icon
التغطية الحية

"التعليم الثانوي" في إدلب ضحية غياب التمويل.. الأسباب والنتائج | صور

2021.12.26 | 05:21 دمشق

artboard_9.jpg
+A
حجم الخط
-A

كانت معاهد مدينة إدلب لطالب الشهادة الثانوية العامة، أيهم العموري، خياراً "شبه مستحيل" للدراسة، في رحلة بحثه عن بديل للتعليم العام في بلدته، في ظل غياب الدعم المالي واللوجستي عنه.

واعتبر العمّوري ـ يدرس الفرع العلمي ـ المنحدر من بلدة معراتة في جبل الزاوية جنوبي إدلب، أنّ الدراسة في المعاهد الخاصة غير مقدور عليها، إذ إنها تتقاضى بالدولار الأميركي، في وقتٍ يعتمد فيه على مساعدة عائلته في مصاريف دراسته، لأنه متفرغ للدراسة ولا يعمل.

وانعكس غياب المنح عن عدد واسع من مدارس الثانوية سلبياً على طلاب المرحلة الدراسية هذه، المنتمية إلى الحلقة الثانية، ووضع الطلاب أمام خيارات مادّية شاقة، فضلاً عن صعوبات البحث عن تعليم خاص مناسب لوضعهم الجغرافي والمادي في آنٍ واحد.

وتنتشر نحو 60 مدرسة ثانوية "تطوعية" في محافظة إدلب، بنسبة تصل إلى 50 في المئة من إجمالي المدارس الثانوية، بحسب أرقام "مديرية التربية في إدلب".

"حكر على أصحاب الدخل الجيد"

تنصبّ تكاليف دراسة الشهادة الثانوية والصفوف التمهيدية لها بنسبة واسعة بين سكّان إدلب على ذوي الطالب، بعد أن كان عامّاً مجانياً، على اعتبار أنّ الخيارات محصورة بين مدارس خاصة أو معاهد تعليمية ودروس خاصة.

يقول "العموري" لموقع تلفزيون سوريا، إنّ "الدراسة وفق معايير جيدة، صارت حكراً على أصحاب الدخل الجيد، لأنّ المدارس والمعاهد الخاصة تطلب أرقاماً مرتفعة جداً".

يدفع "العموري" اليوم مبلغاً رمزياً يصل إلى 100 ليرة تركية شهرياً من جراء حضوره عددا من الحصص الدراسية، كمبادرة من قبل المدرّسين لطلاب البلدة، مبيناً أن "الأسعار في القرى والبلدات المحيطة بهم في جبل الزاوية هي أعلى من ذلك".

أحمد زكور، يدرس سنة تمهيدية لشهادة الثانوية العامة، الفرع العلمي، اختار الدراسة في مدرسة خاصة في بلدته حزانو شمالي إدلب، بقسط سنوي يصل إلى 500 دولار أميركي .

يقول لموقع تلفزيون سوريا، إن خيار المدرسة الخاصة كان بسبب عدم استقرار حال الثانوية العامة في البلدة، فضلاً عن حالة الاهتمام التي يحظى بها طالب المدرسة الخاصة، معتبراً أنّ "المدرسة الخاصة من الممكن أن تكون أكثر توفيراً من الدروس الخصوصية التي سألجأ إليها".

ويوضح أنّ "خيار الدروس الخاصة مرهق مادياً أيضاً، إذ إنّ كلفة المادة العلميّة الواحدة تتجاوز الـ 50 دولاراً في المجموعات الدراسيّة، وإذا كانت خاصة لطالب واحد يتضاعف الرقم عدة مرات".

"نقص عام في الاحتياجات"

لا تتوقف معاناة المدارس المتطوعة عند غياب الرواتب الشهرية للمدرّسين، إنما تمتدّ إلى نقص عام في الاحتياجات واللوجستيات.

يوضح عبد الله طه في هذا السياق، وهو مدير ثانوية بلدة حزانو العامة ـ تطوّعية منذ 3 سنوات ـ أنّ "نقص المدرسين الاختصاصيين والغرف الصفية، اضطرهم إلى الاستغناء نهائياً عن صف الثاني الثانوي"، مبيناً أنّ "طلاب هذا الصف يدرسون سنة تمهيدية مع طلاب الثالث الثانوي (البكلوريا) عوضاً عنه".

ويتحدث لموقع تلفزيون سوريا عن "نقص عام في الاحتياجات بدءاً من الكتب لبعض المواد، إضافةً لوسائل التدريس والرواتب الشهرية والبنى التحتية من غرفة صفية وقاعات".

ويشير إلى أنّ "المدرسة على الرغم من استمرارها بكادر تطوعي متفانٍ، إلا أنّه من الممكن أن يكون هناك إنتاج أفضل بحال توافرت الراحة المادية للمدرّسين".

