icon
التغطية الحية

البلديات بدلاً من المجالس المحلية في إدلب.. دوافع القرار ومحاسنه ومساوئه

2023.07.14 | 05:46 دمشق

ؤر
تزفيت طريق بلدة أطمة الرئيسي وطريق المخيمات من قبل بلدية أطمة
إدلب - عمر حاج حسين
+A
حجم الخط
-A

تتجه "حكومة الإنقاذ" العاملة في منطقة إدلب التي تمثّل الواجهة المدنية لـ"هيئة تحرير الشام" إلى تحويل نظام إدارة المدن والقرى في مناطق سيطرتها من المجالس المحلية إلى نظام البلديات بدءاً من مطلع عام 2024، على الرغم من نجاح أداء المجالس المحلية طوال السنوات الماضية، وإثبات نفسها كأفضل البدائل عن مجالس البلديات التي كان يديرها النظام السوري قبل الثورة السورية.

وقالت مصادر خاصة لموقع تلفزيون سوريا إن "حكومة الإنقاذ" اعتمدت قرار استبدال المجالس بالبلديات من دون نشره على معرفاتها الرسمية، وذلك بعد أيام قليلة من الزلزال المدمر الذي ضرب شمالي سوريا في السادس من شباط، والذي أماط اللثام عن تراخي المجالس المحلية في قضية الإنشاءات والتراخيص المطلوبة للأبنية المنشأة، إذ أوكلت "الحكومة" وقتئذ مهمة العقارات ومراقبة الأبنية والترخيص إلى البلديات الموزّعة في المنطقة.

ومنذ سنوات يتكفّل مكتب "الخدمات" العامل في المجالس المحلية في مناطق نفوذ هيئة تحرير الشام، بإدارة الخدمات في مناطقه، كـ"متابعة مشاريع الماء والكهرباء وشبكات الصرف والحدائق والعقارات والإنشاءات".

الدوافع وراء القرار

وقال مستشار وزير الإدارة المحلية في حكومة الإنقاذ، المهندس "سعيد الأشقر" في حديث له لموقع تلفزيون سوريا: "منذ تشكيل الحكومة مطلع العام الحالي 2023، بدأ العمل على مشروع البلديات، بسبب غياب المرجعية الفنية لدى المجالس المحلية، ونتيجة للزلزال المدمر تم الإسراع بانطلاقه، ما دعا الحكومة لإعادة ترتيب الملف الفني وسحبه من المجالس المحلية وتسليمه للبلديات المشكلة والموزّعة في كامل المناطق المحررة؛ لكونها جهات فنية اختصاصية تضم العديد من المهندسين من ذوي الخبرة في موضوع التراخيص والشروط الفنية والإجراءات".

وأوضح "الأشقر" أن البلديات تتميز بأنها تحوي جسماً فنياً اختصاصياً يعمل على تنظيم العمل الفني بعيداً عن موضوع التجاذبات الاجتماعية التي كان يخضع لها الملف الفني في المجالس المحلية.

وأشار إلى أن النظام الجديد سيتيح فرصة وجود مرجعية موحدة للقرارات الفنية تكون ناظمة لعمل البلديات، من شأنها أن تستقبل طلبات الترخيص بكلّ أنواعها، إضافة إلى إجراء الكشوف الفنية اللازمة على المنشآت والأبنية المراد إنشاؤها، إضافة إلى ممارسة دور الرقابة على المنشآت التي منحت التراخيص المطلوبة.

مهام البلديات

وأضاف مستشار وزير الإدارة المحلية في حكومة الإنقاذ: "مراكز البلديات ستكون موزّعة على جميع المناطق الإدارية في منطقة إدلب، كما سيتم إنشاء مراكز استقبال ضمن الحيز الجغرافي لمناطق البلديات، مهامها تسهيل قضية تقديم الطلبات والتراخيص المتعلقة بالأبنية للأهالي".

ويبلغ عدد البلديات المركزية في إدلب ثماني بلديات، وهو بعدد المناطق الحالية نفسها، أمّا مراكز الاستقبال فقد تصل إلى 30 مركزاً موزعاً على المناطق، بحسب "الأشقر".

