icon
التغطية الحية

الجهاديون المناهضون لهيئة تحرير الشام يتهمونها بـ"إفساد المرأة" في إدلب

2022.09.29 | 06:07 دمشق

55
نساء في مقهى مخصص لهن في إدلب (تلفزيون سوريا)
إدلب ـ خالد الخطيب
+A
حجم الخط
-A

يتداول الجهاديون المناهضون لهيئة تحرير الشام تسجيلات مصورة وصورا مسربة على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر جوانبَ من البرامج التدريبية والأنشطة النسوية التي تنظمها جمعيات ومنظمات دعم وتمكين المرأة المحلية في إدلب، وهو ما أثار جدلاً واسعاً بين الجهاديين الذين اتهموا تحرير الشام بالمساهمة بـ"إفساد المرأة" المسلمة لأنها سمحت لهذه الجمعيات بالعمل في المنطقة، وأتاحت لها الفرصة كي تقيم دورات تدريبية متنوعة للنساء اللواتي بتن يختلطن بالرجال.

وأنشأ بعض الجهاديين في إدلب قناة خاصة في موقع تلغرام لنقل الصور والتسجيلات المصورة التي تنقل جوانبَ من أنشطة المنظمات الداعمة للمرأة في إدلب، وأطلقوا على القناة اسم وزارة الدفاع العقدي، بعض المنشورات انتقدت نزول المرأة إلى العمل، وارتيادها أعمالاً "تقلل من حشمتها ولا تناسب وضعها وقوتها"، وفق الجهاديين، وفي منشور آخر يقول القائمون على الصفحة  "إن المرأة إذا خرجت سافرة متبرجة أفسدت الرجال، وأغوت غيرها من النساء إلا من شاء الله، فبفساد المرأة يفسد المجتمع، وبصلاحها يصلح المجتمع".

جهود "مثمرة"

وفي منشور آخر يؤكد الجهاديون القائمون على "وزارة الدفاع العقدي" بأن جهودهم باتت تثمر، وهو ما أجبر واحدة من المنظمات على حذف منشور يظهر تدريباتها للنساء لنشر التوعية حول أهمية الرضاعة الطبيعية بالنسبة للأطفال، جاء في التعليق "منظمة أنت الحياة والسلام تحذف المنشور الذي استفزت به المسلمين بالمحرر، عن الرضاعة الطبيعية أساس الحياة، هذا إن دل على شيء فإنما يدل على تأثير بث الوعي بين أفراد المسلمين على مواقع التواصل الاجتماعي وخوف المنظمات من ردات فعل المجتمع تجاههم".

وفي تعليق آخر يصف فريق من الجهاديين النسويات بأنهن "أخوات الشياطين" وينتقدون أيضا المنظمات التي تحارب الزواج المبكر للفتيات ويعارضون الاختلاط الحاصل بين الرجال والنساء في الأنشطة التي تقوم بها المنظمات التي تعنى بدعم المرأة في إدلب والمساواة بين الذكر والأنثى مرفوضة بالنسبة للجهاديين، وبعضهم وصف بعض المنظمات بأنها ماسونية تعمل على إفساد المرأة.

وقال الجهادي المنشق عن تحرير الشام، أبو شعيب طلحة المسير، وهو مصري الجنسية يقيم في إدلب، قال على تلغرام "منظمات إفساد المرأة تسير في خطى متتابعة وبمراحل متدرجة لإفساد المجتمع وهدمه من الداخل، وما لم يكن هناك طرد ومطاردة لتلك المنظمات فإن إفسادها سيزيد، فلكل فتنة أتباعها، ومن يقر تلك المنظمات ويفتح لها المجال ويرخص عملها فهو عدو للأمة شريك أصيل للأعداء".

ومن بين التسجيلات المصورة التي تم تداولها بكثرة بين الجهاديين المناهضين لتحرير الشام في إدلب وأثارت جدلاً واسعاً، تسجيل مصور ظهرت فيه مجموعة من النسوة في أثناء أدائهن لمشهد تمثيلي أمام مجموعة من النساء ينبهن فيه من مخاطر الزواج المبكر بالنسبة للفتيات الصغيرات في السن، ومنع تزويجهن تحت سن الثامنة عشرة، وهو ما اعتبره الجهاديون "ترويجاً للأفكار الغربية وتحريم ما أحله الله".

وقال الجهادي المنشق عن تحرير الشام أبو يحيى الشامي تعليقاً على التسجيل الذي يحذّر من خطورة الزواج المبكر للفتيات، "أنشر هذا المقطع للعلم والأخذ على أيدي خبثاء هذه المنظمات العلمانية السافلة، لماذا لم يأتوا برجال ليمثلوا هذه الأدوار القبيحة، يا أهل الشام، إن هذه المنظمات تحارب الدين وتفسد الأخلاق وتدعو إلى التفلت وهدم الأسر، ومن يرسل نساءه لتعمل مع هذه المنظمات أو تسمع منها، فهو ديوث، ومن جاهد هذه السفاهة والسفالة بيده فهو مؤمن، ومن جاهدها بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدها بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل".

