icon
التغطية الحية

الحرب القادمة في سوريا بين إسرائيل وإيران

2018.04.16 | 16:04 دمشق

موقع لقوات النظام قرب دير الزور قصفته إسرائيل وتقول إنه موقع نووي(رويترز)
نيويورك تايمز-ترجمة وتحرير موقع تلفزيون سوريا
+A
حجم الخط
-A

أوقفني إن سمعت هذا من قبل؛ سوريا ستنفجر أعلم أنك قد سمعت هذا التحذير سابقا ولكن هذه المرة أنا أعني فعلا ما أقول. في الواقع، يعتبر الهجوم الأمريكي والبريطاني والفرنسي على "سوريا" لمعاقبة نظام الأسد لاستخدامه الأسلحة الكيميائية، بالإضافة إلى تعهد روسيا بالرد على ذلك، ثاني أكثر المواجهات خطورة في هذا البلد.

في الأثناء، يبدو أن إسرائيل وإيران تتجهان نحو حرب وشيكة الاندلاع في سوريا بسبب محاولات إيران جعل هذا البلد قاعدة جوية متقدمة لمواجهة إسرائيل وهو أمر تتعهد إسرائيل بعدم حدوثه وهذه ليست مجرد تكهنات. ففي الأسابيع القليلة الماضية ولأول مرة في التاريخ، بدأت إسرائيل وإيران بتبادل الضربات بشكل مباشر في سوريا دون وكلاء. ويبدو أن هذه المرحلة الهادئة على وشك الانتهاء، في الوقت الراهن باتت إسرائيل وإيران في حالة تأهب قصوى للمرور إلى المرحلة القادمة وإن حدث هذا فقد يصعب على الولايات المتحدة وروسيا المحافظة على موقف المتفرج.

دعوني أحاول أن أشرح ما يجري من خلال الكشف عن المعطيات التي جمعتها من موقع مراقبة الحدود السورية الإسرائيلية حيث كنت منذ يومين، ولمتابعة الوضع من المنزل أوصي بشدة بهذا الموقع الذي يرصد الصراعات السورية المتشابكة والمتعددة بصفة آنية، ويستخدمه مراقبو الأمم المتحدة هنا في مرتفعات الجولان.

أولا، يبدو الهجوم الأخير بقذائف كروز الأمريكية والبريطانية والفرنسية لمعاقبة النظام السوري مثل عملية أحادية الجانب وسيتم احتواء تأثيراتها، كما لا ترغب روسيا وسوريا في مغازلة غارة غربية أخرى ورفع مستوى التدخل في سوريا للقوى الغربية الكبرى الثلاث، في المقابل لا ترغب تلك القوى الكبرى في التورط أكثر في سوريا.

إن الحرب المباشرة التي لا يمكن احتواؤها، والتي هي بصدد الحدوث بين إسرائيل وإيران، هي على الأرجح الأكثر إثارة للقلق لأنها قد تكون على وشك المرور إلى الجولة الثانية.

انطلقت الجولة الأولى من هذه الحرب في العاشر من شباط/ فبراير، عندما أُسقطت طائرة من دون طيار إيرانية أطلقتها وحدة فيلق القدس التابعة للحرس الثوري انطلقت من القاعدة الجوية السورية "تي 4"، في منطقة واقعة شرقي حمص وسط سوريا، بواسطة صاروخ من طائرة مروحية إسرائيلية من طراز أباتشي كانت تقتفي أثرها منذ أن اخترقت المجال الجوي الإسرائيلي.

لقد أشارت التقارير الأولية إلى أن الطائرة الإيرانية كانت في مهمة استطلاعية. ومن جهته، قال المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، الجنرال العميد رونان مانليس، يوم الجمعة، إن مسار الطائرة و"التحاليل الاستخباراتية لأجزاء المركبة الإيرانية غير المأهولة تشير إلى أنها كانت تحمل متفجرات، وهذا يعني أن مهمتها كانت تنفيذ عمل تخريبي داخل الأراضي الإسرائيلية".

