الذل والكرامة: ما بين مناشدة "وضاح حلوم" وغضب السويداء..

2022.12.14 | 06:24 دمشق

الذل والكرامة: ما بين مناشدة "وضاح حلوم" وغضب السويداء..
+A
حجم الخط
-A

في العام الماضي صنفت منظمة الشفافية الدولية سوريا كواحدة من أكثر دول العالم فساداً، وتحدّثت في تقريرها حول سوريا عن عمولات تفرضها جهات "حكومية" على العقود، وعن ابتزاز السجناء السياسيين وأهاليهم، وجباية أموال منهم، وغير ذلك، ومن يقرأ من السوريين تقرير هذه المنظمة سيسخر بالتأكيد، فسوريا وفق هذه المعايير كان يجب أن تصنف منذ عقود كأكثر دول العالم فساداً.

منذ أيام صدّق مجلس النواب الأميركي على مشروع قانون ميزانية “الدفاع الوطني”، للسنة المالية القادمة 2023م لتصل إلى 858 مليار دولار، وفي هذا القانون هناك مشروع خاص لمكافحة مخدرات ميليشيات الأسد.

النائب الجمهوري، "فرينش هيل"، الذي ساهم في وضع مسودة القانون قال: (بالإضافة إلى ارتكاب جرائم حرب بانتظام ضد شعبه، فإن نظام الأسد في سوريا أصبح الآن دولة مخدرات)، مؤكّداً أن (المركز الحالي لتجارة المخدرات، هو في الأراضي التي يسيطر عليها نظام الأسد).

دولة هي الأكثر فساداً، وهي دولة مصدرة للمخدرات، والأخطر أنّ المشروع المقدم لمجلس النواب الأميركي يسمي رئيس هذه الدولة، أي رئيس النظام السوري “بشار الأسد” بشكل صريح، كزعيم لعصابة إنتاج وتجارة مخدرات، تشكّل تهديداً على الأمن الدولي، فهل نعي كسوريين معنى أن يصنف رئيس دولتنا كزعيم لعصابة مخدرات، وما انعكاسات ذلك على سوريا وعلاقتها بالنظام الدولي، وكيف سيتم التعامل معها وفق القانون الدولي؟ ولن أتحدث هنا عن معايير كثيرة كأدنى مستوى دخل في العالم، وعن 90% من الشعب السوري تحت خط الفقر، وعن دمشق كأسوأ عاصمة للعيش في العالم ..وعن ..وعن.

إذا كانت سوريا دولة منتّجة ومصدرة للمخدرات، وتشكل خطرا على المجتمع الدولي، وأكثر دول العالم فساداً، وتقودها مجموعة مصنفة عالميا كعصابة مخدرات، فكيف انعكس، أو سينعكس لاحقا، على المجموع البشري الذي يعيش فيها؟

ما الذي يدفع الناس إلى تحمّل كل هذه المأساة، وإلى تجرّع كل هذا الذل، وماذا تتصرف الجهة المسماة حكومة أو نظاماً حيال هذا الواقع المتردي على كافة الأصعدة؟

يمكن ببساطة شديدة أن نلمس باليد، وأن نرى ونسمع كيف انعكس هذا، فمظاهر الفقر والحرمان، وغياب مصادر الطاقة، وانهيار كل مقومات الحياة يجيب ببساطة على السؤال، لكن السؤال الذي يظل عصياً على الإجابة هو: ما الذي يدفع الناس إلى تحمّل كل هذه المأساة، وإلى تجرّع كل هذا الذل، وماذا تتصرف الجهة المسماة حكومة أو نظاماً حيال هذا الواقع المتردي على كافة الأصعدة؟

يمكن لأي سوري يعيش في الداخل السوري، وخصوصاً في المناطق التي تنتشر فيها حواجز الفرقة الرابعة، أن يحدثنا طويلاً عن ممارسات ما يسمى "أمن الفرقة الرابعة"، التي يقودها "ماهر الأسد" شقيق رئيس سوريا، فما تفعله عناصر أمن هذه الفرقة هو استباحة حقيقية لأموال الشعب السوري، ليس عبر الخوّة التي يدفعها أي عابر لهذه الحواجز فقط، وليس عبر المنافذ الحدودية والبحرية التي تسيطر عليها، وليس عبر صناعة الكبتاغون، والمتاجرة بالمخدرات التي أوكلت لماهر الأسد عند تقاسمه مع أسماء الأسد نهب سوريا فحسب، بل أيضاً عبر الاستيلاء المباشر على أملاك السوريين، إذ يمكن لعناصر هذه الفرقة أن تستولي على قطيع ماشية بكل بساطة، أو على ورشة عمل لسوري، أو على أي منزل، أو أي شيء تريد.