وتضم المدرسة 190 طالباً وطالبة، بـ 4 شعب صفية فقط، و11 مدرساً جميعهم متطوعون.

ثانوية بلدة حزانو

مدرسون متطوعون

نجدت خليل، متطوع بتدريس مادة الفلسفة في ثانوية حزانو منذ سنتين، يقول لموقع تلفزيون سوريا إنّ مصاريف النقل التي يتكلف بها خلال رحلة وصوله يومياً من بلدة سرمين حيث يقطن، إلى حزانو مكلفة ومجهدة في ظل ظرفه التطوعي.

وأضاف "خليل"، المهجّر من مدينة اللطامنة شمالي حماة، أنّه "لجأ إلى التدريس في معاهد خاصة حتى يؤمن معيشته في ظل غياب راتب شهري يتقاضاه من عمله في الثانوية التطوعية، على أمل أن يصل الدعم إليها قريباً".

لا يختلف الحال لدى المدرّس المتطوّع منذر عميّر، الذي يقطع طريقاً يومياً من مدينة الأتارب غربي حلب إلى الثانوية، يقول: "غياب الدعم عن المدرسة ليس سبباً حتى نترك الطلاب في مرحلة دراسية حساسة، وفي الوقت ذاته نبحث عن فرص تدريسية أخرى تعيننا على تأمين دخل شهري".

يوضح "عميّر" المهجّر من مدينة تدمر شرقي حمص، أن "كون المدرسة تطوعية لا يلغي فكرة تقديم السوية التعليمية الكاملة للطلاب"، مبيناً أنّ "المدرسة تخرج سنوياً طلبة متفوقين على مستوى المحافظة".

ويلجأ المدرسون المتطوعون، بحسب "عميّر"، إلى التعاقد مع معاهد ومدارس خاصة أو فرصة عمل مرتبطة بالشأن التعليمي لتأمين دخل ثابت، في محاولةٍ للاستمرار في تعليمهم التطوعي.

التربية: نخاطب المنظمات

يقول محمد ناجي، معاون مدير التربية والتعليم في إدلب، إنّ "سبب غياب الدعم عن نصف المدارس الثانوية هو توقف مشروع مناهل عن تغطية الحلقة الثانية وحصره بمدارس الحلقة الأولى".

وعن مساعي مديرية التربية في هذا الصدد، يضيف "ناجي" أن "المديرية تتعامل مع أزمة غياب المنح عن المدارس الثانوية بتنظيم الفعاليات المجتمعية، ومخاطبة المنظمات الداعمة، سواء جمعيات أو منظمات دولية، من خلال رفع ملف احتياجات مرتب بحسب الأولويات، وفقاً لمدة التطوع وعدد المستفيدين من الطلاب".

ويشتكي محدثنا في الوقت ذاته "ضعف الاستجابة لهذه المطالب، إذ إن كمية الدعم المقدم من المنظمات على صعيد التعليم لا يتناسب مع حجم الاحتياجات".

نتائج كارثية

كان لغياب الدعم عن فئة واسعة من مدارس الحلقة الثانية، بما فيها المرحلة الثانوية، أثراً بالغ السلبية على منحى العملية التعليمية في إدلب، في ظل أزمة التطوع وتسرّب الطلاب والخيارات المادية المكلفة أمام الطالب.

يوضح خالد الخالد، وهو عضو الهيئة التأسيسية لنقابة المعلمين السوريين، أنّ غياب المنح عن مدارس الحلقة الثانية والثانوية، ساهم في ظهور فرز طبقي تعليمي في المجتمع، بعد لجوء عدد كبير من الطلاب إلى المدارس الخاصة، ما يمهّد لما يعرف بـ"خصخصة التعليم" في المنطقة، بالتزامن مع تدهور الحالة المعيشية.

إلى جانب ذلك، يقول "الخالد" لموقع تلفزيون سوريا، إنّ غياب المنح دفع بكثير من المدرّسين إلى ترك مهنة التعليم بحثاً عن فرصة عمل أخرى يعتاش منها، لكن في المقابل ترك خلفه عدداً واسعاً من الأطفال المتسرّبين المحرومين من حقهم التعليمي المكفول في الأنظمة والأعراف الدولية.

وعن غياب المنح عن "التعليم الثانوي"، يقول: "طلاب هذه المرحلة أكثر حساسيةً لانعكاساته المباشرة على المجتمع، إذ يتهيأ الطالب في التعليم الثانوي لدخول مرحلة التعليم العالي والجامعة، وبحال فقدت مسيرته التعليمية هذه الحلقة، خسرنا الكوادر التي ستقود المجتمع مستقبلاً".