"الانتفاضة الإيرانية" تعقّد الانتخابات الرئاسية في لبنان

2022.11.25 | 07:03 دمشق

احتجاجات طهران
+A
حجم الخط
-A

تزيد الانتفاضة التي تشهدها الساحات الإيرانية منذ أسابيع، ملف الانتخابات الرئاسية في لبنان تعقيداً. هذه الأحداث قد تدفع حزب الله إلى مزيد من التمسك بمرشحه الرئاسي المفترض، كما ستزيد تمسك اللبنانيين ومن خلفهم المجتمع الدولي والعربي بمرشح أكثر وسطية. كيف ذلك؟ الإجابة عن هذه الفرضية تقتضي معرفة خريطة "حزب الله" الرئاسية وهواجسه، وكذلك الاطلاع على الأوزان الانتخابية والتحالفات في البرلمان اللبناني.

قبل أسابيع، حسم "حزب الله" مواصفات الرئيس المقبل للجمهورية اللبنانية، وحصرها بشرطين. الأول عامٌّ وهو أنّ يكون أيّ مرشح محتمل للرئاسة على علاقة جيدة مع الجميع، بينما الثاني خاصّ، ويتعلّق بهواجس الحزب، الحزب نفسه، ويقضي بأن يكون المرشح العتيد، قادراً على حماية ظهر المقاومة وسلاحها.

"حزب الله" وحلفاؤه لا يملكون الأغلبية النيابية التي تخوّلهم إيصال مرشحهم المفترض إلى سدّة الرئاسة الأولى منفردين، والحزب أول من لا يرغب بذلك. وفي المقابل لا تمتلك بقية الكتل تلك الأغلبية، لأنّ المجلس التي أفرزته الانتخابات الأخيرة مقسم بشكل "فسيفسائي"، إلى كتل متماسكة. لكنّها مقسّمة ولا تجتمع على أيّ مشروع موحّد.

"حزب الله" يضع هذين الشرطين تحت عنوان ممجوج ومموه هو "التوافق". في نظره، فإنّ التوافق يعني أن يختار هو المرشح الرئاسي، ثم يدعو بقية الكتل النيابية إلى التصديق على خياره، بأسلوب يحاكي ما يحصل في إيران لاختيار المرشحين إلى الرئاسة الإيرانية، وهذا يعني أنّ الحزب رسم لنفسه مهمة "مجلس صيانة الدستور" بنسخته اللبنانية، وألزم اللبنانيين بخياراته تحت مسمى التوافق.

في الشكل، فإنّ الشرطين الذين وضعهما "حزب الله" لا ينطبقان إلاّ على مرشحين، وهما طبعاً من بين حلفائه، لصعوبة إيجاد مرشح يضمن حماية "المقاومة" وسلاحها. هذان المرشحان هما جبران باسيل وسليمان فرنجية. وفي حين يلبّي المرشح الأول (باسيل) شرطاً واحداً من الشرطين المتعلق بحماية المقاومة، وقد أثبت ذلك على مدى سنوات من خلال قربه من الحزب الذي أوصله إلى العقوبات الأميركية وقطع أمامه الطريق للوصول إلى قصر بعبدا، يحوز الثاني (أي فرنجية) على الشرطين معاً لكن بهامش ضيّق جداً، خصوصاً الشرط المرتبط بـ"العلاقة الطيبة مع الجميع"، فلا تتعدى تلك "العلاقة الطيبة" حدود حلفاء "حزب الله"، وهذا ما يجعله أقرب إلى تبني الحزب ترشيحه من باسيل، ويجعله يمّهد الطريق أمام احتمال قرب المجاهرة بترشيحه مستقبلاً.

أمّا في المضمون، فإنّ "الورقة البيضاء" التي يتبناها الحزب وحلفاؤه في جلسات التصويت الست التي تعاقبت لانتخاب رئيس (ندخل على السابعة)، ويمتنع خلالها عن التصويت لفرنجية ثم تطيير نصابها بعد ذلك، تدخل ضمن الحفاظ على مرشحه المستتر والحرص على عدم حرقه إلى حين اكتمال التوافق المزعوم، من دون الإيحاء بأنه يفرض مرشحه على النواب اللبنانيين.

لكن يبدو أنّ هذا الأسلوب دونه عقبات، منها الداخلي والخارجي. إذ بدأت تزداد تلك العقبات تعقيداً مع توالي الأحداث الإقليمية والدولية. لكن الحديث عن تلك العقبات، يفرض الخوض في "خريطة الأولويات" التي يرسمها الحزب لنفسه في المسألة الرئاسية.

