الرغيف العفن.. ورائحة الصمود المجاني

2021.07.24 | 06:21 دمشق

syrian-child.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم تعد رائحة الخبز السوري في الصباح صالحة حتى للتذكر أو لكتابة منشور حنين لأيام الهناءة الغابرة، وهي ليست من نتائج سنوات الحرب الضارية التي أحرقت الحقول مع أصحابها بل نتيجة سياسات مدروسة بدأت مع دس الإيرانيين قمحهم في أنوف السوريين، وترافق ذلك مع سياسة اقتصادية لحكومات النظام التي فرطت بمخازين القمح السوري من خلال هبات رئاسية، وقرارت للتضييق على الفلاحين، والاستثمار في محاصيل أخرى ذات مردود مادي أكبر، وبحجة الحفاظ على احتياطات المياه التي بدأت بالشح.

كل هذه الأسباب أوصلت السوري الجائع اليوم إلى أن يتموضع في شريحة أقرتها مؤسسات النظام، وعليه أن ينتظر حصته من الخبز خلال أيام بحسب حجم عائلته، وأما الفرد الواحد فسيحصل على ربطة خبز واحدة كل ثلاثة أيام أي أن حصته في اليوم الواحد ستكون ثلاثة أرغفة من حقه أن يوزعها كما يشاء على نهاره أو يتناولها دفعة واحدة، وأما الجودة والصلاحية فهذا شأن آخر تفرضه قدرة تجار النظام على تمرير شحنة مهربة بعد أن صارت سوريا بلداً مستورداً لكل شيء بما فيها الخميرة الإيرانية التي تعطي الخبز رائحة العفونة التي ميزته خلال العقد الأخير الذي بات إيرانياً صرفاً بحكم النفوذ والسيطرة.

هناك في أقدم مدينة مأهولة في التاريخ تتم مطاردة رجل سرق ربطة خبز لأولاده الجائعين في تكرار تاريخي لمآسي البشر المحكومين بالجوع والحرب وقلة الحيلة أمام بسطار الدولة البوليسية

في دمشق ثمة مشهد مسروق من رواية البؤساء لفكتور هوغو حيث يدخل (جان فالجان) السجن بسبب سرقة رغيف خبز، وهناك في أقدم مدينة مأهولة في التاريخ تتم مطاردة رجل سرق ربطة خبز لأولاده الجائعين في تكرار تاريخي لمآسي البشر المحكومين بالجوع والحرب وقلة الحيلة أمام بسطار الدولة البوليسية التي تحكم قبضتها على بطونهم، ألا تتشابه هنا حكايات البؤس والإذلال في الثورات وأضدادها؟

وليس صعباً على نظام يؤمن بقوة الذل على ردع أية محاولة تمرد أو حتى التفكير بها فهنا في هذه المنظومات الباطشة ممنوع على الناس الهمس بما لا يرضون، وليست الجدران وحدها لها آذان متيقظة، وهكذا تم ابتداع فنون الذل على الأفران وفي الرغيف المحروق والمحشو بالصراصير والعيدان الخشبية وخيوط الأكياس، وأما الطابور فله قانونه حيث الأولوية للمقاتل والشبيح والمخابرات والفرق الحزبية والناطق بلكنة السيد والأزعر ومن ثم يأتي دور المواطن الخالص.

لكم أن تتخيلوا بقية ضرائب الصمود القادمة بعد أن يعاد تكرير النظام من شوائب المؤامرة، ويعاد تشكيل النسيج الاجتماعي الجديد المتجانس

أما القيادة فلا ترى ضيراً في كل هذا فالصمود في وجه الإرهاب والأعداء والخونة، والذي يحتاج إلى تضحية وهذه سنة النظام منذ أن سيطر آل البعث على الدولة، ونشروا مفردات التصدي والتوازن الاستراتيحي وكل المنطلقات النظرية لتكون على مقاس السوري البعثي ومن في حكمه، ولذلك ليس مفاجئاً أن تخرج لونا الشبل لتؤكد للسوريين الصامدين في الداخل أن (ماحدا ضربهم على أيدهم) فهم من اختاروا الصمود والتصدي للمؤامرة الكونية، ولم تكن تلك أوامر صادرة من القيادة، ولذا لا (منية) لهم فيما وصلوا إليه من أمن وأمان.. وجوع.

لكم أن تتخيلوا بقية ضرائب الصمود القادمة بعد أن يعاد تكرير النظام من شوائب المؤامرة، ويعاد تشكيل النسيج الاجتماعي الجديد المتجانس، وأين سيكون موقع السوري في قائمة الطوابير بعد أن تم إدخال شرائح جديدة لها أولوية الحياة... من بقايا فصائل المقاومة والممانعة التي ساهمت في الحفاظ على البعث والطائفية والفساد والإقصاء كقوى نافذة في هذا النسيج الجديد.

لكم أيضاً أن تتخيلوا حصة السوري من الخبز والماء والكهرباء والهواء، والأحوال الآن تشي بما هو منتظر، والكهرباء التي تصل اليوم إلى البيوت بمعدل ثلاث ساعات لن تصل إليه في الأيام القادمة.. وأما الخبز فلن يبقى منه سوى رائحة العفونة التي تطلقها خميرة طهران المقاومة.