الانفصالية الكردية شمال سوريا

2022.03.26 | 06:39 دمشق

320172018554632.jpg
+A
حجم الخط
-A

أعطت إدارة بايدن استثناء من العقوبات المفروضة في قانون قيصر لقسد أو قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على مناطق في شمال شرقي سوريا، وبهذا تسير إدارة بايدن على نهج إدارة ترامب نفسها في طريقة التعامل الخاص مع مناطق قسد وتفضيلها بشكل خاص بمنحها الإعفاءات الضرورية من أي عقوبات في مجال تعاملها وتصديرها للنفط السوري، بما يعكس أن الإدارات الأميركية المتعاقبة بدأت تتعامل مع هذه المناطق بوصفها مناطق شبه مستقلة لها شؤونها الإدارية والسياسية الخاصة بوصفها إقليما مستقلا تسيطر عليه قوات عسكرية كردية تدعمها الولات المتحدة بقواتها العسكرية التي ما زالت تحتفظ بها شمال سوريا.

لا تخفي قوات قسد أو النسخة السورية من حزب العمال الكردستاني نزعتها الانفصالية ومطالبها في تأسيس إقليم ذاتي خاص بها حتى في مناطق الأغلبية العربية التي تسيطر عليها اليوم من مثل الرقة.

ولذلك ومنذ إعلان الإدارة الذاتية أو ما تسميه "روج آفا" في صيف عام 2013 وهي تعمل على المستوى الدولي بالتنسيق مع روسيا تارة ومع الولايات المتحدة تارة أخرى من أجل ضمان استقلالها الذاتي في تلك المناطق.

فبعد أن أحرزت قوات حماية الشعب الكردية انتصاراً على جبهة النصرة في رأس العين عام 2012، قامت قيادات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي باقتراح تشكيل كيان كونفدرالي يمثل فرض حكم ذاتي في ثلاث مناطق شمال سوريا؛ وهي القامشلي وعين العرب "كوباني" وعفرين. هذا الاقتراح الذي لم يوافق عليه سوى بعض الأحزاب والمؤسسات التي كانت ضمن منظومة حزب الاتحاد الديمقراطي، برغم رفض كل العرب والغالبية الساحقة من المسيحين وجزء كبير من الكرد فقد تم إعلان الإدارة الذاتية رسمياً في الواحد والعشرين من شهر كانون الثاني من عام 2014 إلى جانب تشكيل حكومة إقليمية، ومن ثم إقرار دستور للإدارة الذاتية.

تركيا الدولة الإقليمية المجاورة للمناطق الكردية السورية أعلنت على لسان رئيسها آنذاك عبد الله غل أنها لن تسمح بأمر واقع كردي داخل سوريا

لعل مما زاد الجدل بشأن خطوة الإعلان عن الإدارة الذاتية هو غموض الهدف السياسي منها، بين من يرى أن الهدف النهائي هو الانفصال وتأسيس إقليم كردستان سوريا على غرار إقليم كردستان العراق، ومن يرى أن المسألة لا تخرج عن إطار سيناريو متفق عليه بين حزب الاتحاد الديمقراطي والنظام السوري، وأن الهدف هو إدارة هذه المناطق خدميا وإداريا إلى حين انتهاء الأزمة السورية.
ردود الفعل الرافضة للمشروع كانت أكثر بكثير من المؤيدة له التي تكاد لا تذكر، فتركيا الدولة الإقليمية المجاورة للمناطق الكردية السورية أعلنت على لسان رئيسها آنذاك عبد الله غل أنها لن تسمح بأمر واقع كردي داخل سوريا.

بعدها انخرطت قوات PYD في حرب ضد المعارضة السورية المسلحة حتى ظهور داعش حيث أبلت بلاء حسنا في معركتها في كوباني (عين العرب)، وهو ما دفع الولايات المتحدة لمساندتها جوا حتى تمكنت من طرد قوات داعش ودفع الولايات المتحدة للتعامل مع هذه القوات على أرض الواقع من أجل محاربة داعش، وتم تسمية هذه القوات بقوات سوريا الديمقراطية من أجل عدم إزعاج الحليف التركي.

