icon
التغطية الحية

الألوان ودلالاتها في الفن التشكيلي: كي نفهم اللوحة

2022.07.22 | 07:24 دمشق

نلونن
+A
حجم الخط
-A

إن اهتمام الإنسان بالألوان اهتمام فطري، وحين يسعى إلى ملاءمته مع محيطه يكون أشبه بالسعي إلى الكمال، وتختلف الألوان المفضلة من شخص إلى آخر، وأيضا من مجتمع إلى آخر، وهذا يبدو جليا إذا نظرنا إلى اللباس التراثي لكل ثقافة على حدة، ومؤخرا تمت دراسة الألوان وتحليلها، فهناك الكثير من الأبحاث التي تخصصت بدراسة الألوان من حيث الانسجام أو التنافر وتأثير كل لون على الآخر وأيضا تأثر الألوان على النفس البشرية، فتم تقسيمها إلى ألوان رئيسة وألوان فرعية، وأيضا ألوان حارة وألوان باردة.

هذه الدراسات أثرت بشكل مباشر على فن الشكل حيث كان الفنان يختار ألوانه بشكل فطري أو من خلال محاكاة الطبيعة، ولا بد أن نذكر هنا أن أول من تأثر بدراسة وتحليل الألوان على اللوحة من الفنانين التشكيليين هم  الانطباعيون.

والفن التشكيلي على اعتباره لغة تعبيرية  يحاول الفنان من خلالها إيصال  مشاعره وأفكاره فإنه يستخدم لهذا الغرض الخط واللون وهما العنصران اللذان تتشكل من خلالهما اللوحة الفنية من خلال النظر إليها والتمعن بتفاصيلها، وطبعا هذا يرتبط بشكل أو بآخر بحالتنا النفسية والظروف التي نمر بها، فقد تؤثر بنا الألوان الباردة أو الدافئة، فنشعر أنها تمثلنا أو تحاكي واقعنا، وقد تثير فينا العديد من المشاعر والذكريات، أو قد نمر أمامها دون أن تؤثر بنا على الإطلاق.

ولكي نعرف أكثر عن الأسباب التي تجعلنا ننجذب للون أكثر من آخر، لا بد من دراسة معاني هذه الألوان في الفن التشكيلي على اعتبارها الوسيط الرئيسي التي يستطيع الفنان من خلالها إيصال أفكاره ومشاعره وأحاسيسه وربما نعرف أكثر من خلال لوحاته ما هي الظروف التي يمر بها.

الألوان ودلالاتها

بما أننا نتكلم عن الفن التشكيلي فلا بد من معرفة الألوان الأساسية التي تشتق منها جميع الألوان والتي تتمثل بـالأحمر والأزرق والأصفر، ومن خلال مزج هذه الألوان مع بعضها بصورة ثنائية على سبيل المثال نحصل على لون ثالث، فعند مزج اللون الأصفر مع اللون الأزرق نحصل على اللون الأخضر وجميع درجاته مع درجات اللون الأزرق تسمى بالألوان الباردة التي ترمز إلى الزرع والبساتين الخضراء والبحار والسماء وما شابه ذلك.

وبمزج الأحمر مع الأصفر نحصل على اللون البرتقالي، وتسمى مشتقات هذين اللونين بالألوان الدافئة أو النارية أي أنَّها ترمز إلى النشاط والإثارة كلون الشمس والنار والضوء وما شابه ذلك، وبمزج الأزرق مع الأحمر نحصل على اللون البنفسجي وجميع تدرجاته بحسب نسبة كل لون، ومن خلال مزج اللون البنفسجي مع اللون البرتقالي نحصل على درجات اللون البني وهو لون التراب. ويعتبر اللونان الأبيض والأسود لونين حياديين، يستخدمان إما بإضافة الأبيض لتفتيح اللون أو الأسود لتعتيمه.

وفيما يلى صورة مبسطة عن دائرة الألوان وفيها الألوان الرئيسة الثلاث وما ينتج عند مزجهم:

 

الون
دائرة الألوان

 

الألوان في المدرسة التعبيرية

يرافق فترة رؤية العين للون وما يرافقها من تفاعلات كيميائية وكهربائية بين العين والدماغ، عمليات أخرى معقدة في النفس البشرية، تبدأ من لحظة رؤيتنا للون والشعور به وبتأثيره علينا، وهذا الشعور ينجم غالبا عن خبراتنا وذاكرتنا البصرية مع الطبيعة والبيئة التي نعيش فيها، وكثيرا ما يستند إحساسنا على ألوان ترسخت في المجال اللاشعوري من الدماغ، فمثلا السماء الزرقاء ولون البحر يسحرنا، والسهول والجبال الخضراء تضفي البهجة على شعورنا وتشعرنا بالاسترخاء، وعندما نرى وجها محمرا نستدل فورا على أنه غاضب مثلا.

هذه الدلالات وغيرها الكثير لم تنتج بشكل اعتباطي وإنما عن خبرات اكتسبناها تفاعليا مع الطبيعة وأيضا مع محيطنا وبيئتنا، فمثلا الشخص الذي يعيش في الصحراء تختلف أحاسيسه تجاه الألوان عن الشخص الذي يعيش في بيئة زراعية والشخص الذي يعيش في المدينة تختلف أحاسيسه تجاه الألوان عن الشخصين السابقين، وهكذا.

