزباشي والشاويش والمتصّرف وغيرهم من رجال الدولة العليّة، بل تتفق جميع الأعمال على تقديمهم بصورة عادية. رجال يحاولون الاستفادة من منصابهم بمراكمة ثورة غير شرعية، فيهم الضابط الجيد والسيئ أيضاً. وفي النهاية معظمهم سوريين، حيث يُلحظ غياب الشخصيات المتحدثة باللغة التركية أو اللغة العربية المكسورة في هذه الأعمال.  

في لفتة سريعة على الأداء التمثيلي، أعتقد أن حسن يحتاج إلى عمل من طراز "الانتظار" أو "ربيع قرطبة" للخروج من عباءة شيخ الجبل نهائياً. كان قد اشتغل مسلسلاً محدوداً من 12 حلقة بعنوان "العميد" 2020، وبعدها اشتغل مسلسلاً آخر بعنوان "أنا"، لكنهما لم يحققا النجاح المطلوب لابتعادهما عن شخصية شيخ الجبل، وثقافة التستوستيرون، وتمييع اللهجة المحلية مع ثنائية السيد/الزعيم المحاط بمجموعة من الأصدقاء والرجال المخلصين في مواجهة مجموعة من الأعداء يدخلان في صراع للسيطرة على منافذ التهريب والأراضي الزراعية وقمح الفلاحين.

ومع ذلك، يبرز مهيني بدور روث متعدد الأوجه، يحاول الإبقاء على شخصية متوزانة مع المساحة الممنوحة لها. يتحول في الشخصية من الرجل المُسالم والطيب الذي يريد تحقيق السلام بين الجميع إلى شخص شرير لا يتوانى عن التهديد والضرب، وحتى القتل لتحقيق أهدافه. وهناك أيضاً أنس طيارة الذي يقدم شخصية الباشا الشرير بكل تفاصيلها الاستبدادية والدموية، والفشل طبعاً. وهي بالمناسبة شخصية مختلفة تماماً عن شخصية يحيى التي يلعبها في "سفر برلك". أعتقد أنه على أبو سعدة وبرقاوي منحهما مساحة أكبر في حال استمراريتهما في الموسم الثاني.

وهناك أيضاً دانا مارديني بدور نجاة جنباً إلى جنب مع رهام القصار بدور شمس، تظهر مارديني بشخصية بعد مشاهدة أزيائها نظنها هاربة من العصر الفيكتوري، ولديها ابتسامة تحوّلت إلى تريند على منصات التواصل الاجتماعي، تحاول الموازنة بين والد محتجز في مكان مجهول، وزوجة لرجل يتحوّل إلى باشا أكثر قسوة من نورس باشا نفسه، بينما تحاول القصار منح شخصية شمس ما تستحق، رغم الانتقادات التي واجهتها بسبب ضعف قصتها، وعدم منطقية بعض المشاهد، فهي تتقمص شخصية المرأة اللعوب التي تحاول استثمار جمالها للانتقام من عاصي، لكنها تفشل. حتى الآن لا تزال قصة شمس غير مفهومة، وأظن أن الجمهور بحاجة الاستماع إلى قصتها في الموسم الثاني. 

وبالتأكيد عند الحديث عن "الزند" لا يمكن تجاوز المؤثرات البصرية وتصميم المعارك والموسيقا التصويرية التي تميز بها المسلسل. في جانب المؤثرات البصرية وتصميم المعارك كان واضحاً استثمار مصمم المعارك معد ورد والبرقاوي للمناظر الطبيعية، وهو ما أكسبها جمالية نادرة في المسلسلات المحلية، حتى مشهد القتال بين عاصي الزند والشيخ إدريس كان مصمماً بطريقة هوليوودية، نجح فيه الاثنان رغم كثرة المشاهد البطيئة. وكذلك استثمار مساحة الأراضي الزراعية كان مميزاً.

 وكذلك الموسيقا التي اشتغلها جان آري سرحان كانت ملحمية، وزاد عليها إعادة التعريف بالتراث الموسيقي ومواويل العتابا لسكان منطقة حوض العاصي، فهو اعتمد في شارة المقدمة على مقطع صوتي قديم للمطربة نوف البدوية، أعيد إنتاجه بآلات موسيقية تراثية لحوض العاصي، بالإضافة إلى شارة النهاية التي غنتها مها الحموي، وكتب كلماتها برهوم روزق. حتى مشاهد العتابا والخلفيات الموسيقية المستخدمة في المشاهد كانت ملحمية. على عكس جميع شارات المسلسلات التي قدمت في الموسم الرمضاني الجاري، المسلسل الوحيد الذي يدخل في منافسة على أفضل أغنية هو مسلسل "النار بالنار".

 الخاتمة

يريد المنتج صادق الصباح أن يصل بمسلسل "الزند: ذئب العاصي" إلى العالمية، وفقًا لمقابلة النهار ذاتها، وهذا مفهوم نظراً للضجة الجماهيرية التي حصل عليها المسلسل متصدراً أكثر من 20 مسلسلاً أنتجتها منصة شاهد نت للموسم الرمضاني الحالي. ومع ذلك، أعتقد أنها ستكون تجربة غير ناجحة، ومشابهة لتجربة مسلسل "الهيبة" الذي اشترت منصة نتفليكس العالمية حقوق موسمه الأول فقط.