الانفجار الاجتماعي وأوجه التغيير الإقليمي

2022.12.29 | 07:15 دمشق

الانفجار الاجتماعي وأوجه التغيير الإقليمي
+A
حجم الخط
-A

من يتابع الأوضاع السورية عن كثب، يتشكل لديه رأي بأن ثمة انفجاراً اجتماعياً لا بد أن تشهده المناطق السورية المختلفة. سوء الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية، إلى جانب الأزمة الخانقة في المحروقات وعدم توفرها لا بد لها أن تؤدي إلى انهيارات شاملة في بنى الدولة السورية والتي سيكون لها انعكاسات سلبية على النظام وعلى بيئته أيضاً. كان هذا الأمر متوقعاً منذ سنوات. فما يجري في سوريا حالياً، يشبه إلى حدود بعيدة ما جرى في العراق بعد حرب الخليج الثانية. إذ عاش النظام العراقي في ظلال أزمات مالية واقتصادية بفعل العقوبات الدولية، وكان المسار في النهاية الوصول إلى الاجتياح وإسقاط النظام. 

الوجود الإيراني والروسي يمثل أحد عناصر الاجتياح العسكري للجغرافيا السورية، وعلى الرغم من سعيهما لحماية النظام إلا أن وجودهما يتسبب في إضعافه أكثر وفقدان سيطرته

قد لا يكون السيناريو ككل قابلاً للتطبيق في سوريا، ولكن لا يمكن إغفال العوامل  الاقتصادية والمالية القادرة على إحداث تغيير جذري في بنية النظام السياسية والأمنية إلى جانب البنية الاجتماعية. أما بالنسبة إلى الاجتياح فله صورة مختلفة في سوريا، تتوسع إلى جهات متعددة ومتناقضة، بعضها يهدف إلى حمايته وبعضها الآخر يهدف إلى إسقاطه أو اضعافه. فالوجود الإيراني والروسي يمثل أحد عناصر الاجتياح العسكري للجغرافيا السورية، وعلى الرغم من سعيهما لحماية النظام إلا أن وجودهما يتسبب في إضعافه أكثر وفقدان سيطرته، في المقابل، هناك الوجود الأميركي في الشرق، والتركي في الشمال، من دون إغفال المدى الإسرائيلي في الجنوب وفي كل الأجواء السورية.

على الرغم من التواصل بين هذه القوى الخارجية المتعددة وتضارب المصالح في مكان وتقاطعها في أماكن أخرى، إلا أنّ كل ذلك يؤشر إلى تآكل قدرة النظام. وهذه ستجعل في المستقبل تركيا والأردن في مقدمة لعب دور أساسي للتأثير في المجريات السورية، ولذلك ثمة توترات في الشمال السوري وفي الجنوب. وذلك لا ينفصل أيضاً عن مواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان حول تكرار مواقفه للقاء بشار الأسد، ولهذا أهداف عديدة، أولها أن أردوغان يريد ذلك لقطع الطريق على محاولات المعارضة التركية عقد لقاءات مع الأسد، وللاستفادة من ذلك في الانتخابات التركية في الربيع المقبل.

كذلك يستفيد أردوغان من ذلك داخلياً في العمل على ملف إعادة اللاجئين. أما الأهداف ذات البعد الإستراتيجي فتتعلق بأن أي تواصل رسمي بين النظام السوري وتركيا، يعني أن انقرة كسبت مشروعية العمل في سوريا، ولدى حصول أي تطورات ستكون قادرة على التحرك أكثر وبفعالية أكبر من دون قدرة النظام على الاعتراض. سواء بما يتعلق بتقويض حزب العمال الكردستاني وقوات سوريا الديمقراطية، أو بما يتعلق بالسيطرة على الوضع في الشمال في حال حصلت تسربات وانهيارات في صفوف النظام بفعل الأزمة المالية والاقتصادية.

هنا لا بد من المرور على تأكيد الأميركيين على القرارات الدولية الخاصة بسوريا، والتشديد على أن الحل للأزمة السورية يمر في الانتقال السياسي للسلطة، وهذا لا ينفصل عن موقف صادر عن الجامعة العربية بأن النظام السوري غير جاد في الحوار للوصول إلى حل سياسي للأزمة. كل هذه المواقف من شأنها أن تثبت انعدام قدرة النظام على استعادة سيطرته على الوضع السوري واستحالة الحلّ السياسي فيما هو سيبقى على حاله.

بناء عليه لا بد من مقاربة جملة نقاط أساسية تتعلق بالوضع السوري، أولها أن دولة قطر ترفض التطبيع مع النظام، أو تغيير موقفها، وهذا مؤشر مهم وأساسي في ضوء العلاقة الإستراتيجية بين قطر والولايات المتحدة التي صنفت الدوحة كحليف إستراتيجي من خارج حلف الناتو، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن المواقف القطرية ذات البعد الإستراتيجي والإقليمي كانت هي الرابحة في استحقاقات متعددة.

هذه المسارات سيكون لها تأثيرات أكبر في المرحلة المقبلة على الواقع السوري الذي سيكون قابلاً للانفجار، في ظل انعدام قدرة إيران أو العراق أو لبنان على المساعدة

ثانياً، الأزمة المالية والاقتصادية التي تعيشها سوريا، هي من نتاجات اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وتشكيل الحكومة العراقية. فمن هذين الملفين نتجت سياقات متعددة، أولها منع العراق من تصدير الفيول والمحروقات إلى سوريا، وثانيها إجبار حزب الله والإيرانيين على إجراء عمليات إعادة تموضع على الجغرافيا السورية بالإضافة إلى انسحابات متعددة من مناطق مختلفة. هذه المسارات سيكون لها تأثيرات أكبر في المرحلة المقبلة على الواقع السوري الذي سيكون قابلاً للانفجار، في ظل انعدام قدرة إيران أو العراق أو لبنان على المساعدة. هنا لا بد من العودة إلى كلمة أساسية قالها الرئيس الفرنسي في قمة بغداد 2 التي عقدت في الأردن، حين ربط أزمة لبنان والعراق وسوريا ببعضهم البعض قائلاً إن أي حل لهذه الأزمات يحتاج إلى تعاون صادق بين القوى الإقليمية، ما يعني أن الملفات الثلاثة ترتبط ببعضها البعض للوصول إلى تسوية شاملة، وأي تسوية ستفرض تغييراً معيناً وإن كان أمد ذلك طويلاً.