الحرب على غزة.. لا مجال للعرب للتهرب من قدرية الجغرافيا

2023.11.10 | 05:50 دمشق

الحرب على غزة.. لا مجال للعرب التهرب من قدرية الجغرافيا
+A
حجم الخط
-A

شهر مضى على عملية طوفان الأقصى. لم يستطع الإسرائيليون حتى الآن من تحقيق إنجاز عسكري جدّي وحقيقي بغض النظر عن تسجيل بعض الاقتحامات البرية إلى أطراف القطاع، ومحاولات تقسيمه إلى قسم واحد جنوبي وآخر شمالي. وإذا كانت أي حرب أو معركة عسكرية تخاض في سبيل تحقيق مكاسب سياسية، وهذا ما تثبته تجارب التاريخ، فلم تنجح إسرائيل حتى الآن في تكوين هدف سياسي حقيقي لعملياتها العسكرية، إنما ترتكز على عمليات الانتقام والتجزير بهدف التهجير. وهذا مكمن حقيقي لخلاف آخذ بالتوسع بين الإسرائيليين والأميركيين الذين يطرحون أسئلة كثيرة على بنيامين نتنياهو لسؤاله عن المخرج الاستراتيجي والرؤية السياسية لديه لكنه لا يجيب لعدم توفرهما.

غالباً في مثل هذه الحالات، يكون الطرف المهاجم خاسراً سلفاً، خصوصاً بعدما وضع أهداف غير واقعية لعمليته العسكرية، كمثل سحق حركة حماس وتدميرها عسكريا أو تهجير فلسطينيي القطاع إلى الخارج، فيما بعد تدرجت الأهداف نزولاً إلى حصر المسؤولية برئيس المكتب السياسي للحركة في غزة يحيى السنوار. بينما لم يقدم الإسرائيليون أن رؤية لمرحلة ما بعد انتهاء العملية العسكرية، وهذا يوسع المشكلة الحقيقية بين الإدارة الأميركية ونتنياهو، وهي ما تزال غير ظاهرة حتى الآن. يسعى نتنياهو إلى إطالة أمد الحرب لأقصى مدة ممكنة، في حين لن تتمكن واشنطن من الموافقة على ذلك. خصوصاً في ظل التظاهرات، والاختلافات التي تضرب الحزب الديمقراطي، وصولاً إلى استطلاعات الرأي التي تشير إلى تراجع شعبية جو بايدن، وصولاً إلى احتمالات خسارته.

البحث الأساسي ما يزال يتركز على خلق بديل لنتنياهو، وهو ما سيفرض تدخلاً أميركياً بالتفاصيل الإسرائيلية الداخلية، وفق دوره كدينامو ومحرك للعبة

قد يغض الأميركيون النظر عن بعض الضربات التي توجه إلى إسرائيل من محور الممانعة، وذلك لتشكيل عناصر ضغط جديدة على الحكومة الإسرائيلية ونتنياهو شخصياً لتحذيره من أن ما يجري سيؤدي إلى حرب إقليمية وهذه ليست من مصلحة أي طرف، وبالتالي لا بد من إنزال الإسرائيليين عن الشجرة ضمن سياسة الاحتواء التي يمارسونها. فيما البحث الأساسي ما يزال يتركز على خلق بديل لنتنياهو، وهو ما سيفرض تدخلاً أميركياً بالتفاصيل الإسرائيلية الداخلية، وفق دوره كدينامو ومحرك للعبة. 

في هذا الإطار تأتي تحركات إيران وحلفائها في توجيه ضربات مضبوطة ومدروسة فيغض الأميركيون النظر عنها على قاعدة تبرئة إيران من مسؤوليتها عن ذلك، بهدف عدم توسيع إطار الصراع، بينما ما يزال الإسرائيليون يبحثون عن تحقيق أي مكسب، وهو مسار متعذر بالمعنى العسكري وبدأ يضيق بالمعنى الدولي وعلى مستوى الرأي العام العالمي. سيبحث الإسرائيليون عن أي مخرج، بضغط أميركي للخروج من هذا المأزق العسكري. أما سياسياً، فإن النقاش الأبرز هو مستقبل قطاع غزة والقضية الفلسطينية ككل، وهو السؤال الذي لا يمتلك أي طرف جواباً عليه، إذا كانت منظمة التحرير هي التي ستتولى ذلك، أم أنه سيعاد إنتاج تركيبة السلطة وتكون حماس ضمنها لتتكون قدرة على إدارة الضفة والقطاع.

لا يمكن للعرب ترك القضية من دون حلّ، ولا الهروب من قدرية الجغرافيا السياسية، فأي هزيمة فلسطينية ستكون تداعياتها خطيرة عربياً في المرحلة المقبلة

بالنظر إلى السياسة الأميركية الحريصة على مسايرة إيران ومسايرة كل القوى، فهذا يعني أنها لديها رؤية أوسع من مجرد النظرة الإسرائيلية، لكن ذلك سيكون بحاجة إلى فتح مسار طويل في نهايته أفق وحلّ للقضية الفلسطينية والضغط في سبيل إنشاء دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية، فمن دون حل هذا الأمر وتحقيق طموحات وآمال الشعب الفلسطيني لا يمكن الحديث عن حلّ لقضايا الشرق الأوسط. خصوصاً أن الأميركيين لا يريدون الذهاب إلى اعتماد سياسة الحروب، وهنا لا يمكن إغفال وجود منافسين دوليين للولايات المتحدة الأميركية، أبرزها روسيا والصين، وكلام كثير يقال في روسيا إن الحرب على قطاع غزة والموقف الروسي منها في أحد جوانبه رد على الحرب الروسية الأوكرانية والموقف الغربي منها، وهذا سيحرج الأميركيين أكثر ويجبرهم على البحث عن حلول على قاعدة موازنة علاقاتهم مع الجميع، ولذلك فإن ما تريده واشنطن هو البقاء على علاقة مع طهران، ولعدم وضعها بشكل كامل في الحضن الروسي الإيراني.

كل هذه الوقائع، يفترض أن تدفع الدول العربية إلى تكوين مشروع متكامل يقوم على حلّ عادل للقضية الفلسطينية والضغط في سبيل تحقيقها، إذ لا يمكن للعرب ترك القضية من دون حلّ، ولا الهروب من قدرية الجغرافيا السياسية، فأي هزيمة فلسطينية ستكون تداعياتها خطيرة عربياً في المرحلة المقبلة، كما كان الحال بالنسبة إلى خسارة العراق، وسوريا ولبنان من قبل فانتقل الصراع إلى اليمن على حدود الأمن القومي الخليجي.