وسيتركز نطاق عمل البلديات ضمن الحيز الجغرافي ما من شأنه أن يُغطّي أعمال جميع المراكز والبلدات الصغيرة والكبيرة منها، في حين سيقتصر دور المجالس المحلية على الجانب الاجتماعي من ناحية وضع إدارات المناطق في المشكلات والحلول المقترحة ضمن البلدة، ريثما يتم تنظيم انتخابات الإدارات المحلية في بداية العام المقبل 2024.

هل ستنتهي المجالس المحلية؟

وفقاً لمستشار وزير الإدارة المحلية، فإن أهمية القرار الجديد تكمن في توحيد القرار الفني والمرجعية الفنية لعمل البلديات، إضافة إلى تعزيز دورها بشكل أفضل في ممارسة الرقابة والإشراف على الأعمال المراد إنشاؤها بعد نيل التراخيص المطلوبة.

وأكّد أن المجالس المحلية ستكون هي الهيئة الناخبة لاختيار المجلس البلدي التابع لإدارة المنطقة والذي سيكون من صلب مهامه اقتراح الحلول المناسبة لكل المشكلات، بالإضافة إلى مواضيع المتابعة والإشراف على المشاريع المقترحة الخاصة بالمدن التي يعمل بها.

ولم يحصر الأشقر صدور القرار كنتيجة للزلزال، مبيناً أن القرار تم إطلاقه مع بداية تشكيل الحكومة مطلع العام الجاري، وأن كارثة الزلزال عزّزت الرؤية لدى الحكومة لضرورة الإسراع في تنفيذه بهدف توحيد المرجعية الفنية وإلغاء صلاحية المجالس المحلية فنياً، لكونها فاقدة للخبرات المطلوبة في هذا المجال.

 

 

وتفتقد المجالس المحلية الخبرةَ المطلوبة في أداء العديد من الخدمات؛ لكونها تشكلت خلال الحرب بهدف تسهيل سبل العيش للسكان، وهذا ما أكّده ناشطون استطلع موقع تلفزيون سوريا آراءهم في إدلب، إذ أكّدوا أيضاً أن معظم العاملين داخل هذه المجالس لم يقوموا بمثل هذه الأعمال سابقاً، كما أنهم يفتقرون في أغلبيتهم إلى قرارات واضحة وصائبة، ومعظمهم يوكلون الأمور إلى رئيس المجلس المحلي الذي من شأنه أن يُقرّر كيف ولمَنْ تُقدَّم المساعدات أو الخدمات.

رؤساء مجالس محلية يثنون على القرار

وصف رئيس المجلس المحلي لمدينة حارم "محمد نواف السيد علي" في حديثه لموقع تلفزيون سوريا قرار حكومة الإنقاذ في تفعيل نظام البلديات بـ"الممتاز"، باعتبارها ستكون مسؤولة عن جميع مدن المنطقة، بالتنسيق مع المجالس المحلية.

وأشار إلى أن النظام الجديد لا يمكن تطبيقه إلا بالعمل الوثيق والمترابط بين المجالس والبلديات، مؤكداً أن المجالس لا يمكن الاستغناء عنها في كل المدن لإشرافها ودورها الفعّال في الإشراف على جميع الدوائر الحكومية الموجودة في المدينة، ومتابعة أعمال المنظمات ومواصلة التنسيق معها.

وأكد "السيد علي" أن المجالس لن تفقد أي صلاحيات، ولكنها ستجد صعوبة في تطبيق القرار باعتبار أن سكان المنطقة اعتادوا نظامَ المجالس المحلية في تسهيل أمورهم.

ويتطابق ما ذكره "السيد علي" مع وجهة نظر رئيس المجلس المحلي السابق لبلدة الفوعة شمالي إدلب "أمين محمد خير جمعة" في أثناء تأكيده لموقع تلفزيون سوريا، أنَّ القرار جيد وتكمن أهميته وجودته في النظر إلى أحوال العديد من القرى والبلدات التي لا تملك مجالسها آليات خدمية، مشيراً إلى أن قرار تفعيل نظام البلديات أصبح من شأنه حل مشكلات قرى عدّة، لاحتكار المجالس المحلية في السابق لآلياتها وعدم خدمة القرى المجاورة.