يعلم "حزب الله" أنّ لبنان لن تقوم له قائمة إلاّ بمساعدة المجتمع الدولي، وتحديداً مساعدة دول الخليج، ولهذا أيضاً رأيناه يفتح خطوط التواصل مع الغرب، ويوافق على ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل

هذه الخريطة تخبرنا أنّ "حزب الله" ما عاد يطمح إلى الهيمنة الكاملة على لبنان، لأنّ التجربة أخبرته منذ انطلاق ثورة 17 تشرين الأول 2019 إلى اليوم، أنّ الإمساك بمقاليد السلطة بشكل منفرد يشبه الإمساك بكتلة نار ملتهبة قادرة على حرقه. أدرك الحزب باكراً أنّ هذا الخيار يجعله المسؤول الأول عن انهيار الدولة، فكان لا بد من إشراك الجميع بتلك المسؤولية، وهذا ما يفسّر إصراره الدائم على "حكومات الوحدة الوطنية" وعلى مضامين "التوافق"، ولو بشروطه.

يعلم "حزب الله" أنّ لبنان لن تقوم له قائمة إلاّ بمساعدة المجتمع الدولي، وتحديداً مساعدة دول الخليج، ولهذا أيضاً رأيناه يفتح خطوط التواصل مع الغرب، ويوافق على ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل من خارج السياق الإيديولوجي الذي تبناه لسنوات. هذه التنازلات يعتبر الحزب  أنّها تؤهله للحصول على مكافأة عنوانها ترشّيح شخصية قريبة من خطّ "المقاومة"، هي فرنجية الذي يصلح أن يكون مرشحاً قابلاً لمراكمة الإجماع عليه مع الوقت في الداخل والخارج... فهل هذا ممكن؟

هنا نعود إلى التعقيدات التي تحدثنا عنها أعلاه، والتي تبدو صعبة المنال كلّما تأخر الفراغ الرئاسي:

1. شخصية فرنجية: الرجل مقرر من النظام السوري، ومنغمس بمشروع حماية المقاومة حتى العظم. لا يملك مشروعاً رئاسياً إصلاحياً وكل ما يحمله هو قربه من "محور الممانعة"، بينما مقتضيات المرحلة الصعبة التي يمر بها لبنان بعد أزمة اقتصادية ومصرفية مستمرة من 3 سنوات، تفترض انتخاب رئيس ذي مواصفات أهم، وعلاقات دولية أرقى وأشد تأثيراً ومنفعة للبنان. هذا كلّه غير متوفّر بسليمان فرنجية، على الرغم من تمسك حزب الله وبعض حلفائه به.

2. الشقاق في حلف الممانعة: خيار فرنجية أحدث انشقاقات داخل حلف حزب الله، وجعلت التوافق على فرنجية دون مساعدة نواب من خارج حلفه أمراً صعباً. أبرز المعترضين باسيل نفسه الذي يحتاجه حزب الله لحماية سلاحه عبر كتلة مسيحية هي ثاني كتلة بعد كتلة "القوات اللبنانية".

حتى اللحظة يصّر باسيل على رفض السير بفرنجية، ورفضه يشكل أزمة للحزب لأنّ التوافق مع الآخرين على فرنجية سيفتقد للميثاقية، طالما أنّ أكبر كتلتين مسيحيتين ترفضانه، كما أنّ انتخاب رئيس بأغلبية بسيطة (نصف زائد واحد) سيضعف من موقع الرئاسة، ويظهرها على أنّها لا تحوز على موافقة نصف اللبنانيين، وأغلب المسيحيين، وذلك بخلاف سابقة انتخاب رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي انتُخب بالأغلبية البسيطة نفسها، لكنه حينذاك حصل انتخابه بواسطة "بلوك" متماسك من كل ممثلي الطائفة الشيعية.

3. الأحداث الميدانية في إيران: هذه الأحداث تزداد تأزماً يوماً بعد يوم، وهذا قد يبدد احتمالات التلاقي بين حزب الله (وخلفه إيران) وبين الغرب والدول العربية. فالحزب قد يتمسك بمرشح قريب منه تحسباً لأيّ تصعيد قد يطيح بالنظام الإيراني أو يضعفه في أقل تقدير، علّ هذا المرشّح يلعب دوراً دافعاً للحزب وسلاحه في أي تطور مستقبلي على مستوى الإيراني.

لكنّ هذا الخيار في المقابل، سيدفع بالمجتمع الدولي والعربي حكماً، إلى التمسك بوصول مرشح لهم فيه حصة أكبر مما لهم في فرنجية من حصة "افتراضية"، يقدّمها حزب الله إرادياً، وهذا ما يفسّر تريث الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والمملكة العربية السعودية في الاستجابة على طرح فرنجية، ناهيك عن ارتفاع منسوب الاعتراض على قمع التظاهرات في إيران التي بدأت توتّر العلاقة بين إيران من جهة والمجتمع الدولي والغربي من جهة أخرى، ويضاف إلى هذا كلّه انشغال المجتمع الدولي بالحرب الروسية – الأوكرانية وتبعاتها.

كل هذا ينبىء بأنّ احتمال السير بمرشح قريب من "حزب الله"، يبتعد يوماً بعد يوم. وأن التسوية التي ينتظرها الحزب قد تطول، وربّما لن تحصل. خصوصاً إن أفضت التظاهرات إلى تأزم النظام في إيران، فعندها قد تُبدي طهران وأذرعها في المنطقة تصلباً في كل الملفات، ومن ضمنها الملف الرئاسي في لبنان.