ليست لدي القدرة على التحقق من هذا الادعاء بشكل مستقل، ولكن يكفي تحدث الإسرائيليين عن هذا الأمر لندقّ أجراس الخطر. فإذا كان هذا الادعاء صحيحًا، فإنه يشير إلى أن قوات فيلق القدس بقيادة العقل المدبر العسكري الإيراني قاسم سليماني، ربما كانت تحاول شن ضربة عسكرية فعلية على إسرائيل من قاعدة جوية في سوريا، وهذا ينفي احتمال أن تكون العملية مجرد عملية استطلاعية.

من المؤكد أن ما ذكر آنفا من معطيات يساعد على فهم سبب شن الطائرات الإسرائيلية غارة صاروخية، قبل فجر يوم الاثنين الماضي، على القاعدة الرئيسية للطائرات من دون طيار الإيرانية "تي 4". لقد كانت هذه الحادثة محور اهتمام كبير، حيث قتلت إسرائيل سبعة من أعضاء فيلق القدس الإيرانيين بما في ذلك العقيد مهدي دهقان، الذي قاد وحدة الطائرات من دون طيار، إلا أنها فقدت زخمها إلى حد كبير في خضم رد الفعل العالمي، وتغريدات ترامب، حول استخدام الرئيس بشار الأسد الأسلحة الكيميائية قبل يومين.

حيال هذا الشأن، صرح المصدر العسكري الإسرائيلي قائلا "كانت تلك أول مرة نهاجم فيها أهدافا إيرانية حية، سواء تعلق ذلك بالمرافق أو الأشخاص". في المقابل، لم يعلن الإيرانيون صراحة عن خسائرهم المحرجة التي تكبدتها قواتهم من خلال وكالة فارس شبه الرسمية للأنباء فقط، بل قللوا من الخسائر غير المباشرة الناجمة عن الضربات الإسرائيلية في سوريا، لكنهم توعدوا بالانتقام بصفة علنية. وخلال زيارته لسوريا، أفاد مستشار شؤون الدولة لدى القائد الأعلى للثورة الإسلامية، علي أكبر ولايتي، بأن هذه الجرائم لن تبقى دون إجابة.

منذ ذلك الوقت، روج مسؤولون كبار في وزارة الدفاع الإسرائيلية إلى أنه في حال ردت إيران على هذا الهجوم وضربت أهداف إسرائيلية، قد تستغل إسرائيل هذه الفرصة لإجراء هجوم مضاد هائل الحجم على البنية التحتية للمنشآت العسكرية الإيرانية في سوريا. والجدير بالذكر أن إيران تحث الخطى لإقامة قاعدة جوية أمامية في سوريا، بالإضافة إلى إنشاء مصنع للصواريخ الموجهة بنظام التموضع العالمي والقادرة على إصابة أهداف داخل إسرائيل بدقة أكبر. كما تعمل إيران على توزيع هذه الصواريخ على النظام السوري وعلى قيادات حزب الله في لبنان.

علاوة على ذلك، يضيف هؤلاء المسؤولون العسكريون أنه ليس هناك مجال لاقتراف إسرائيل للخطأ ذاته الذي ارتكبته في وقت سابق في لبنان، وذلك عندما سمحت لحزب الله بأن يتحول إلى تهديد كبير هناك، فضلا عن أن تسمح لإيران بالقيام بالأمر ذاته بصفة مباشرة على الأراضي السورية. وفي الوقت الحالي، يمكن فهم الأسباب التي تجعل الوضع الراهن شديد الخطورة، حتى دون تسليط الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة لعقوبات على نظام الأسد نظير استخدامه للأسلحة الكيميائية.

في واقع الأمر، تزعم إيران أنها تنشأ قواعد في سوريا بغية حمايتها من إسرائيل، بيد أن إسرائيل لا تمتلك مخططات في سوريا، وتفضل استئصال الشيطان الذي يتمركز على الأراضي السورية، أي بشار الأسد، على أن تثير الفوضى. ويمكن تبين ذلك من خلال عدم تدخل إسرائيل في الحرب الأهلية التي تدور هناك، واقتصار نشاطها على منع توسع البنية التحتية العسكرية الإيرانية في البلاد، أو الانتقام من القذائف السورية التي تسقط على الأراضي الإسرائيلية.