 

 

المساوئ

لكنَّ مصدراً مسؤولاً في إدارة المنطقة الوسطى في إدلب – فضّلَ عدم كشف اسمه – ذكرَ أن القرار تم تطبيقه مطلع شهر حزيران الماضي، إذ قلّصت وزارة الإدارة المحلية في "حكومة الإنقاذ" منذ حزيران دورَ المجالس تدريجياً، وسحبت المشاريع الإغاثية والزراعية والإصحاح والصرف الصحي والنظافة منها، وتمّت إدارتها بالكامل من قبل وزارة التنمية ومؤسسة المياه في الحكومة.

وأوضح أن تسيير أمور السكان بات من مهام البلديات في كل منطقة، ففي "المنطقة الوسطى" على سبيل المثال، بات تسيير أمور جميع المجالس التابعة لها عبر مكاتب تتبع للوزارات في الحكومة، لافتاً إلى أن إدارة البلديات عملت على إنشاء ما يسمى "مكتب الأشغال" وسلّمته مراقبة خدمات 6 قرى على الأقل، إذ يضم المكتب مندوبين اثنين من كل قرية مهامّهما مراقبة الخدمات وطرح الحلول لإدارة البلدية.

وطرح المسؤول مثالاً كتحويل مجالس الفوعة ورام حمدان وزردنا وطعوم وكفريا ومعارة النعسان إلى مكتب أشغال واحد، مهامه مراقبة مستلزمات القرى المذكورة من تسجيل مشكلات في شبكة الصرف الصحي أو المياه أو مشكلات خدمية أخرى، وطرحها على بلدية المنطقة الوسطى التي يقع مقرها في مدينة معرة مصرين شمالي إدلب، والتي بدورها تُرسل الآليات الخدمية أو الورش الفنية لإصلاح المشكلات، ما خَلَق "إهمالاً" في تنفيذ أو إصلاح أمور عدّة في المنطقة نتيجة إطالة مدة التنفيذ لكثرتها.

وأشار إلى أن حل المجالس ما يزال قائماً في الشمال السوري، إلى حين انتهاء المشاريع المرتبطة بين المنظمات والمجالس، مرجحاً أن يكون انتهاء عمل ما تبقى من المجالس هو نهاية العام الجاري الذي يترافق مع انتهاء مشاريع المنظمات.

وعلى مدار أكثر من عقد، كانت تجربة المجالس المحلية في مناطق سيطرة المعارضة خياراً بديلاً لحوكمة المنطقة وإدارة شؤون السكان لسد فراغ غياب مؤسسات النظام السوري، وأنجزت المجالس المحلية مشاريع وخدمات كبيرة للمدن والقرى، ودخلت في مرحلة تنظيم لافتة في الفترة بين 2014 و 2016 بعد أن حصلت على منح مالية من منظمات دولية لتنفيذ مشاريع كبرى مثل صيانة شبكات المياه ومضخاتها، وصيانة وتفعيل شبكات الصرف الصحي وإنارة الشوارع بالطاقة الشمسية، بالإضافة إلى مشاريع إغاثة غذائية ومشاريع حماية ومشاريع لدعم سبل العيش.

وواجهت المجالس المحلية محاولات فصائل عسكرية وتنظيمات جهادية للتحكم بها بعد أن بلغت مرحلة الفاعلية المحلية مع الرضى المجتمعي، وأجرت عدداً من المدن والبلدات انتخابات عامة شارك فيها عشرات آلاف الناخبين، لاختيار المرشحين. إلا أن هذه المواجهة مع العسكر حُسمت عام 2017 لصالح هيئة تحرير الشام (جبهة فتح الشام حينذاك ومن قبلها جبهة النصرة)، إذ هاجمت جبهة النصرة جميع فصائل الجيش الحر وضمنت السيطرة المطلقة لها، ثم حلّت المجالس المحلية القديمة وأسست "حكومة الإنقاذ" لإدارة الشؤون المدنية.