الرسائل الروسية لفصائل الشمال

2018.08.19 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

كان واضحاً منذ البرميل الأول بل الرصاصة الأولى، ومنذ المهلة الأولى أن المطلوب إطالة أمد الحرب، طال أمدها، وبات واضحاً أنّ ثمّة مخططاً دولياً لتغيير ديمغرافي سكاني داخل سوريا يعيدها بضعة قرون إلى الوراء ويتلاعب بنسبة الأكثرية ويكرس فيها الانقسامات الطائفية ولذلك غضّ العالم بصره عن المجازر وبراميل التدمير والخراب الهائل ووصل حداً من الوقاحة إلى درجة التفكير والعمل على إعادة تأهيل المجرم الذي لم يعدم وجود المخلصين له من حوله فقد جاء على لسان جميل حسن رئيس إدارة المخابرات الجوية السورية أنّه قال لبشار "اتركني أقتل مليون سوري وننهي هذه الحرب وأنا مستعد للذهاب مكانك إلى لاهاي". إذن بشّار الأسد تحيط به شبكة قوية مستعدة للتضحية بالنفس تؤيده بطريقة عمياء فماذا فعلت فصائل الشّمال المسلحة لمواجهة خصمها الذي تسنده قوى العالم قاطبة، ويضحي مؤيدوه بأرواحهم لأجله؟

قبل سنوات من الآن، راهن كثيرون على حصار كفريا والفوعة وبأنّهما ستكونان ورقتا ضغط بيد جيش الفتح في حال فكّر النظام بإبادة إدلب. لكن فاتهم أنّ بشّار الأسد لا يعنيه أمر كفريا والفوعة ولن يجد بأساً من إبادة سكّان المدينتين الشيعيتين المحاصرتين! كما ستباد القرى الدرزية في المحافظة فهؤلاء ليسوا أكثر من وقود رخيص للحرب البشعة وأضحية بلا ثمن مثل الأضاحي من الجنود العلويين الذين يحاربون على جبهات الداخل ويقتلون الناس في سبيل شخص مجنون مهووس ومريض نفسياً وعقلياً، ويبدو أنّ عملية إفراغ كفريا والفوعة جاءت نتيجة قناعة الفصائل _التي تتبادل حماية القريتين_ أنّه لا فائدة من وجودهما وأنّ مساومة النّظام بشأنهما أفضل.

الآن، كفريا والفوعة أفرغتا من سكّانهما بالباصات "غير الخضراء" كما فعل النظام حين أفرغ محيط دمشق وأرسل المحاصرين بالباصات الخضر إلى إدلب.

كان واضحاً منذ البرميل الأول بل الرصاصة الأولى، ومنذ المهلة الأولى أن المطلوب إطالة أمد الحرب

بوتين وبشّار الأسد، يقومان الآن بإرسال رسائل واضحة لسكّان الشّمال عبر طيرانه،

ولم يتأخر الدب الروسي كثيراً عقب إلقاء مناشير الجيش الأسدي فوق بعض مدن الشمال يوم أمس الخميس 9 آب فقد باشر طيرانه اليوم الجمعة بقصف خان شيخون والتح والتمانعة أقصى الجنوب المحرر وصولاً إلى أورم الكبرى في ريف حلب الغربي أقصى شمال إدلب، هل هي مقدمة لاجتياح إدلب على غرار درعا أم أنّ لهذا القصف مآرب أخرى؟

وقبل الإجابة عن هذا السؤال يجب ألا يغيب عن بالنا أنّ النّظام لم يُهجّر إلى إدلب فقط الإرهابيين إنما هجّر كتلاً بشرية أيضاً من نساء وأطفال وشباب وشيوخ وقد حصر الأمر في إدلب رغم أنّ أبناء الغوطة والقلمون أقرب إلى درعا من إدلب.

وهذا يعني أنه لم يقم بهذا الفعل ليعود ثانية لاستيعابهم لقد آثر التّخلص منهم متخلياً عن محافظة إدلب كاملة وهذا يتوافق تماماً مع ترتيبات مؤتمرات سوتشي والتوافقات الروسية الإيرانية التركية؛ ولأنّ روسيا مطالبة من قبل المجتمع الدولي بالقضاء على الإرهاب في محافظة إدلب وذلك من أجل إعلان سورية بلداً لا إرهاب فيه والانتقال إلى مرحلة استقرار معينة يحكمها بشّار الأسد الذي يعاد تأهيله حالياً وقبول بقائه من كلّ القوى المتحاربة على الأرض السورية، فقد جاء قصف أطراف المحرر شمالاً وجنوباً كرسالة لبقية الفصائل كي لا يقول أحدهم أنا بعيد عن مركز الحدث و لا علاقة لي بالموضوع، وكي لا يخرج أحد الشرعيين ويحرّم القتال مع أخوة المنهج فالطّريق أصبح باتجاه واحد فقط يؤدي إلى القضاء على هيئة تحرير الشام ومن يواليها وهذا سيكون إمّا على يد بقية الفصائل وإمّا عن طريق الكتلة النارية الروسية.

ما دور تركيا التي أعلنت أكثر من مرة أنّ إدلب ستكون تحت حمايتها؟ وماذا بشأن نقاط التمركز العسكرية للقوات التركية في الشمال؟

لكن السّؤال الأكثر أهمية والذي يطرح نفسه: ما دور تركيا التي أعلنت أكثر من مرة أنّ إدلب ستكون تحت حمايتها؟ وماذا بشأن نقاط التمركز العسكرية للقوات التركية في الشمال؟

جواد غوك أحد المحللين الأتراك صرّح منذ أيام _وهو بالتأكيد قريب من مركز القرار أو على الأقل على اطلاع كبير على الموقف التركي الرسمي_ بأنّ تركيا غير قادرة على منع معركة إدلب، وأنّها أيضاً لا تستطيع تحمل عبء مزيد من اللاجئين بظلّ هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، وأنّ تركيا باتت تعتقد أنّ سوريا بقيادة بشّار أفضل لها وهي الأقرب للنظام من روسيا وإيران. ووجود النظام على حدودها ينهي الوجود الكردي ويمنع قيام كيان له.

إذن يبقى القرار بأيدي أبناء محافظة إدلب الأحرار، الأيدي العزلاء بمواجهة الإبادة المتوقعة للمحافظة خاصة بعد طلب الأمم المتحدة من تركيا بفتح الحدود أمام اللاجئين في حال حصول المعركة _التي تعلم مجرياتها وتوقيتها بالتأكيد، والتي لا مانع لديها من حصولها ولا مانع لديها من حصول المجزرة بحق المدنيين فهي مرتاحة الضمير تماماً مادام هناك من تُعلّق المسؤولية الأخلاقية على أكتافه تجاه ما يجري.