وبعدها تمكنت قوات PYD من طرد داعش وهزيمتها في الرقة عام 2017 واستطاعت توسيع مناطق سيطرتها بعد دعم أميركي مالي وسياسي وعسكري، بعدها تمكنت المعارضة السورية بدعم من تركيا من طرد قسد من عفرين لكن تركيا تراجعت بعدها في خوض أي صراع معها تحت الضغوط الأميركية.

اليوم باتت قسد تتصرف بشكل انفصالي كليا عن مناطق النظام والمعارضة وتخوض صراعا يوميا من أجل شرعيتها مع السكان العرب في المناطق التي تسيطر عليها، حيث تسيطر قسد على مساحات كبيرة في محافظة الحسكة والرقة بشكل كامل وعين العرب كوباني وحولها. وفرضت إدارة محلية وسياسية تحاول أن تقوم بمهام الدولة مقلدة الوسائل والمؤسسات.

رغم كل المظاهرات التي تخرج بشكل يومي في مناطق قسد فإنها تصر على طريقة حكم عسكري لهذه المناطق عبر فرض التجنيد الإجباري رغم أن معظم الوجود الكردي في سوريا في محافظة الحسكة التي يشكل الكرد فيها نسبة تقارب 30% من عدد سكان المحافظة ذات الأغلبية العربية إذ يبلغ عدد القرى الكردية 445 قرية من أصل 1717 قرية هي مجموع قرى محافظة الحسكة.

كما يتركز الكرد السوريون وبنسبة أقل في أقصى شمالي محافظة حلب في مدينة عين العرب كوباني والقرى المحيطة بها وبعمق لا يزيد على 15 كم جنوب وغرب المدينة مختلطين مع قرى عربية، وفي منطقة عفرين في أقصى الشمال الغربي من محافظة حلب.

ولا يشكل الكرد أغلبية سكانية في أي من المناطق التي يسكوننها بالمقارنة مع العرب الذين يجاورونهم في المنطقة نفسها.

باقي الكرد السوريين يسكنون في مدن دمشق وحلب. كما يتوزع الكرد جغرافياً في مناطق منفصلة عن بعضها، حيث تبلغ المسافة بين القامشلي وعين العرب كوباني نحو 300 كم، أكثر من 150 كم مترا منها خالية من أي وجود كردي، كما أن المسافة بين عين العرب كوباني وعفرين يتخللها أكثر من 100 كم يسكنه العرب والتركمان. كما أنه لا بد من إدراك أن محاذاة المناطق الثلاث لتركيا جعل الحالة الكردية في سوريا ترتبط بشكل وثيق بالقضية الكردية في تركيا، فإنه من الصعب جداً تقبل فكرة قيام كيان كردي محاذ لتركيا، ورغم أن المعارضة السورية بمختلف أطيافها تعهدت بمنح الكرد وباقي المكونات حقوقهم المدنية حيث يتساوى بذلك كل السوريين في الحقوق والواجبات، إلا أن تركيا ترفض رفضاً مطلقاً وقاطعاً لأي طرح يتضمن موضوع إنشاء إقليم أو دولة أو حتى إدارة ذاتية، حيث يرى السوريون أن لا أساس شرعياً لمثل هذه المطالب. كما يرفض المجتمع المحلي من سكان محافظة الحسكة العرب الذين يشكلون الأغلبية السكانية في المحافظة على اختلاف مواقفهم من النظام السوري بشكل مطلق فكرة قيام مثل هذا الإقليم أو الكيان ويبدون الاستعداد لمقاومة المشروع بكل الوسائل الممكنة، ما يمكن أن يجعل من المحافظة مسرحاً لحرب أهلية طاحنة.

لا بد من إدراك أن أي حل سياسي في سوريا ستفرضه حالة الفصائل المعارضة الموجودة في مناطق المعارضة أساساً، وهذه تتعامل مع إداراتها المحلية الذاتية على أنها حالة مؤقتة ولا ترغب أو لم تعلن حتى الآن أي رغبة بأن تصبح إدارات ذاتية. والبدهي ألا تدعو أبداً لذلك بل أن تسعى لفرض سيطرة أو شراكة مع المناطق الأخرى كون مناطقها شابها دمار كبير وتشرد قسم كبير من أهلها عكس المناطق الأخرى. وهذا مؤشر أساسي على غياب الاستقرار في سوريا في حال تضادت رؤى القوى العسكرية على الأرض. ولذا يكاد يكون من المحال القضاء على تنظيم خطير كداعش دون أن يتحد الجميع في مواجهته، وأن تكون الحاضنة الشعبية في مناطق وجود داعش ممثلة بشكل حقيقي وجاد بحيث تكون سنداً قوياً بوجهه. هذان الشرطان لا يمكن أن يتحققا ما لم تكن هناك رابطة سياسية وطنية تقود الدولة السورية ولو بشكل لا مركزي. فحجم التضحيات والخسائر الهائلة لدى شرائح كبيرة من الشعب السوري. إذ لا يمكن أن يكون هناك سلام حقيقي وتعايش ومصالحة دون حد أدنى من المشاعر الوطنية التي تنعكس باللحمة والتعاون بين مختلف المناطق السورية وشرائح المجتمع السوري.

