icon
التغطية الحية

الزلزال يضرب الهوية البصرية التاريخية في سوريا.. ما عوائق الترميم؟

2023.03.13 | 05:44 دمشق

انهيار في جدار بقلعة حلب عقب الزلزال المدمر ـ رويترز
انهيار في جدار بقلعة حلب عقب الزلزال المدمر ـ رويترز
مرسين ـ بثينة الخليل
+A
حجم الخط
-A

اعتاد الناس أن يقولوا عن الآثار والمباني المغرقة بالقدم، أنها تحدت الزمن وصمدت أمام مصائب الدهر. ومصائب الدهر وعوامل الفناء بالنسبة للمباني والآثار الفنية كثيرة، أولها الريح التي تحت وتمحو معالم المنحوتات والمباني، وثانيها النار التي تسببت بتدمير أعظم المباني الأثرية (آخرها كنيسة نوتردام في باريس عام 2019) وثالثها الماء بالأمطار والفيضانات والسيول، ورابعها الحروب (وخاصة بعد اختراع البارود والمتفجرات)، وخامسها وأشدها الزلازل والهزات الأرضية.

فمن بين كثير من المشاهد المؤلمة التي خلفها الزلزال الأخير في جنوبي تركيا وشمال غربي سوريا (بعد الضحايا والدمار والتشرد) مشاهد انهيار قلاع ومساجد وكنائس تاريخية وآثار بالغة الأهمية لتركيا وسوريا والتراث الإنساني. لقد فقدت العديد من المدن والبلدات جنوبي تركيا وشمالي سوريا، أجزاء أساسية من هويتها البصرية التاريخية.

عدد الآثار المتضررة في سوريا وتركيا

لا يعرف حتى الآن العدد الدقيق للآثار التي تعرضت لأضرار في الزلزال، ولا مقدار الضرر الذي لحق بكل منها، بانتظار انتهاء بعثة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" من مسح جميع المباني الأثرية في مناطق الزلزال في سوريا وتركيا، فبعض الأضرار يكون في الأساسات، ولا يظهر للعيان.

حلب
دمار في مناطق أثرية بحلب عقب الزلزال ـ رويترز

من بين أشهر المواقع التاريخية التي ضربها الزلزال، وتعرضت لأضرار واضحة للعيان، قلعة غازي عنتاب، وشقيقتها الأكبر التي بنيت على نمطها، قلعة حلب، إحدى أكبر وأقدم القلاع في العالم. وبلغ الدمار في الأولى حد محو أجزاء أساسية من معالمها، وانهيار جدران كاملة منها. تلي القلعتين قلاع المرقب والقدموس وشميميس وجامع الإمام إسماعيل في سوريا، وفي تركيا الكنيسة الأرثوذكسية في أنطاكية، وكنيسة الروم الكاثوليك في إسكندرون، ومسجد ملاطية.

كنيسة إسكندرون
كنيسة الروم الكاثوليك في إسكندرون عقب الزلزال ـ الأناضول

من يرمم الآثار المتضررة من الزلزال في سوريا وتركيا؟

سيقع على عاتق "السلطات" في سوريا وتركيا مهمة ترميم الآثار التي تضررت على أراضيها، فاليونيسكو تتكفل فقط بترميم الآثار التي سبق أن وضعتها على لائحتها للتراث العالمي، وهي ستة، أهمها قلعة حلب.

ولأن المنطقة المصابة بالزلزال منطقة بالغة الأهمية التاريخية، وتضم آثاراً شديدة التنوع منذ اثني عشر ألف سنة، فإن عدد الآثار والمباني ذات القيمة التاريخية التي تضررت بالزلزال في سوريا وتركيا يصل إلى المئات، وقد يتجاوز الألف، وفق تقديرات أولية، الأمر الذي سيدفع اليونيسكو على الأرجح للدعوة إلى مؤتمر دولي لتأمين الدعم المادي والتقني اللازم لترميم هذا العدد الهائل من المباني والآثار.

وستستند اليونسكو في دعوتها إلى ميثاق دولي أبرم عام 1964 في مدينة فنيسيا - البندقية الإيطالية، وتعهدت بموجبه الدول الموقعة، بالمساعدة في الحفاظ على المعالم الأثرية في كل أرجاء العالم، باعتبارها إرثاً مشتركاً للبشرية.

وإضافة إلى المال، تحتاج عملية الترميم للاختصاص وللخبرة للقيام بهذه العملية المعقدة. فالترميم يعني جمع فتات وبقايا الآثار، ومحاولة جمعها وإعادتها إلى أقرب ما يكون لما كانت عليه قبل الدمار الذي تسبب به الزلزال، وهذا أمر يحتاج لمعرفة الشكل الذي كانت عليه الآثار قبل الزلزال، بالاستفادة من  الرسومات والخرائط والفيديوهات والصور التي التقطت للآثار قبل تعرضها للدمار.

