الاستجابة الإيرانية لكارثة زلزال سوريا.. فرص ومخاطر

2023.03.30 | 06:30 دمشق

الاستجابة الإيرانية لكارثة زلزال سوريا.. فرص ومخاطر
+A
حجم الخط
-A

استغلت إيران كارثة الزلزال في سوريا كغطاء للدفع باستراتيجيها للتوسع والتمدد، التي دأبت عليها منذ بداية الثورة السورية، لتطرح استجابتها للكارثة تساؤلات حول الآثار المترتبة على تدخلها والاختراقات التي حققتها، وهو ما يتطلب قراءة في الأدوات التي استخدمتها والجغرافيات التي استهدفتها وأهميتها، ومدى قدرتها على الحفاظ على هذا الزخم، وهو ما سيتم استعراضه في هذا المقال التحليلي.

الاستجابة الإيرانية: الجغرافية والأدوات

لم يقتصر نشاط إيران في الاستجابة لكارثة الزلزال على مناطق وجودها الأساسية، بل عملت على التمدد في جغرافيات جديدة، ساعدها في ذلك أذرعها الإقليمية إلى جانب أدواتها الخاصة بها. منذ الساعات الأولى للزلزال، نشطت إيران ميدانياً في حلب نظراً لوجود ميليشياتها وقواعدها اللوجستية فيها، لتكون الوجهة الأولى لزيارة مسؤوليها، هذا وتكتسب المحافظة أهمية لإيران باعتبارها عقدة جغرافية استراتيجية تتيح لها التمدد شرقاً وشمالاً وكذلك غرباً، ومن هنا حرصها على امتلاك قواعد لوجستية كمطار حلب الدولي، الذي استقبل 10 طائرات مساعدات من أصل 15 كانت أرسلتها إيران للنظام السوري. أيضاً، للمحافظة أهميتها الاقتصادية باعتبار حلب عاصمة سوريا الاقتصادية، وإلى جانب ما سبق، لا يمكن تجاهل أن إيران مسكونة بالتاريخ، ورغبتها بإعادة أمجاد إمبراطوريتها، من خلال استعادة التاريخ الشيعي لحلب الذي لم يعمر طويلاً.

لم تكن حلب الوجهة الوحيدة لنشاط إيران، بل تمددت أيضاً في الساحل السوري، الذي لموقعه على البحر المتوسط أهمية استراتيجية تريدها إيران، والتي لم تخف ذلك عبر طرح مشاريع من قبيل تأسيس سكة حديد تصل إيران بسوريا مروراً بالعراق، وبذلك تضمن خطوط إمداد لوجستية نشطة لمراكز ثقلها إقليمياً، كذلك حضوراً اقتصادياً. من ناحية أخرى، تكمن أهمية هذه المنطقة في نسيجها الاجتماعي، والتي تسعى إيران للتقرب منها وجذبها إلى مشروعها، لا سيما مع تزايد نقمتهم على النظام السوري.

اعتمدت إيران طريقي الجو والبر لإرسال مساعداتها إلى سوريا، ففي الأول كان ملاحظاً اعتمادها على مطار حلب الدولي ثم مطاري دمشق واللاذقية تباعاً، أما الطريق البري فتولاه حلفاؤها الإقليميون، انطلاقاً من معابر العراق ولبنان التي تسيطر عليها ميليشيات موالية لإيران أو لها نفوذ قوي فيها.

وظفت إيران في تمددها الأفقي وانتشارها مجموعة من الأدوات، منها تلك الخاصة بها كالحرس الثوري الإيراني، الهلال الأحمر الإيراني، القنصلية الإيرانية في حلب، ولكن يبدو بأن هذه الأدوات لم تكن كافية، مما اضطرها للاتكاء على أذرعها الإقليمية كحزب الله والأهم الحشد الشعبي، الذي نشط دوره في الجغرافية السورية عبر شحنات المساعدات البرية التي أرسلت لمناطق سيطرة النظام، ومن أهم الفصائل التي نشطت في الاستجابة لكارثة الزلزال، عصائب أهل الحق، وحركة النجباء، واللواء 11 "علي الأكبر"، وألوية تتبع لمنظمة بدر مثل: اللواء 9، واللواء 16، واللواء 27.

