الثعلب الإيراني في سوريا.. والنعامة العربية

2018.08.13 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

ليست ثورات الربيع العربي، وليدة مؤامرات خارجية كما يدعي البعض، بل إن السياسات الدولية المترجمة من قبل الزعماء العرب ضد السكان المحليين، هي الوافد غير الشرعي، وهي المسبب الرئيسي لانفجار الشعوب بوجه أنظمة الاستبداد وفرضية القائد الخالد، وإن أخذنا على سبيل المثال لا الحصر، مجريات الثورة السورية، والمراحل الأخيرة التي وصلت إليها، لعلنا نرى بوضوح نتائج السياسة المتبعة من قبل الزعماء العرب، مقارنة بالثعلبة الإيرانية التي نهشت وتنهش جسد السوريين التائهين بين الأسد الدولي والنعامة العربية.

في سوريا، السنوات الماضية وحتى يومنا هذا، كشفت عورة الضياع العربي غير المحدود، وكذلك القفز الإيراني إلى ما خلف الحدود، وإذا ما عدنا بالذاكرة إلى الوراء أعواماً قليلةً، فسنكون أمام مشهدين مهمين في الساحة السورية، أولهما انتقال المشروع الإيراني للحرب العلنية ضد المنطقة العربية "السنية"، وارتهان عربي لا محدود للقرارات الغربية.

إيران، التي قالت وتكرر مراراً، بأنها من أنقذت الأسد الابن من السقوط، ليس هدفها إبقاء الأسد على هرم السلطة فقط، علماً بأن زوال الأسد يعني ترحيل الهلال أو البدر الشيعي إلى الأبد، بل كان لطهران غايات أخرى، بدأت تتجلى بعض نتائجها اليوم، من الانتشار السرطاني بين الدول العربية، وعلى رأسهم سوريا والعراق مع اليمن، فهي في الوقت الراهن، إذا كانت تسير وفق الرغبات الدولية، أو تحت خفايا مشروعها الخاص، فقد حصدت بشكل متساوِ النتائج ذاتها، وهي السيطرة على الأرض، وتوسعت دائرة الانتشار، ونقل المعركة- مع أي طرف من داخل حدودها إلى خارجها.

عندما كانت الدول العربية، تُسمن هذا الفصيل أو ذاك في سوريا، وتؤدلجه وفق غاياتها الخاصة، ليصبح حجراً لها في رقعة الشطرنج السورية، كانت إيران تجند حتى المرتزقة لتحصيل أكبر قدر من المساحة من الأرض السورية، وفي المعادلة الدولية، يمكننا القول بأن طهران لعبت ذلك الدور وهي مستندة إلى حليفها الروسي، بينما لعبه العرب بعد إسناد ظهورهم للأب الروحي الأمريكي، ومع تطورات الأعوام الأخيرة، تحكي سلسلة الوقائع بأن الأمريكي لم يكن حليفاً كما كان يتصوره العرب، بل شريك مصلحة، لم يقدم لهم أي شيء في الملف السوري، إن لم نقل بأنه سحب منهم أوراق القوة، وأجبرهم على معاملة الثورة السورية من زوايا صغيرة تناقض بعضها بعضاً، وصولاً لتلك لجعلهم دون أي تأثير، سواء كان ذلك برغبتهم أو فُرض عليهم.

عندما كانت الدول العربية، تُسمن هذا الفصيل أو ذاك، كانت إيران تجند حتى المرتزقة لتحصيل أكبر قدر من المساحة من الأرض السورية

الثعلب الإيراني، نجح بتراخٍ دولي مقصود في إنقاذ الأسد مؤقتاً، ولكن طهران، لم تحمِ الأسد بالمجان، بل سحبت من بين ذراعيه أوراق قوة، جعلته من خلالها حبيس سياستها، بعد أن كان ربيب مشروعها الخاص والسرّي بنشر التشيع في سوريا، منذ عام 2006، ومنذ توغلها، احتلت المعابر الحدودية لسوريا مع الجوار، وانتشرت في عمق البلاد، حتى أصبحت القوة الأكبر برياً، لا يمكن لحليفتها روسيا التخلي عنها بهذه السهولة، وحتى خيار الحرب المباشرة ضدها داخل حدودها أو خارجها بات أكثر تعقيداً، خاصة أن التوغل الإيراني، تزامنه خصومات عربية عربية، وحالة عدائية من بعضهم تجاه تركيا، وسعت طهران رغم الموقف التركي الصارم حيال الأسد في أوج الأحداث السورية، إلى عدم تجاهل الأثر والتأثير الكبيرين لأنقرة في المشهد، لتبني معها تحالفاً ثنائياً خارج الحلف الثلاثي الذي يشمل روسيا، وهذا لربما ما تؤيده العقوبات الأمريكية تجاه إيران، والموقف التركي منها.