قواعد وحدود الترميم

يستخدم في الترميم لجمع القطع المكسرة، واستكمال ما ضاع من الآثار، مواد قريبة من المواد الأصلية، من دون أن تكون مطابقة لها. فالقطع الحديثة المضافة يجب أن تكون متميزة، وواضح للجميع بأنها ليست أصلية، وإنما تمت إضافتها حديثاً، ما يعني أن القيمة الأثرية للقطع المرممة، ليست بنفس قيمة الآثار الأصلية التي لم تتعرض للترميم، وهذا أمر مؤسف، يجعل عملية الترميم محدودة التأثير، وعاجزة عن محو آثار الزلزال كلها.

أكثر من ذلك، ورغم التقدم الكبير الذي شهدته تقنيات الترميم، فإنها تظل عاجزة عن فعل أي شيء تجاه الآثار والقطع الفنية التي تعرضت للهرس أو الطحن الكامل، فلا يمكن ترميم قطعة فنية فقدت كل معالمها، وتحولت إلى شظاياً صغيرة، أو مجرد تراب.

مدى عمليات الترميم لا يحظى بإجماع علماء الآثار، فكثير من المؤرخين والآثاريين والفلاسفة، يصرون على أن للترميم حدوداً يجب أن لا يتجاوزها، وهي جمع ولصق المتكسر من الآثار، دون أن يصل إلى حد إضافة حجارة وأخشاب ومعادن جديدة، أو إعادة بناء وصناعة الآثار والمباني من جديد.

ويذهب بعضهم إلى حد رفض عملية الترميم كلياً، والمطالبة بترك الآثار كما هي بعد تعرضها للضرر. ويستشهدون بآثار تدمر، إحدى أعظم المواقع الأثرية في العالم. فأعمدة تدمر المكسرة، والخاضعة لكل عوامل الحت وسط الصحراء السورية، والحجارة المتناثرة، تجذب السياح من جميع أرجاء العالم ليروها كما هي. بكل ما حل بها عبر الأزمان، من زلازل وتدمير وحت وتخريب.

كيف نحمي الآثار من الزلازل قبل وقوعها؟

منذ اكتشاف تقنيات البناء المقاوم للزلزال، بدأ التفكير في استخدام هذه التقنيات للحفاظ على المباني الأثرية، ولحمايتها من الهزات الأرضية، قبل وقوعها، خاصة في المناطق المعروفة بتعرضها الدائم للزلازل.

واقتصرت الاستفادة من هذه التقنيات على بناء متاحف حديثة على أسس مقاومة للزلازل، ونقل القطع الأثرية الهشة إلى المتاحف، وتصوير وتوثيق معلومات الآثار بدقة، وتدعيم أسس بعض المباني الأثرية المتوسطة والصغيرة الحجم، أما المباني الأثرية العملاقة، مثل قلعة حلب، فمن الصعب جداً وضع أسس جديدة لها أو تدعيم أسسها.

عقبات استثنائية لترميم الآثار في سوريا

إضافة إلى كل ما سبق من شروط وحدود ومتطلبات لعملية الترميم، ستواجه العملية في سوريا، عقبات ستزيد من صعوبتها إلى حد كبير.

موقع تلفزيون سوريا توجه إلى عدنان المحمد الأكاديمي والباحث في الآثار السورية وسأله عن هذه العقبات فقال: "سوريا واقعة على خط زلزال رئيسي، ومدن الشمال والغرب التي أصيبت بالزلزال الأخير، ضربتها زلازل كثيرة في الماضي، أهمها زلزال حلب سنة 1138 (قبل تسعمئة عام) الذي قتل 230 ألف شخص، وهو أحد أخطر الزلازل في التاريخ. وأدت الزلازل إلى هجرات كبيرة، وموت مدن كانت عامرة وتحولها إلى مدن منسية. ولأن الزلزال الأخير جاء بعد 12 سنة حرب على الشعب السوري، أنهكت سوريا اقتصاديا ودمرت البنى التحتية ودمرت ونهبت التراث الثقافي المادي، وهو الآثار، فإن سوريا الآن غير قادرة على تجاوز نتائج محنة الزلزال على الآثار، لأنها لا تملك الإمكانات المادية، ولا الإرادة، ولا حتى الخبرات (بسبب هجرة الخبرات). ومثلما فقدنا كثيرا من الآثار بسبب الحرب والقصف، سنفقد آثاراً بسبب الزلزال".

وعن الوضع في شمال غربي سوريا قال الباحث السوري: “إضافة إلى كل الأسباب السابقة، التي تشمل كل سوريا، هناك سبب إضافي لعدم القيام بعملية ترميم جدية في شمال غربي سوريا، وهو تحكم النظام، عبر المديرية العامة للآثار والمتاحف بدمشق، بكل المخططات والصور والمقاييس التي نحتاج إليها للقيام بعملية ترميم صحيحة في الشمال السوري المحرر".