أعادت إيران تعريف دور أدواتها وأذرعها لمواكبة التحولات التي شهدتها الجغرافية السورية، فمع تراجع المعارك الكبرى، باتت معنية أكثر بتطوير الأدوار الإنسانية والخدمية لتلك الأدوات، في محاولة منها للتمويه على وجودها وأهدافها، كذلك محاولة منها لكسب ثقة الحواضن المجتمعية، بالوقت الذي يعجز فيه النظام عن تقديم خدمات كافية للسكان المحليين، لعل هذه الاستراتيجية تثير مخاوف الفاعلين في الجغرافية السورية.

الاستجابة الإيرانية ومخاوف الفاعلين

تحفز الاستجابة الإيرانية لكارثة الزلزال، بما تتضمنه من تمدد أفقي وتمويه ودمج لأدواتها في الجغرافية السورية وتطوير أدوارها، مخاوف لدى الفاعلين المحليين والدوليين، التي تخشى بأن الحركة الإيرانية وإن كان ظاهرها إنسانيا فإن باطنها تهديد للأمن الإقليمي والاستقرار السوري.

تعمل روسيا على الحفاظ على استقرار الجغرافية السورية، رغبة منها في التركيز أكثر على الحرب في أوكرانيا، إلى جانب ضمان أمن حليفها النظام السوري وعدم تعريضه لمخاطر، كما أنها معنية بضمان نفوذها في مناطق انتشارها، إلا أن إيران تستغل الانشغال الروسي للتمدد أكثر في الساحل السوري وعينها على مرفأ اللاذقية، هذا التمدد سيخصم من النفوذ الروسي، كما يتوقع أن يزيد من التخوف الإسرائيلي وما يعنيه ذلك من تصعيد الضربات ضد إيران في الجغرافية السورية، ظهر ذلك بشكل واضح باستهدافها لمطار حلب الدولي الذي تنتشر فيه الميليشيات الإيرانية عقب كارثة الزلزال أكثر من مرة. كما يحد التمدد الإيراني من فرص نجاح الطرح العربي في الانفتاح على النظام لجذبه بعيداً عن الحضن الإيراني، ويثير مخاوف الدول العربية بشأن جدية إيران في تهدئة الإقليم بالوقت الذي تواصل فيه دعم أذرعها في الجغرافية السورية والتمدد دونما توقف. أيضاً، لا تبدو تركيا معزولة عن تداعيات الاستجابة الإيرانية لكارثة الزلزال في سوريا، فتمددها في المناطق الحدودية لتركيا كما في حلب والساحل السوري، يزيد من المخاطر الأمنية على أنقرة.  أخيراً، وفي مفارقة عجيبة يمكن اعتبار النظام السوري أحد المتضررين من التوسع الايراني في المناطق الجديدة، وذلك مع مساعيها لاختراق حاضنة الأسد في اللاذقية وطرطوس، التي يعجز النظام عن تأمين احتياجاتها وتوفير الخدمات لها بالشكل الكافي.

تظهر الاستجابة الإيرانية لكارثة الزلزال في سوريا عزمها على مواصلة تنفيذ استراتجيتها في التمدد والتوسع في الجغرافية السورية، عبر استغلال الفرص الناشئة ككارثة الزلزال، واستخدام تكتيكات وأدوات جديدة في مشهد تتوزع فيه الأدوار بما يخدم التوجه الاستراتيجي العام. وعلى الرغم من أن المساعي الإيرانية تواجه تحديات لا سيما فيما يتصل بمواقف الفاعلين إزاءها، واستمرارية الاستهداف الإسرائيلي لها، إلا أن خيارها كان وما يزال الدفع باستراتيجيتها، ولعل الأخطر في توجهها الراهن، توظيف الجانب الإنساني والخدمي للتمويه على أهدافها وحركتها لاختراق المجتمعات المحلية في الجغرافية السورية، في وقت يعاني فيه النظام ومؤسساته، ولها فيما سبق تجارب وخبرات في عموم الإقليم كما في لبنان والعراق. وبالوقت الذي كان الحديث عن سحب إيران لبعض ميليشياتها من الجغرافية السورية وتفكيك أخرى، أعادت كارثة الزلزال حضور هذه الميليشيات في المشهد السوري كفاعل لا يمكن تجاوزه بسهولة.

على الرغم من محاولات القوى الإقليمية والدولية تجميد الأزمة السورية، فإن محاولات إيران توظيف الاستجابة لكارثة الزلزال للدفع بمصالحها من شأنه إثارة مخاوف أمنية لدى هؤلاء الفاعلين، كذلك تهديد الاستقرار الهش لسوريا، لتكون الاستجابة الإيرانية عاملاً مهدداً أكثر منه عاملاً يساعد سوريا على تجاوز كارثة الزلزال.