التقارب الإيراني التركي في الملف السوري، بُني على المصالح المشتركة، فطهران لعبت على الوتر الكردي، الذي تديره الولايات المتحدة الأمريكية، وترفضه بشكل قطعي أنقرة، فهذه الثغرة خلقت حالة من التفاهمات والعناوين العريضة بين أنقرة وطهران، نتج عنها في وقت لاحق بسياسة روسية تركية أستانا وغيرها، وما انبثق عنها، فإيران هنا، أيضاً كسبت من الفراغ العربي، وانتزعت مناطق نفوذ ميليشياوية جديدة في سوريا، بعد مراوحة العرب في المكان ذاته، وفي الخصومات غير المجدية ذاتها.

إيران، اليوم بعسكرها النظامي وميليشياتها الشيعية، باتت رقماً صعباً في المعادلة السورية الدولية، وروسيا تدرك ذلك جيداً، فدعمت التوجه الإيراني، على اعتبارها -أي موسكو-، تريد جيشاً كهذا على الأرض، تتفق معه وتتقاسم وإياه الاقتصاد والجغرافية وحتى تستخدمه كورقة دولية للضغط على العرب على وجه التحديد، بهدف تحقيق المساعي الروسية بالعودة للعرب والانتشار العسكري في الشرق الأوسط.

إيران اليوم باتت رقماً صعباً في المعادلة السورية الدولية، وروسيا تريد جيشاً كهذا على الأرض

زوال الأسد، سياسياً أو عسكرياً، من شأنه قلب الطاولة على المشروع المشترك للإيرانيين والروس، فهم من يستخدمون بشار لتشريع سطوتهم غير الشرعية، وفق التوكيل الدولي، للروس، من قبل إسرائيل وأوروبا مع أمريكا، بإدارة غالبية الملفات السورية، وسط ابتعاد عربي شبه تام ودون أي تأثير على الخطر الذي يقترب من أعناقهم واحداً تلو الآخر، ورغم علمهم بحقيقة ذلك، إلا أنهم فضلوا تطبيق حكمة "قتلت يوم قتل الثور الأبيض".

إسرائيل، هي الأخرى، كسبت على الجانبين، فإيران أو ما يعرف بحلف المقاومة، نجح في تدمير العواصم العربية عوضاً عن تل أبيب التي كان يعزف عليها لعقود خلت، وعلى الشق الآخر، السواد العربي برمته، تحت الوصاية الأمريكية، وكل ما نراه من ضربات إسرائيلية للمواقع الإيرانية في سوريا، لا يعادل شيئاً في ميزان الأحداث الحالية، لأن كافة الأطراف لا رغبة لها بترحيل الأسد، لعلمها المسبق بأن رحيل بشار، يعني انتهاء هذه الغنائم المجتباة من قبل الإيرانيين في سوريا.

بقاء الأسد بمنظومته الراهنة في قمة السلطة، يعني أن مضاده سيكون خريفاً فارسياً في الخليج العربي على وجه التحديد، وإن القواعد الأمريكية، وأموال النفط، والرهان على البيت الأبيض، لربما كلها عوامل ستصبح أسلحة غير فعالة في ذلك الوقت، ولو أرادت واشنطن الإبقاء على الخطر الإيراني خارج الخليج العربي، لدفعت سياستها باتجاه تحجيم إيران في سوريا والعراق مع اليمن، لا السماح لها بالتوغل دون أي ردات فعل حقيقية.

بقاء الأسد في قمة السلطة، سيكون مضاده خريفاً فارسياً، والرهان على الأمريكي سلاح غير فعال

النوم العربي في العسل الأمريكي، جر وسيجر الويلات للشرق الأوسط، فخسارة الدول العربية للملف السوريا، لصالح المشروع الإيراني، لا أظن أن نتائجه ستكون إيجابية لا على الصعيد العربي الداخلي، ولا على الصعيد الاقتصادي، فإذا دفعت بعض الدول المليارات في المرات السابقة، فعليها ادخار المزيد من المال بالفترات القادمة، ويبقى السؤال... ماذا بعد تلك الرشاوى؟