من ناحية أخرى تبدو شريكة ماهر الأسد في تقاسم سوريا "أسماء الأسد"، أكثر تحضراً في نهبها، فهي التي درست وعاشت في بريطانيا، تجد أنه من غير اللائق أن تسرق علانية، لذلك قبلت السيطرة على شبكة اتصالات الهواتف النقالة، وقبلت مشروع البطاقة الذكية، وهي الآن ترتب للسيطرة على بيع الكهرباء "بالأمبيرات" للمواطنين السوريين الذين غابت عنهم الكهرباء العامة، وهي أيضا تشارك في محطات الوقود الذكية، التي يمكن لشريحة المواطنين السوريين الأثرياء أن يحصلوا منها على حاجتهم من الوقود، بدون انتظار رسالة البطاقة الذكية، أو انتظار الدور لأسابيع.

لا تكتفي أسماء الأسد ومن يتبع لها، بتكديس ثروتها عبر نهب السوريين فقط، بل تحاول تشكيل حاضنة اجتماعية موالية لها، فهي التي بادرت عندما توفي أحد رجال الدين "العلويين" إلى الإيعاز بعدم قطع الكهرباء عن قريته لمدة أسبوعين، وكانت ترسل كل يوم شاحنة محملة بالإعانات والمواد الغذائية كي توزع (على روحه)، وهي التي تدعم شخصيات لها بعض الحضور الاجتماعي في منطقة معينة، عبر حصر توزيع المساعدات من خلالهم، وهي التي تحاول الظهور كمخلص لبشر يعيشون أسوأ كارثة إنسانية، من أين أتت أسماء الأسد بالكهرباء لمدة أسبوعين لهذه القرية، ومن أعطاها حق التصرف بمقدرات الدولة؟

بتكثيف شديد يمكن القول: إن إذلال السوريين ونهبهم، وإفقارهم، وتجويعهم، يتم بكل وضوح وصفاقة، والمحزن أن إسكاتهم يتم عبر تقسيمهم إلى شرائح يتم التناوب في رمي الفتات لها، هذا الفتات المغمس بالذل له وظيفتان: الأولى أنه يمنع انصهار السوريين كمجموع مضطهد ومنهوب، والذي قد يؤسس في حال تحققه لانتفاضة ما في وجه العصابة التي تحكمهم، والثانية أنه يبقي أيضاً على أمل ضعيف في أن دور الفتات أو المساعدات قد يأتي اليوم أو غداً، هكذا ينتظر السوريون المساعدات المغمّسة بالذل تماماً، كما ينتظرون الرسالة التي تخبرهم أن بإمكانهم الحصول على ربطة الخبز.

القوة الاقتصادية لسوريا كانت تتيح لهم النهب مع الإبقاء على الحد الأدنى من متطلبات الحياة للسوريين، أما اليوم فلم تعد هذه الوفرة متاحة، مما دفعهم لهذا النهب الوقح والمكشوف

ما تفعله جهات القرار والنهب في سوريا اليوم، هو ذاته ما مارسته حكومات آل الأسد طوال نصف قرن، نهب منظم للدولة وللمجتمع، لكن بفارق أساسي، هو أن القوة الاقتصادية لسوريا كانت تتيح لهم النهب مع الإبقاء على الحد الأدنى من متطلبات الحياة للسوريين، أما اليوم فلم تعد هذه الوفرة متاحة، مما دفعهم لهذا النهب الوقح والمكشوف، ولم تردعهم الأحوال الصعبة للغاية التي يعيشها السوريون عن التوقف عن النهب، والسرقة أو التخفيف منها.

لم يبقَ الكثير لكي يختار السوريون ما يجب أن يفعلوه، فالمساعدات قد تحل مشكلة يوم أو يومين، لكن سيبقى الأمر مفتوحاً باتجاه ما هو أسوأ بكثير، وما من طريق سوى أحد خيارين قالهما السوريون في الأيام القليلة الماضية، فإمّا أن يختاروا المناشدة التي تظهر ذلا غير مسبوق والتي فعلها الفنان "وضاح حلوم"، والتي لن تفيدهم بشيء، وإمّا أن يختاروا ما فعله أبناء السويداء، فينزلون إلى الشارع كي يصرخوا في وجه هذه العصابة التي سرقت حياتهم ومستقبلهم.