الاتفاق الإيراني-السعودي ودروس الثورة السورية

2023.03.21 | 06:20 دمشق

هل سيكتب للاتفاق السعودي الإيراني النجاح؟
+A
حجم الخط
-A

اعتبر الاتفاق الإيراني-السعودي المفاجئ أبرز الأحداث الاستراتيجية منذ مدة، وقد ينبئ في حال تطوره بتغيير استراتيجي مفصلي في تاريخ الشرق الأوسط الحديث. على الرغم من التركيز الكبير على المؤشرين البارزين الذين تحدث عنهما الجميع من خلال انتهاج السعودية منهج الدبلوماسية مع إيران ودخول الصين للشرق الأوسط من بابه الواسع إلا أن أحد التفاصيل التي تزداد وضوحا يوما بعد يوم يجب التوقف عندها.

هذا التفصيل هو انغلاق السعودية أكثر فأكثر على نفسها وتغير أولوياتها من المنطقة ككل إلى حدود المملكة مع القيادة الشابة الجديدة. أوّل أولويات السعودية من الاتفاق مع إيران هو اليمن بحكم تأثير الحوثي السلبي المباشر على المملكة ثم بعدها وبدرجة أقل بكثير تأتي ملفات المنطقة الأخرى.

في الأجواء مديح كبير يكال لعقلانية القيادة الجديدة وأنها تحوّل المملكة لدولة متقدمة على الطراز الغربي بسياسة خارجية تميل بشكل كبير إلى القومية مع تفكير محصور بالبلد. لكن لهذه السياسة أضرار طويلة الأمد ستشعر بها المملكة في السنوات المقبلة.

في مشهد موازٍ استذكر العرب الثورة السورية التي اندلعت قبل 12 سنة، التي فور اندلاعها اندفع الخليج إلى دعمها إلّا أنه تراجع عن هذا الدعم بعدما شعر أن الإسلاميين هم الطرف الأبرز في المعارضة وهو ما شكّل أحد العوامل التي ضربت الثوار وجعلت الغلبة للمحور المقابل.

انحسار الثورة السورية كانت لها تبعات كثيرة على الدول المجاورة نظراً لمحورية سوريا وأهميتها في المنطقة فانتُخب ميشال عون حليف حزب الله في لبنان، وسارعت تركيا لحماية نفسها من خلال السيطرة على جزء من شمالي سوريا

انحسار الثورة السورية كانت لها تبعات كثيرة على الدول المجاورة نظراً لمحورية سوريا وأهميتها في المنطقة فانتُخب ميشال عون حليف حزب الله في لبنان، وسارعت تركيا لحماية نفسها من خلال السيطرة على جزء من شمالي سوريا، فسقطت الدول العربية في يد إيران الواحدة تلوى الأخرى بعد أن سيطرت على العراق عقب الغزو الأميركي لتعود لتثبت نفسها في سوريا، فخرجت عبارة اشتهرت على لسان قادة إيرانيين وهي أن "إيران تسيطر على أربع عواصم عربية".

تراجع الخليج حينذاك وانكفاؤه على نفسه أوصل البلدان العربية إلى حضن الجمهورية الإيرانية التي تعتمد سياسة معاكسة عبر تثبيت نفسها في البلاد العربية ولو بالقوة وهو الحال في سوريا ولبنان والعراق واليمن، وما ثبت من وجود قوات لها في الجزائر للتدريب، ووجودها في عدد من الدول التي لا تخطر على بال أحد في آسيا وإفريقيا وحتى أميركا الجنوبية.

في المقابل، برز الانسحاب الخليجي وارتفعت أسهمه مع تعاظم سياسة الانكفاء المتبعة والتي كانت آخر تجلياتها تعاظم الحديث عن إعادة تأهيل بشار الأسد وإعادة تشكيل قناعة بإمكانية سحبه من الحضن الإيراني إلى العربي، وهو أقرب إلى الأمل منه إلى الواقع والحقيقة.

بالنسبة للسعودية فهي تعلم بأن الأسد لن يصبح عربياً ولكنه يمكن أن يكف أو يخفف أذاه عنها أقلها المباشر منه مثل تصدير الكبتاغون والذي يمثّل كابوسا سعوديا. أما في لبنان فالتشدّد السعودي موجود ولكنه محصور بأهدافها داخل بلدها وفي حال لم يتحقق مع مَن يؤمن مصلحتها المباشرة فستقوم بإهمال البلد، والأمر لا يختلف كثيراً في العراق.

الخوف في لبنان أن يتمكن حلفاء الأسد فيه من إقناع السعودية بأن السير بالوزير فرنجية إلى الرئاسة هو من مصلحة المملكة، محاولين وضعه ضمن سلة جذب الأسد وحلفائه في لبنان، وعلى رأسهم حركة أمل والرئيس نبيه بري وتيار المردة والوزير فرنجية، من إيران نحوها وهي لا تعدو عن كونها شعارات اختبرت مراراً من قبل.

نظرياً وعلى المدى القصير يعتبر البعض بأن المملكة تقوم بمصلحتها عن طريق إيقاف النزيف في لبنان ومحاولة اتقاء شر النظام في سوريا. لكن تجربة الثورة السورية تنبئ بأن الانكفاء يقود للحصار والحصار من أكبر الأسلحة الاستراتيجية التي تخاطر المملكة بفقدانها على المدى الطويل.

في حال انسحبت أم تأقلمت المملكة بشكل كلي مع الوضع الراهن في الدول المحيطة على قاعدة المصلحة الضيقة، فإنها ستصل بعد بضع سنين ومن حولها طوق من الأزمات الضاغطة والقوى الجائعة للانقضاض عليها ولن تجد حينها خطوط دفاع متقدمة فاليوم أميركا والكيان الإسرائيلي وإيران لا يقاتلون على أرضهم بل يتوسعون في الدول المجاورة فيشكلون فيها، دبلوماسياً أم عسكرياً، خطوط دفاع عن مساحتهم الجغرافية والسياسية.

حتى أن أميركا انكفأت في عهد ترامب ولكنها سرعان ما شعرت بخطئها فعادت إلى الشرق الأوسط. عليه، فالتجربة السورية والتجارب الأخرى تشير الى خطر السياسة السعودية المتبعة.

لا يعني ذلك أبداً بأن الاتفاق مع إيران سلبي بالنسبة للمملكة بل إيجابي، فهو من الممكن أن يوقف النزيف في اليمن ويوجه رسالة لأميركا عن طريق فتح خط -لا يوازي بالتأكيد الحضور الأميركي في الخليج ولن يوازيه في المدى المنظور- مع الصين يعطي انطباعاً بانفتاح المملكة سياسياً بما يضمن مصلحتها وليس فقط مصلحة الغرب كما كان الحال في فترات متعددة. لكن في الوقت عينه فإنّ الاتفاق يجب أن يؤخذ ضمن تفكير أوسع وأهداف استراتيجية أشمل، فالمملكة تتعاطى مع الاتفاق كما ملفات المنطقة بحدودها الآنية مع إغفال مصلحة الشعوب العربية المرتبطة بمصلحة المملكة السعودية الاستراتيجية.