icon
التغطية الحية

"البحث عن عازار- أين اسمي- المئذنة البيضاء" هل استحقت ترشحها لـ البوكر؟ (1 من 2)

2022.03.07 | 16:24 دمشق

rwayat_bwkr-_tlfzywn_swrya.jpg
محمد أسد الخليل
+A
حجم الخط
-A

في كانون الثاني الماضي، أعلنت الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) القائمة الطويلة لدورتها الخامسة عشرة لعام 2022، والتي ضمت 16 رواية من بين 122 رواية تقدمت للجائزة. ومن بين الروايات التي ضمتها القائمة 3 روايات لكتّاب سوريين، وهي: "البحث عن عازار" لـ نزار أغري، و"أين اسمي؟" لـ ديمة الشكر، و"المئذنة البيضاء" لـ يعرب العيسى.

وللمكانة المرموقة التي تحتلها جائزة البوكر على مستوى الرواية العربية لدى الروائيين والأدباء والنقاد؛ يبرز السؤال: هل استحقت تلك الروايات الثلاث الانضمام إلى قائمة البوكر الطويلة والترشّح للفوز بالجائزة؟

للإجابة عن هذا السؤال، لا بد لنا من عرض قراءة متأنيّة وموضوعية –قدر المستطاع- لتسليط الضوء على أهم ما ورد فيها من تفاصيل أهّلتها لنيل ذلك التقدير.

  1. رواية "البحث عن عازار".. تعايش الأديان والقوميّات والطوائف

صدرت الرواية عن دار "خان" للكتب-ـ القاهرة 2021، وهي للكاتب والمترجم السوريّ نزار آغري.

وتحكي رواية "البحث عن عازار" قصّة صداقة حميميّة جمعت شابّين سوريّين في سنّ المراهقة وهما الكرديّ الأيزيديّ "عيد كوري" واليهوديّ "عازار ناحوم عزرا". كان لقاؤهما الأوّل في إحدى المدارس الإعداديّة في مدينة القامشلي السوريّة، حيث تطوّرت الصداقة وتعمّقت لتصل لأسرتيهما.

قسّم الكاتب الرواية إلى ثلاثة أجزاء جاءت في 444 صفحة، كلّ جزء منها يعبّر عن مرحلة من مراحل تلك الصداقة العابرة للأديان والطوائف.

يبدأ الكاتب في الجزء الأوّل، بالعودة إلى الماضي ويسرد لنا كيف تعرّف عيد على عازار وهما في عمر الـ 14 عاماً، وكيف تعمّقت بينهما علاقة الصداقة والمودّة.

وفي الجزء الثاني، وهو الجزء الذي أخذ الحيّز الأكبر من الرواية، لخّص الكاتب أربعين عاماً من رحلة البحث عن عازار، متحدثاً عن آلام الفراق؛ حيث تفاجأ بعد عودته من قريته التابعة للقامشلي برحيل عازار وعائلته من المدينة بشكل مفاجئ، الأمر الذي أدخله في حالة نفسيّة سيّئة.

تمرّ الأيّام والسنون، ويدرس عيد اللغة الإنكليزيّة في الجامعة ثمّ يتخرّج وينخرط في العمل مع تيارات سياسيّة، ما عرّضه لمضايقات وملاحقات أمنيّة، ليقرّر على إثرها الهروب من سوريا إلى لبنان ويصل في نهاية المطاف إلى النرويج حيث يستقرّ ويعمل فيها كمترجم. وطوال الفترة السابقة، كان عيد يكتب رسائل شوق لعازار الذي لا يعرف له مكاناً، رسائل كان يحتفظ بها لنفسه عسى أن يجود الزمان بلقاء عازار فيقرؤها له.

تكمن أهمّيّة الرواية وقيمتها الفنيّة التي أهّلتها لتكون من بين الروايات المرشّحة لجائزة البوكر العربيّة، في رصدها التنوّع الدينيّ والطائفيّ والقوميّ الذي تتميّز به المدن السوريّة

الجزء الثالث وهو قصير نسبيّاً، يمثّل النهاية السعيدة لقصّة البحث تلك؛ فبعد أربعين سنة يلتقي الصديقان عبر تمكّن ابنة عيد من التواصل مع ابنة عازار عبر إحدى وسائل التواصل الاجتماعيّ:

"ها نحن يا عازار نلتقي بعد أربعين سنة من الفراق، تغيّرت الدنيا حولنا، تغيّر الناس، تغيّرت حكومات ودول وبلدان، تغيّرت القامشلي.. أنت الفتى اليهوديّ الهادئ الجميل، وأنا صديقك الأيزيديّ الذي ما زال يحبّك مثلما أحبّك في اللحظة الأولى من لقائنا".

رسائل من القامشلي

تكمن أهمّيّة الرواية وقيمتها الفنيّة التي أهّلتها لتكون من بين الروايات المرشّحة لجائزة البوكر العربيّة، في رصدها التنوّع الدينيّ والطائفيّ والقوميّ الذي تتميّز به المدن السوريّة عامّة ومدينة القامشلي على وجه الخصوص، تلك المدينة التي عاش وتربّى فيها الكاتب، المدينة التي تعايش فيها بسلام، المسيحيّ مع المسلم مع اليهوديّ مع الأيزيديّ، وكذلك العربيّ مع الكرديّ مع الأرمنيّ مع السرياني والآشوريّ والكلداني وهلم جرّا.