وهنا نستعرض قيم  بعض الألوان ودلالاتها التعبيرية:

  • اللون الأصفر: هو اللون الذي يجذب الانتباه ويُعزِّز المنطق ويتردد صداه من الجانب الأيسر من الدماغ، أي جانب المنطق والإدراك، وبجانب أنَّه لون العقل والفكر فقد أشار العلماء إلى أنَّه يدل أيضا على نفاد الصبر والانتقاد، فعندما يرفع العلم الأصفر مثلا في مباراة كرة القدم يُعدُّ علامةً للتحذير، وهو لون الغيرة والحسد، وهو أكثر الألوان إشعاعا وأقربها إلى النور.
  • اللون البرتقالي: وهو مزيج الأحمر مع الأصفر وهو لون يشع بالدفء والسعادة، هو لونٌ الدفء والعاطفة والوصال القلبي والسيطرة الجنسية  ويدل على العطاء وتخطي الأزمات والوقفة الناجحة أمام الجمهور.
  • اللون الأزرق: وهو لون الثقة والمسؤولية، ويرمز هذا اللون إلى الصدق والإخلاص وتعزيز الاسترخاء الجسدي والعقلي، ولا يفضل أن يثير ضجةًّ أو يحصل على لفت الانتباه، ومن منظور علم النفس يدل اللون الأزرق على الأمن الداخلي والثقة بالنفس كما أنَّه يسعى إلى السلام والهدوء فوق كل شيء، وفي الفن فإن اللون الأزرق هو لون السماء وكثيراً ما يرمز به الى المقدس، ومن جهة أخرى أيضا فإن اللون الأزرق هو لون الكآبة والحزن وتستخدم تدرجاته القاتمة للترميز عن السوداوية واليأس.
  • اللون الأحمر: لونٌ دافىء وإيجابي يدل على روحٍ رائدةٍ وقيادية، ويُعزِّز الطموح والعزيمة، فهو لون الطاقة والعاطفة ويدل أيضا على قوة الإرادة ويمنح الثقة والنشاط، ويرمز للحرب والغضب.
  • اللون الأخضر: لون النمو ولون الربيع والتجديد والنهضة. فهو يُجدِّد الطاقة المستنفذة، وهو الملاذ للهروب من الحياة العصرية ويساعد على الاسترخاء، ومحبو هذا اللون يميلون للسلام ولديهم القدرة على الحب والعطاء للآخرين، وهو كذلك في الفن.
  • اللون الأرجواني واللون البنفسجي: الفرق بين الأرجواني والبنفسجي هو أنَّ الأخير يظهر واضحا في ألوان الطيف (قوس قزح) في حين أنَّ الأرجواني مزيجٌ من اللونين الأحمر والأزرق وكلاهما يحتوي على طاقة وقوة الأحمر والروحانية والسلام من اللون الأزرق، وفي معنى الألوان الأرجواني والبنفسجي هما لونا الحالم الذي هو بحاجة للهروب من الجوانب العملية، ومن منظور علم النفس اللون فالأرجواني والبنفسجي لديهما القدرة على التناغم بين العقل والعواطف وبين الفكر والنشاط. وهو ملهم للحب غير المشروط ونكران الذات الخالية من (الأنا)، ويعتبر هذا اللون لون المبدعين في شتى المجالات الفنية والأدبية.
  • اللون البني: يثير فينا هذا اللون الحنين إلى الماضي وهو لون الأرض والخشب والصحراء وهو نغمات الأرض بدرجاته اللونية التي تجمع بين ألوانه القاتمة والفاتحة بلون الذهب البراق.

الألوان في لوحات مشاهير الفنانين

نبدأ من "بابلو بيكاسو" (1881- 1973) الذي مر خلال مسيرته الفنية بمرحلة أنتج فيها العديد من اللوحات التي ركز فيها على موضوعات الوحشة واليأس وقد سميت هذه المرحلة بـ "المرحلة الزرقاء" والتي كانت تُشير إلى فترةٍ من الحزن عاصرها وتألم منها، ثم عاش بيكاسو في فرنسا من 1904 وحتى وفاته، وتحول أسلوبُ هذه الفترة إلى أسلوب آخر يُركِّز على ألوان وأمزجة أكثر دفئا، ثم تخلى بيكاسو عن الوجوه النحيلة المذعورة التي كانت بالفترة الزرقاء، وأصبحت موضوعاته أكثر مرونة، وكذا كانت المرحلة الوردية في حياته تشير إلى السعادة والبهجة.

 

لوحة للفنان بيكاسو من المرحلة الزرقاء
لوحة للفنان بيكاسو من المرحلة الزرقاء

 

الفنان فان غوخ

أما "فان غوخ" فقد كشفت لنا لوحته الشهيرة "ليل النجوم" حالته النفسية في تلك المرحلة التي أنتجها في بداية شعوره بالوحدة والاكتئاب وبداية نوبات الصرع التي كانت تدهمه، ما دعاه إلى إنتاج لوحاتٍ تضمَّنت سماءً داكنة تظهر بها النجوم كشموسٍ ملتهبةٍ وأصبحت لوحاته أقل إضاءةً بألوانٍ قاتمةٍ واختفى اللون الذهبي الذي أحبَّه وتحوَّل إلى لونٍ برونزيٍ قاتم، كما تحوَّل اللون الأحمر إلى لونٍ بنيٍ علاوة على استخدام الأزرق البروسي في عدة لوحاتٍ تعكس التشتت الذهني والجسدي الذي يعاني منه الفنان.

 

لوحة ليل ونجوم للفنان فن كوخ
لوحة ليل ونجوم للفنان فن كوخ

الفنان رامبرنت

وفي لوحات "رامبرانت" نجد أن اللونين البني الغامق والأسود هما الأكثر استخداما، ما يمنح أعماله سمة الغموض والعمق البصري، وهكذا عاش حياة فنية مغرقة في اللون الداكن، يرجعها بعض النقاد إلى حياته الدرامية البائسة.

 

لوحة للفنان رامبرانت
لوحة للفنان رامبرانت