icon
التغطية الحية

الجولاني في مواجهة الحراك الشعبي بإدلب.. ما هي خياراته؟

2024.03.21 | 18:58 دمشق

آخر تحديث: 21.03.2024 | 18:58 دمشق

1
+A
حجم الخط
-A

اجتمع أبو محمد الجولاني زعيم هيئة تحرير الشام قبل يومين بمن أسماهم "نخب وكوادر المجتمع" واستمع لما وصفها بـ "المطالب المحقة" وقدم للمجتمعين معه ورقة مخرجات الاجتماع جاهزة قبل انتهاء الاجتماع تتضمن عدة بنود لكي يختار كل منهم ما يراه بحاجة للإصلاح.

قبل الدخول في بنود ورقة مخرجات الاجتماع المقدمة الجولاني تجدر الإشارة إلى أن أغلبية من اجتمع معهم الجولاني هم من أتباعه، وقد أرسلت الهيئة الدعوات للاجتماع بشكل فردي، فهي اختارت الحضور، ورغم وجود أصوات ذات سقف مطالب مرتفع إلا أنها كانت دون فائدة، فالأغلبية الساحقة من أتباع الجولاني جعلت تلك الأصوات أقلية ضعيفة، لا يؤخذ بكلامها بسبب عدم تأييد الطرح، فهي دعيت لتحقق غاية الجولاني بالحديث عن حرية الرأي والطرح، لا لسماع الرأي والطرح والعمل عليه.

تضمنت ورقة مخرجات الاجتماع بنوداً سبعة على رأسها:

  •  تشكيل مجلس استشاري أعلى ينظر في القرارات الاستراتيجية، دعوة مجلس الشورى لإجراء انتخابات مبكرة وتوسيع تمثيل المجتمع فيه
  • إعادة تشكيل جهاز الأمن العام ضمن وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ
  •  تشكيل ديوان للمظالم
  •  تشكيل جهاز رقابة أعلى
  •  إعادة النظر في السياسات الاقتصادية ومكافحة الفساد ومنع الاحتكار
  • تفعيل دور المجالس المحلية والنقابات المهنية.

وعلى الرغم من أن الجولاني لم ينظر إلى مطالب المتظاهرين المنادية بإسقاطه أو إقالته، بل عززها بحديث مطول عن غياب البديل، واختتم ذلك بمسرحية طالب فيها المجتمعين من أتباعه بإيجاد بديل يجمع عليه الناس خلال جلستهم المنعقدة، ليسلمه مقاليد السلطة، ولم ينهي الجولاني كلامه حتى توالت صيحات تجديد البيعة والتبعية له من قبل أتباعه الذين ألبسوه العباءة العربية كتكريم وتقدير له.

كل ذلك لم يكن مستغرباً من قبل المتابعين للتطورات الأخيرة في إدلب، لكن غير المتوقع هو التملص الكامل من تقديم الإصلاحات، بينما كان يتوقع عدد من المراقبين تقديم حزمة إصلاحات بسيطة لامتصاص غضب الشارع.

كثيرون رأوا وعود الجولاني في هيكلة جهاز الأمن العام ومجلس الشورى، وتشكيل مجلس استشاري وديوان مظالم وتفعيل المجالس المحلية والنقابات، وغيرها، التفافاً على مطالب المحتجين داخل الهيئة وفي ساحات التظاهر، التفافاً على أولئك المطالبين بإسقاطه وحتى المطالبين بإصلاحات تحت سلطته.

فضلاً عن براغماتية الجولاني وتاريخه الطويل في التملص من الوعود التي يقطعها والانقلاب على سالف قوله، إذ يسلك طريق التسويف والعمل على بنود يحتاج تطبيقها أشهراً، في حين يحتاج ظهور نتائجها لفترة زمنية أطول.

فنتائج توسعة مجلس الشورى لن تظهر بشكل آني ولن تظهر بشكل مؤثر وفعال في حياة سكان الشمال، ومثلها تشكيل الجهاز الرقابي، وإتباع جهاز الأمن العام بسلطة وزارة الداخلية، فجميعها، بحسب المراقبين، إجراءات تحسن الحياة العامة إن طبقت بصورة صحيحة لكنها لا تحدث الفرق بصورة واضحة.

وذلك فضلاً عن انعدام الثقة بتطبيق تلك البنود التي وعد الجولاني بالعمل عليها.

يواجه الجولاني عقبة كبيرة في الملف الاقتصادي جعلته يفوت على نفسه فرصة تهدئة الشارع وربما إخماد حراكه، إذ يبدو أن الجولاني لم يفوت تلك الفرصة عن جهل، بل كان متعمداً، واختار مواجهة الحراك وهدد بالتدخل والبطش في اجتماعه الأخير قبل أيام.

