icon
التغطية الحية

التحالف مع الدكتاتوريات ودعم الانقلابات ركيزة أساسية لسياسات روسيا

2021.10.29 | 06:26 دمشق

thumbs_b_c_e83b73f76265e1ab89ab014a1641e4af.jpg
موسكو - سامر إلياس
+A
حجم الخط
-A

تتمهل روسيا في إعلان موقف من انقلاب قادة الجيش السوداني على المكون المدني وحلّ المجلس السيادي ومجلس الوزراء، وشن حملة اعتقالات واسعة، إلا أن تعطيل روسيا بالشراكة مع الصين صدور موقف قوي من مجلس الأمن الدولي يكشف دعم روسيا للانقلاب بشكل لا لبس فيه، رغم الإدانات الدولية الواسعة له.

وعلى عكس معظم دول العالم، ترفض روسيا تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية، بحجة عدم التدخل بشؤون الدول الأخرى، وفي صباح الثلاثاء الماضي، وقبل انطلاق المشاورات الأممية بشأن الأوضاع في السودان، قال دميتري بوليانسكي، نائب المندوب الروسي لدى الأمم المتحدة، "من الصعب القول ما إذا كان ذلك انقلابا أم لا.... "، وفي تجاهل واضح للموقف الواضح الذي أطلقه المتظاهرون وصفٌ واسع من المكون المدني والوزراء السابقين، ذكر الدبلوماسي الروسي أن"الشعب السوداني يجب أن يحدد بنفسه ما إذا كانت الأحداث في بلاده انقلابا أم لا".

وفي محاولة واضحة لخلط الأوراق وتحميل المتظاهرين السلميين جزءا من المسؤولية، قال بوليانسكي "يجب وقف العنف من قبل جميع الأطراف، وأرى أن ما يحدث لا يقتصر على الاحتجاجات السلمية فحسب، بل تحدث احتجاجات يتخللها العنف أيضا".

وفي تجاهل لحقيقة الانقلاب، سعت الخارجية الروسية إلى تحميل الأطراف الخارجية مسؤولية ما حصل، وقالت في بيان، الثلاثاء الماضي، "أدى التدخل الأجنبي واسع النطاق في الشؤون الداخلية للبلاد إلى فقدان ثقة مواطني السودان بالسلطات الانتقالية، ما تسبب باندلاع احتجاجات متكررة وأثار حالة من عدم الاستقرار العام في البلاد"، وفي عبارات سبق أن استخدمتها روسيا في عدة مرات مماثلة، أشار بيان الخارجية إلى أنه "بإمكان السودانيين بل ويتعين عليهم حل المشكلات الداخلية بأنفسهم وتحديد اتجاه التنمية السيادية لبلدهم انطلاقا من المصالح الوطنية"، ولم يهمل البيان التشديد على أن "روسيا سوف تواصل احترام خيار الشعب السوداني الصديق وتقديم كل المساعدة اللازمة له". علما أن التجارب الماضية كشفت أن روسيا ليست مهتمة بكيفية حصول الدكتاتوريين على رضا الشعوب، وتنطلق من أن خيار الشعب هو سلطة الأمر الواقع بحجة دعم مبدأ السيادة وعدم التدخل بالشؤون الداخلية.

تاريخ طويل في دعم الدكتاتوريات

وإذا كان من الإنصاف الإشارة إلى أن الاتحاد السوفييتي ساعد معظم بلدان القارة السمراء في التخلص من الاستعمار القديم، وأسهم في إعداد الكوادر والتنمية بعد الحقبة الاستعمارية، يبدو أن السلطة الحالية التي تخلت عن الشيوعية، وتبنت أسوأ أشكال الرأسمالية الوحشية على حساب الشعوب المقهورة، والساعية لحياة أفضل.

وهذه ليست المرة الأولى التي تحاول روسيا فيها التعامل بشكل انتهازي مع الانقلابات العسكرية لتحقيق نفوذ جيوسياسي في صراعها مع الغرب في القارة السمراء، وحققت بالفعل مكاسب مهمة على هذا الصعيد، في السنوات الماضية، ولكن بثمن دموي باهظ دفعته العديد من الشعوب.

ودعمت روسيا انقلابات جديدة على حلفاء الأمس من الانقلابيين، إذا ما لاحت أمامها فرصة تحقيق نفوذ ومكاسب أكبر كما في حالة جمهورية مالي، حيث دعمت في العام الماضي الانقلاب العسكري على الرئيس إبراهيم أبو بكر كيتا، وعادت في إبريل/ نيسان من العام الجاري لتدعم انقلاباً جديداً على حليفها السابق.

ولعبت روسيا على الصراعات والتناقضات الداخلية لبعض البلدان، بمواقف ذات وجوه متناقضة، ويجسد تعاطيها مع الحالة الليبية أكبر مثال على ذلك، ففي حين كانت تدعي فيه ظاهريا دعهما لحكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دولياً، دعمت اللواء المتقاعد خليفة حفتر بالسلاح والمرتزقة من مجموعة "فاغنر" الروسية، وأرسلت إشارات ضمنية تدل على أنها لا تعارض احتمال عودة سيف الإسلام القذافي إلى الواجهة.