لعله بات واضحا أن الدولة السورية وشكل نظامها السياسي لم يعد ممكناً أن يستمر بالشكل ذاته، وقد ينعكس ذلك على الجغرافيا والتقسيمات الإدارية والسياسية. وهذه التغييرات التي قد تكون عميقة لا يجب أن تعيق التطلع إلى الأمام من أجل الحفاظ على كيان سوري يجمع كل السورين تحت سقف دولة وطنية ديمقراطية تحترم الهوية القومية والدينية وحقوق الإنسان وتصون كرامته.

الاعتراف الدستوري بالهوية القومية للكرد السوريين كجزء من نسيج الشعب السوري

هذه التغيرات المتوقعة على كيان الدولة السورية تأتي نتيجة ثورة عارمة وردة فعل وحشية من النظام قطعت كل الحبال بين الشعب السوري وما تمثله منظومة الحكم في سوريا. فالتضحيات التي دفعها السوريون في السنوات الأربعة الأخيرة إلى جانب معاناتهم لعقود عديدة من قمع واستبداد النظام الجائر لا بد وأن يكون التغيير الحاصل في سوريا متناسب مع حجمها وشدتها. والأكراد هم من المكونات التي تعرضت للأذى والظلم الجماعي.

ولضمان تحقيق هذه التغييرات يجب تحقيق التوصيات التالية:

  1. التشديد على وحدة سوريا أرضاً وشعباً.
  2. تفكيك كل المنظومات المسلحة الأمنية والعسكرية وإعادة هيكلتها تحت مسمى وطني واحد يجمع كل المكونات ويخضع لرقابة مؤسساتية وبرلمانية شفافة وكذلك للمسائلة القانونية كأي مؤسسة مدنية أخرى.
  3. وضع ضمانات دستورية واضحة تتعلق باستقلالية القضاء ووقف العمل بقانون الطوارىء والملاحقة القانونية لمرتكبي الانتهاكات المتعلقة بالمجازر والتهجير وكل أشكال الانتهاكات الجسيمة وتعويض المتضررين.
  4. وضع ضمانات دستورية واضحة تحدد الحقوق والواجبات على أساس المواطنة الكاملة، المواطنة التي تسمح للمواطن أن يتبوأ أعلى مناصب الدولة بغض النظر عن انتمائاته الديني أو المذهبي أو العرقي.
  5. وضع ضمانات تتعلق بحقوق الإنسان وحرياته استناداً إلى شرعة حقوق الإنسان والمعاهدات والاتفاقيات الدولية ذات الصلة والتي تشمل جميع المواطنين دون أي تمييز على أي أساس كان.
  6. الاعتراف الدستوري بالهوية القومية للكرد السوريين كجزء من نسيج الشعب السوري.
  7. الاعتراف باللغة الكردية لغة رسمية إلى جانب العربية في المناطق التي يتركز فيها وجود الكرد.
  8. العمل على تعزيز الهوية الثقافية الكردية واحترام خصوصيتها ضمن إطار التعدد والتنوع الثقافي الوطني، وكجزء من الهوية الثقافية السورية.
  9. اعتماد اللامركزية الإدارية وتوسيع صلاحيات الإدارات المحلية في المحافظات السورية.
  10. اعتماد نظام سياسي برلماني وزيادة مقاعد البرلمان ووضع قانون انتخابات نسبي عادل يعتمد القوائم والدوائر الانتخابية الصغرى أو الوسطى، بحيث يسمح لكل القوى السياسية والمكونات المجتمعية للمشاركة في السلطة.