"تلميع" صورة الجولاني

وراح بعض الجهاديين يشبه المرأة بالبطيخة التي يقطعها البائع كي يظهر جودة بضاعته، ولكن البطيخة المقطوعة لا أحد يشتريها، والسبب وفق الجهاديين " لأن الكل رآها، أصبح عليها غبار وتلوث لذا لا أحد يشتريها، وكذلك حال المرأة التي دائما ما يكون لباسها غير محتشم وتصرفاتها غير لائقة، وصحيح أنها تجلب الأنظار إليها لكن لا أحد يأخذها، لأن الكل يحب المستور والنظيف". ويدعو فريق من الجهاديين إلى مطاردة منظمات دعم وتمكين المرأة وإغلاق مكاتبها في إدلب لأنها تحارب الدين، وتروج للجندرة، وتفسد الأخلاق وتدعو إلى التفلت وهدم الأسر بحجة تحرير المرأة، ودعوا أيضا إلى طرد المسؤولين عنها.

قالت مصادر سلفية متطابقة لموقع "تلفزيون سوريا" إن "قرار الترخيص للمنظمات والجمعيات التي تختص بتدريب ودعم المرأة في إدلب وبشكل خاص داخل مخيمات النازحين هو قرار صادر بشكل مباشر عن تحرير الشام وزعيمها أبو محمد الجولاني الذي أمر بتسهيل عملهم وعدم التعرض لهم، فالجولاني بات يستثمر في ملف دعم المرأة لتلميع صورته لدى الغرب بعدما استثمر في الأقليات والطوائف خلال زياراته لقرى المسيحيين في منطقة جسر الشغور جنوب غربي إدلب، والتقى بالدروز في جبل السماق شمال شرقي إدلب قبل مدة".

أضافت المصادر: "إن إدلب وعموم المناطق المحررة شمال غربي سوريا هي اليوم أمام منعطف خطير، إما التصدي لهذه الأفكار التي تروج لإفساد المرأة وكبحها، وإيقاف مروجيها، أو السماح للجولاني كي يتمادى أكثر في إظهار انفتاح تنظيمه مستخدماً المرأة كسلعة ليظهر بمظهر المعتدل المتسامح الذي يحترم ويشجع تحرر المرأة، وهي مزاعم باطلة لا تعكس حقيقة هذا التنظيم".

الجولاني: ما يحصل حرية شخصية

قال المنشق السابق عن تحرير الشام أبو حمزة الكردي على تلغرام "خلال جولة الجولاني في كفر روحين بريف إدلب سئل عن الفساد المنتشر في مدينة إدلب وانتشار التبرج والسفور والاختلاط وجمعيات تمكين المرأة وإفسادها، فكان جوابه واضحاً وصريحاً، قال إن ما يحصل هو حرية شخصية".

يبدو أن تمدد مكاتب منظمات دعم المرأة في إدلب والمخيمات التي تؤوي آلاف النازحين في مناطق سيطرة المعارضة قد أزعج بالفعل طيفاً واسعاً داخل التيار الجهادي المتشدد المناهض لتحرير الشام، كما أن الانفتاح المفترض وعمل مكاتب دعم المرأة في إدلب قد أزعج أيضا المتشددين في صفوف تحرير الشام والذين باتوا ينتقدون ما يسمونه بالتبرج وخروج النساء بالزينة في الأسواق، وقيادة النساء للسيارات وغيرها من الأفعال التي كان يمنعها جهاز الحسبة الذي تم إلغاؤه في العام 2021.

فقه المصالحة

وخلال العامين 2020 و 2021 وحتى نهاية النصف الأول من العام 2022، تماشى التيار الجهادي المتشدد داخل تحرير الشام مع الكثير من التغييرات الإيديولوجية والتحولات البراغماتية، أهمها الترويج لمسألة إدخال الجيش التركي والتعاون معه من باب فقه المصلحة، وقد تولى مهمة الترويج لهذه الأفكار في صفوف مقاتلي تحرير الشام في معسكرات التدريب والثكنات أبو الفتح الفرغلي ومواطنه المصري أبو الحارث، وكلاهما انشقا مؤخراً، ولكنهما ومعظم شخصيات التيار المتشدد لم يكونوا راضين على الانفتاح المتزايد، وإلغاء جهاز الحسبة والسماح لمكاتب ومنظمات دعم المرأة بتصعيد نشاطها وافتتاح المزيد من المقار والمكاتب، وأبدوا معارضتهم للتغييرات المتسارعة في مختلف قطاعات السلطة الأمنية والعسكرية والمدنية، و"الانسلاخ الكامل" عن الأدبيات الجهادية التي نشأت تحرير الشام على أساسها.

يبدو أن تحرير الشام وزعيمها الجولاني ماض في سياسة إقصاء الشخصيات المتشددة داخل البيت الداخلي، وإبعادهم عن المناصب القيادية، فبعضهم لم يعد يحتمل التغييرات حتى على صعيد القطاع الديني، والانفتاح المفترض على الدروز والمسيحيين، وعلى التيارات الإسلامية الأخرى، ينتقدون مثلاً إبعاد إبراهيم شاشو من عمادة كلية الشريعة في جامعة إدلب وتعيين ياسين علوش بدلاً عنه، وهو أشعري.