ولا يخفي محللون سياسيون وعسكريون روس أن موسكو ترى في انقلاب عبد الفتاح البرهان فرصة سانحة لها، وتصب في مصلحتها. فقد أشار الأستاذ المساعد في كلية التاريخ في الجامعة الروسية الحكومية للعلوم الإنسانية،سيرغي سيرغيتشيف، في تصريح لصحيفة "كوميرسانت"، الأربعاء الماضي، إلى أن روسيا "سوف تستفيد من أي تطور للأحداث" في السودان، مستدركا "من المربح أكثر لموسكو أن يبقى الجيش في السلطة، وكلما قلّ النفوذ الغربي في السودان كان ذلك أفضل".

ورغم تحذير بعض المحللين الروس من أن العلاقة بين روسيا والعسكر بقيادة البرهان ليست واضحة بما يكفي، وأن "مسألة إنشاء قاعدة روسية في السودان لا تزال معلّقة، لأن الحديث دار فقط عن نوايا، وليس عن اتفاق كامل الأبعاد"، إلا أن عدداً من المحللين يرى في غياب رئيس الوزراء عبد الله حمدوك عن المشهد إزاحة لعقبة كبيرة من طريق بناء علاقة صداقة مع السودان، لأن حمدوك يُنظر إليه روسياً كسياسي موال للغرب.

وإضافة إلى توجس موسكو من خلفية البرهان الدينية، وإشارة بعض الخبراء إلى أنه أقرب إلى فكر " الإخوان المسلمين" الذي تحاربه موسكو، فإن تطور الموقف الروسي يرتبط بمدى صمود البرهان بوجه الضغوط الغربية، والامتيازات الاقتصادية والعسكرية التي يمكن أن يقدمها لموسكو، وأهمها حسم موضوع إنشاء القاعدة البحرية في بورتسودان، وضمان استمرار عمل الشركات الروسية في مجال التنقيب عن اليورانيوم، والذهب والنفط، والمحافظة على السودان كواحدة من نقاط الارتكاز الروسية في شرق القارة الأفريقية من أجل توسيع وجودها في القارة "المحببة للقادة السوفييت".

تقاطعات مع إسرائيل

ومن اللافت أن النهج الذي تتبعه روسيا في القارة الأفريقية يتشابه إلى حدّ كبير مع النهج الإسرائيلي، فإسرائيل بنت سياساتها في التعامل مع الملفات الأفريقية على استغلال الأزمات وإطالة الحروب الأهلية، وتدريب وتسليح الميليشيات القبلية المتمردة، على سبيل المثال قبائل الزولو في النيجر وقبائل جنوب السودان قبل الانفصال وبعده، وعقد صفقات تسليح مع الأنظمة الديكتاتورية.

وليس غريباً أن تبدي إسرائيل ارتياحها للانقلاب الأخير في السودان، لأن الانقلاب يصب في مصلحتها، نظرا لأن المكون العسكري في مجلس السيادة السوداني، المنحل بقرار انقلابي، كان يضغط نحو تسريع خطوات التطبيع مع إسرائيل في شتى المجالات، والانضمام إلى "اتفاقيات إبراهام"، بينما لم تبد حكومة حمدوك حماسة للتطبيع، وطالبت بأن يتم تأجيل ذلك حتى تشكيل مجلس تشريعي يبت بالأمر، باعتباره الجهة المخولة بذلك.

وتتخوف إسرائيل من أن يؤدي فشل الانقلاب، واستلام المكون المدني للسلطة، إلى وقف عملية التطبيع نزولاً عند رغبة غالبية الشعب السوداني الرافض للتطبيع مع إسرائيل، ودعمهم للقضية الفلسطينية بشكل مطلق. وهكذا تتقاطع مرة أخرى السياسات الروسية والإسرائيلية وسياسات بعض المحاور الإقليمية العربية في العداء لخيارات الشعوب العربية في الديمقراطية والحرية والتعددية السياسية.

" فوبيا الثورات" وتدمير البلدان

ومنذ بداية "الربيع العربي" الذي انطلق في تونس نهاية 2010، نظرت موسكو إلى الحراك الشعبي للشباب العربي على أنه جزء من " الثورات الملونة" التي يدبرها الغرب، وانتقلت مواقف موسكو من " الثورات العربية" من الإعراب عن القلق إلى الدعوة للحوار ومنع التدخل الأجنبي، والوصول إلى حلول بين السلطات والمعارضة، وتقسيم المعارضة إلى معارضات، وتحميلها قسما من المسؤولية عن العنف الذي تمارسه السلطات، إلى دعم سلطات الأمر الواقع حتى لوكانت انقلابية.

وفي الحالة السورية تطور الموقف الروسي بسرعة من تبني وجهة نظر النظام حول التظاهرات السلمية التي انطلقت في درعا، وبدأت موسكو الحديث عن "مندسين" وأطراف أجنبية تسعى إلى إشعال الأوضاع، ودعمت النظام دبلوماسيا عبر استخدام حق الفيتو مرارا وتكرارا ضد أي قرار يدين النظام، بحجة منع التدخل الأجنبي، ومبادئ السيادة الوطنية، في تغطية مباشرة على جرائم النظام السوري بحق شعبه، قبل أن تدعمه عسكريا بتدخلها لإنقاذه من السقوط في خريف 2015، من دون الالتفات إلى الكلفة الباهظة بشريا واقتصاديا من استخدام سياسة الأرض المحروقة ومثال " الشيشان" والتي تسببت في تهجير أكثر من نصف الشعب وتدمير البنى التحتية وطاولت المدارس والمشافي. 

كلمات مفتاحية