يحاول الكاتب من خلال روايته أن يقدّم للعالم أبهى صورة للتعايش السلميّ الذي كانت تعيشه سوريا، ففي معرض حديثه عن القامشلي يقول: "فيها عدد لا يحصى من اللغات واللهجات والأديان والطوائف والمذاهب، لم أكن أعرف أنّ القامشلي هي المدينة التي بناها المسيحيّون. ثمّ جاء السريان والأرمن والآشوريّون والكلدان... وأصلحوا الأرض وسوّوا التراب، وأقاموا بيوتهم واستقرّوا" (ص31).

ويتابع في مكان آخر: "كنّا نتفرّج على الركّاب الجالسين في مقاعدهم، سحنات وأشكال وملابس مختلفة، يتكلّمون بلغات مختلفة: السريانيّة والكرديّة والعربيّة والأرمنيّة والآشوريّة والكلدانيّة، ولم يكن أحد يتكلّم العبريّة" (ص 192).

بالإضافة إلى ذلك، أراد الكاتب تمرير رسالتين مهمّتين من خلال الرواية؛ تتمثّل الأولى في تبيان أهمّيّة دور جيل الشباب في صناعة المستقبل وترميم تصدّعات الماضي التي فرّقت الشعوب ومزّقت الدول؛ فمن كان له الفضل في لقاء الصديقين بعد غياب أربعة عقود هي الشابّة ابنة عيد التي قطعت وعداً على نفسها لأبيها بأن تواصل البحث عن صديق والدها عازار، وأنّ تبذل قصارى جهدها لإيجاده.

أما الثانية، فتتمثل في تسليط الضوء على أهمّيّة وسائل التواصل الاجتماعيّ ودورها في تقارب الشعوب وتلاقح الثقافات؛ فمن خلال إحدى تلك الوسائل استطاع بطل الرواية أن يلتقي بصديقه بعد رحلة بحث طويلة.

صورة بالكلمات

في حوار أجراه معه موقع "الجائزة العالميّة للرواية العربيّة" وردّاً على سؤال حول مصدر الإلهام الذي دفع الكاتب لكتابة الرواية، يقول آغري:

"القامشلي كانت بوتقة خلّابة من الألوان، أقصد من الأقوام والملل والقوميّات والإثنيّات والأديان والطوائف، كان فيها السريانيّ والآشوريّ والكلدانيّ والأرمنيّ واليهوديّ والكرديّ والعربيّ والأيزيديّ. كانت صورة مصغّرة عن سوريا، كان هناك وئام وحبّ متبادل، ثمّ جاءت الأيديولوجيّات القوميّة العنصريّة فشدّدت الخناق على الجميع، وبدأت الأقفاص تنهض، وشرعت الجدران تقام، إلى أن تناثر الجميع في شتّى الأصقاع... في تلك الأجواء تشرّبت أعماقي صورة ذلك البستان المدهش من اللغات والأصوات والروائح والأغاني والأهازيج، وفي صلب ذلك كانت صداقتي تقوى مع أترابي... فيما بعد بزغت عندي رغبة جارفة أن أحاول في يوم من الأيّام رسم صورة بالكلمات لذلك العالم الفريد الذي عشت فيه، ثمرة تلك الرغبة كانت هذه الرواية".

من هنا تبرز الرواية بوصفها ثورة من قبل الكاتب على الأيديولوجيّات والقوميّات العنصريّة التي مزّقت فسيفساء سوريا، وجعلت السوريّين متناثرين في شتّى أصقاع الأرض، ثورة على كلّ أشكال التمييز العنصريّ الدينيّ والطائفيّ والقوميّ.

 "البحث عن عازار" رواية حقيقيّة، تستمد تفاصيلها من واقعيتها، ولم يعمل فيها الكاتب خياله في اختيار الأحداث أو الشخصيّات، رواية غناء ورحلة حياة وتنوّع ثقافات جال فيها الكاتب بوصفه الرائع بين القامشلي ولبنان والنرويج، رواية رسمها الكاتب بلغة بسيطة ناعمة خالية من التصنّع والتكلّف اللفظيّ، بساطة تشبه بساطة الحياة وعفويّتها التي كانت تعيشها مدينة القامشليّ السوريّة بكلّ مكوّناتها.


مصادر:
•       رواية "البحث عن عازار" للكاتب نزار آغري.
•       موقع "الجائزة العالميّة للرواية العربيّة" ـ حوار مع الكاتب نزار آغري أجرته معه بتاريخ 2/3/2022.
•       موقع "ارفع صوتك". مقال لـ جنى الحسن  يتضمّن حواراً مع الكاتب بعنوان: أيزيديّ ويهوديّ.. قصّة صداقة تنافس على البوكر.
•       موقع "الفيصل" مقال لـ عبد الكريم الحجراويّ بعنوان: البحث عن عازار رواية الأعراق المتنوّعة.