ويرى مراقبون أن الإصلاحات الاقتصادية هي أسرع أنواع الإصلاحات انعكاساً على أرض الواقع، وأكثرها تأثيراً في المجتمع، فكان يمكن للجولاني الإعلان عن زيادة في رواتب الموظفين الحكوميين التابعين له، وستنعكس تلك الزيادة إيجاباً على أرض الواقع حتى قبل أن تصل إلى جيوب مستحقيها، كما أن إعلان الجولاني عن إلغاء أو تخفيض بعض الضرائب المفروضة كضريبة النظافة أو تكلفة استخراج رخصة القيادة كان سيحدث فرقاً كبيراً.

أيضاً كان يمكن للجولاني الإعلان عن منع احتكار تجارة المحروقات (نقلها من ريف حلب الشمالي إلى إدلب وبيعها في السوق بأسعارها العادلة دون إلزام بالسعر أو فرض ضريبة على المعابر الداخلية)، أو حتى إعلانه إلغاء المعابر الداخلية وتحويلها إلى حواجز أمنية لحماية المنطقة، سرد المتابعون أمثلة كثيرة على الملفات الاقتصادية التي كان يمكن للجولاني الإعلان عن إصلاحات فيها يضمن فيها انخفاض زخم الاحتجاجات المناهضة.

الاقتصاد خط أحمر

لكن الجولاني يمتلك عقدة اقتصادية كبيرة، جعلته يفضل خيار مواجهة الشارع المحلي على التخلي عن بعض مصادر الأموال التي يرفد فيها خزينة الهيئة وجيوب القادة المتنفذين فيها.

في بحث أعده مركز جسور للدراسات أواخر عام 2022 بعنوان "موارد هيئة تحرير الشام.. التقديرات الراهنة والآفاق المستقبلية" فقد بلغت أرباح استثمارات الهيئة في ملف المحروقات 3.5 مليون دولار سنوياً على أقل تقدير، ومثلها في استيراد مواد البناء، ومليون دولار سنوي نتيجة احتكار تجارة السكر، و2.4 مليون دولار نتيجة احتكار استيراد الموز وغيرها الكثير من الأمثلة.

هل مطالب المحتجين اقتصادية فقط؟

بدوره طرح موقع تلفزيون سوريا على المتابعين السؤال التالي: لقد أوليتم الجانب الاقتصادي حيزاً كبيراً كما لو أنكم تعتبرون أن مطالب المحتجين اقتصادية في الدرجة الأولى، أو كما وصفها البعض بثورة الجياع، أليس ذلك انتقاصاً من حراك الشارع المحتج والمطالب بإسقاط الجولاني؟

بعد نفي حصر مطالب الحراك بالاقتصادية ورفض وصفها بثورية الجياع، كانت الإجابة في تقسيم المحتجين إلى شريحتين:

الشريحة الأولى: عامة الشعب ممكن أنهكهم الاحتكار وغلاء المعيشة وفروق الأسعار بين إدلب وشمال حلب، فضلاً عن عجزهم عن دفع الضرائب الكبيرة المفروضة عليهم، وهم أكثرية المتظاهرين.

الشريحة الثانية: المثقفة المنخرطة بالعمل والنشاط السياسي، التي يهمها الشأن العام وإزالة رأس هرم السلطة في إدلب ووجود تغير في آلية وعمل مجلس الشورى ويزعجها تعطيل النقابات ودور الرقابة على المؤسسات، وهي شريحة تمثل أقلية مقارنة بالشريحة الأولى، لكنها المؤثرة والمحركة للشريحة الأولى.

كلا الشريحتين تكملان بعضهما البعض، إذ لا يمكن لشريحة الاستمرار في الحراك منفردة، فالشريحة الأولى المتمثلة بالبسطاء المنهكين من الغلاء والاحتكار لا يمكنهم الاستمرار دون وجود منسقين ومحركين وتغطية إعلامية وحشد ومناصرة، كما أن الشريحة الثانية شريحة المؤثرين لا يمكنها المضي قدماً دون الزخم الشعبي الكبير الذي تكتسبه من الشريحة الأولى ذات الأكثرية العددية.

وفي المحصلة يبدو أن الجولاني أمام خيار واحد لإنهاء أو إخماد الحراك الشعبي سلماً، يتمثل في إبعاد واحدة من الشريحتين عن الحراك، وبطبيعة الحال فإنه لن يستجيب لمطالب الشريحة الداعية لإبعاده عن الحكم، لكنه أيضاً لم يقدم الإصلاحات الاقتصادية للشريحة البسيطة ليبعدها عن الحراك ويفقده زخمه الآخذ بالزيادة من ناحية العدد ورفعة الاحتجاجات يوماً بعد يوم، وفصل استخدام أسلوب التهديد الذي من شأنه أن يعقد الأمور ويدفع بها إلى نقطة اللاعودة مع الشعب مع أول قطرة دم قد تسيل إن قرر قمع الاحتجاجات بالقوة.