إقرارا للحق، يمكن تفهم مخاوف إيران الأمنية في الخليج، حيث تواجه عددا كبيرا من القوى السنية العربية الموالية للولايات المتحدة الأمريكية، التي تسعى جاهدة إلى تقويض نظامها الإسلامي واحتواء نفوذها. وعند تبين المسألة من منظور إيران، نجد أنها تشعر بأنها عرضة للخطر. لكن ما الذي تفعله إيران في سوريا؟

حيال هذا الشأن، تبدو محاولة طهران لبناء شبكة من القواعد ومصانع الأسلحة في سوريا، التي ساعدت الأسد على إخماد نيران الثورة القائمة ضده، شبيهة باستعراض للعضلات بقيادة قائد فيلق القدس الإيراني، اللواء قاسم سليماني، الذي يسعى لتوسيع نفوذ إيران في العالم السني العربي، وتعزيز صراع السلطة بينه وبين الرئيس، حسن روحاني. ويعتمد فيلق القدس التابع لسليماني على الوكلاء لبسط سيطرته على عدة مدن عربية، ويمكن القول إنه سيطر تقريبا على دمشق وبغداد، فضلا عن بيروت وصنعاء.

أصبحت إيران أكبر "قوة محتلة" في العالم العربي اليوم. في الأثناء، يستغل سليماني منصبه للقيام بأمور أخرى، خاصة في حال وجد نفسه في مواجهة مباشرة مع إسرائيل في سوريا، بعيدا عن إيران ودون أن يتوفر له غطاء جوي. وعموما، بادر بعض المواطنين العاديين من إيران قبل كل شيء، إلى طرح بعض الأسئلة العلنية حول السبب الذي يدفع بإيران إلى إنفاق مليارات الدولارات على إدارة حروب في كل من سوريا ولبنان واليمن، في حين كان من المفترض أن تعود هذه الأموال بالنفع على الإيرانيين نظير رفع العقوبات عن الاتفاق النووي الإيراني.

في الحقيقة، كان ذلك أحد الأسباب التي منعت إيران من القيام برد فعل إلى غاية الآن، إذ يتوجب على سليماني التفكير مرتين قبل خوض غمار حرب مباشرة وواسعة النطاق مع إسرائيل. ويرجع ذلك بالأساس إلى عامل مهم لم يلاحظه الكثيرون، ويتمثل في انهيار العملة الإيرانية في البلد.

ويمكن تبيّن مدى هول هذه المشكلة عند النظر إلى التقرير الذي نشره موقع "سي إن بي سي" الأمريكي في 12 نيسان/أبريل الجاري، والذي تطرق إلى تدني الريال الإيراني إلى مستوى قياسي منخفض بسبب المخاوف المتزايدة والمتعلقة بالمجالين الاقتصادي والسياسي في البلاد. وقد تسبب ذلك في اندفاع البنوك والمواطنين بيأس للحصول على الدولار الأمريكي، ما أدى إلى إغلاق منصات تبادل العملات بصفة قسرية تجنبا للصفوف الطويلة والفوضوية. كما أفاد التقرير أن الريال خسر حوالي ثلث قيمته خلال هذه السنة.

علاوة على ذلك، يعتقد المسؤولون العسكريون الإسرائيليون أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، وسليماني لم يعودا حليفين طبيعيين. ويعود ذلك إلى رغبة بوتين وحاجته إلى تحقيق الاستقرار في سوريا، ليتسنى لدميته، بشار الأسد، السيطرة عليها. وإن لم يكن ذلك كافيا، فسيتسنى لبوتين المحافظة على تعزيز حضوره العسكري، البحري والجوي، مما يجعل روسيا تبدو كقوة عظمى مرة أخرى مقابل دفع ثمن زهيد.

على نحو مماثل، من المرجح أن الرئيس روحاني يحبذ استقرار الأوضاع في سوريا، حيث يعزز الأسد سلطته ولا يتسبب في إحداث نزيف أكبر على مستوى الميزانية الإيرانية. لكن، يبدو أن سليماني وفيلق القدس التابع له يتطلعان لفرض المزيد من الهيمنة على العالم العربي وممارسة ضغط أكبر على إسرائيل. وفي حال لم يتراجع سليماني، فقد يشهد الفلك السوري بزوغ نجم فيلق القدس، الذي لا يمكن إيقافه، والذي من المرجح أن يصطدم بجرم إسرائيل الذي لا يمكن زحزحته.

 

الكاتب: توماس فريدمان